انعزالية، صمت، ونظراته مرعبة بعد إفراط في الحركة على مدى السنتين الأوليتين للطفل نور رغم محاولات والديه بدمجه بمحيطه وإخراجه من حالة الغزالة والصمت التي أستهواها على مدى الثلاث سنوات الماضية.
نور وهو في ربيعه الخامس اكتشف والديه بعد مراجعات طبية كثيرة إصابته بداء التوحد، الخبر نزل كالصاعقة على ذويه، مر عام كامل على العلاجات المكثفة الطبية والنفسية وبدأ نور بالتعافي النسبي.
السؤال الاهم هنا ماهو مرض التوحد الذي تسلل لبعض الأطفال وأقحم الأسر في حربه،
يُعرّف التوحّد او متلازمة داء التوحد أو كما يُسمّى اضطراب طيف التوحّد على أنّه أحد الاضطرابات التي تؤثر في إدراك الشخص للعالم من حوله وطريقة تعامله مع الآخرين، وتُلازم الشخص طوال حياته وبحسب الإحصائيات يُعاني ما يُقارب 1 من كُل 100 شخص في العالم من التوحّد وفي الحقيقة تظهر أعراض التوحّد على الأطفال قبل سنّ الثالثة بالرّغم من أنّ تشخيص الإصابة باضطراب التوحّد يتم بعد الثالثة من عُمر الطفل في بعض الحالات.
نور ليست الحالة الوحيدة أو القليلة التي انتشرت في العراق فالإحصائيات الغير رسمية الصادرة من جامعة كامبردج البريطانية قالت إن مرض التوحد ينتشر بنسبة كبيرة في العراق مقارنة مع السنوات التي سبقت حرب عام 2003، وحددت نسبة الإصابات بنحو 75 لكل عشرة آلاف شخص.
رغم تفشي المرض عالميا ووجود نسب وصفت بالمخيفة في العراق بعد تزايد أعداد المصابين به، إلا المعالجات لا تلبي المطوح لتفادي خطورته، ويرجع مختصون أسباب ظهوره لعوامل وراثية وأخرى بيئية فيما لم يبرئ آخرون أن التقنيات الالكترونية ومخاطرها فأقمت من تفشي المرض.
طبيب الأسرة الدكتور عباس فرهود ركز على اثر التقنيات الالكترونية الحديثة ومظاهر العنف في تفاقم وتفشي داء التوحد وما رافقها من خلق حالة من العزلة الاجتماعية للطفل عن محيطه الاجتماعي.
وقال فرهود لوكالة النبأ للإخبار أن "مظاهر العنف والحروب أسهمت بالإضافة إلى إضرار استخدام الأجهزة اللوحية والكمبيوترات، والهاتف النقال والتواصل معها لساعات طويلة بخلق أمراض نفسية واجتماعية للأطفال خصوصا في سنواتهم الأولى للنمو العقلي والجسدي".
ويضيف "الدراسات العالمية برأت التقنيات الحديثة من تهمة السبب الأول لتفشي داء التوحد ألا أنها عدتها سبب ثانوي لتفاقم المرض وزيادة حدته".
وتابع "أسهمت التقنيات الالكترونية في خلق حالة من العزلة الاجتماعية للطفل عن محيطه، فالإدمان الالكتروني والإفراط في استخدامها للطفل أفقدته أهم عوامل النمو الطبيعي اذ يتطلب أن يتحرك الطفل بما يقارب من الــ90 % لتتمكن خلاياه من النمو بشكل طبيعي، مؤكداً أن "الدراسات اعتبرت تعلق الطفل في عمر السنتين بالأجهزة الالكترونية احد أسباب العزلة الاجتماعية وبالتالي بداية لنشوء مرض التوحد المدمر لخلايا المخ".
من جهته قال طبيب الإمراض النفسية د. أيسر الجبوري أن "الدراسات العالمية رغم عدم توصلها للأسباب المباشرة لمتلازمة التوحد ألا أنها برئت التقنيات الالكترونية،وحتى مظاهر العنف أو الحروب من تهمة التسبب بتفشي المرض أو حتى ظهوره من الأساس".
واعتبر الجبوري أن عوامل وراثية وأخرى بيئية تعد من الأسباب المباشرة للمرض، لافتا إلى أن طبيعة التربية الأسرية، وقلة اندماج الوالدين مع الطفل عامل أساسي في بروز المرض.
وأشار الى ان العوامل الوراثية تتمثل في عمر الوالدين، فاغلب الأسر التي توجد فيه طفل يعاني التوحد ذويه ارتبطا في سن متأخره، ناهيك عن حالة العزلة التي تعشيها الأسر، لافتا إلى أن "التربية القديمة للأسر الغير المتعلمة والمتطورة كانت أفضل مما عليه اليوم نتيجة لتوفر مساحة من التواصل بين الطفل وذويه عكس الوقت الحاضر حيث يكون الأبوين في انشغال شخصي شبه مستمر عن أطفالهم".
وتابع الجبوري ان "التقنيات الالكترونية ليست السبب المباشر في تفشي متلازمة التوحد لكنها سبب يضاف لخلق بيئة لنشوء المرض فكثير من الأطفال يولدون سالمين لكنهم يصابون بالمرض فيما بعد نتيجة سوء التنشه والرعاية الأسرية، وعدم وجود التواصل بين إلام وطفلها فأقم من حد المرض حد يصل لحالات متأخرة يصعب علاجها".
وانتقد الطبيب النفسي قلة المراكز المتخصصة لمعالجة المرض، بالقول انه "رغم قلة المراكز المعالجة للمرض التي يمكن لها أن تسهم في تقليل حدة اتساع نسب المصابين فيه، وامتثال البعض منهم للشفاء، لكن ما يؤسف علية عدم وجود الكوادر المتخصصة في التعامل وعلاج الحالات المريضة تلك، فالحكومة تفتقر لموضوعة تأهيل الكوادر أو تدريبهم وفق تقنيات عالمية متحججة بعدم توفير المخصصات المالية لتدريبهم وما يوجد من حالات طبية احترافية في عملها هي ثمرة لجهود شخصية مارسها الطبيب وتابعها في علاج مرضاه".
وتشير إحصاءات منظمة الصحة العالمية عام 2016، إلى أن طفلا واحدا من كل 160 طفلا يعاني اضطرابات التوحد، التي تظهر في مرحلة الطفولة وتميل للاستمرار في فترة المراهقة وسن البلوغ.
وفي الولايات المتحدة يوجد أكثر من 3 ملايين ونصف المليون شخص مصابون بالتوحد، فيما تقدر السلطات الأميركية أن واحدا من كل 68 مولودا جديدا في البلاد يولدون ولديهم هذا المرض.
وفي أستراليا، يقدر عدد المصابين بمرض التوحد بنحو 164 ألف شخص (واحد من كل 150 شخصا)، بحسب أرقام دائرة الصحة للعام 2015، غالبية هؤلاء من عمر 25 عاماً وما دون.
وبحسب أرقام الأمم المتحدة، فإن حوالي 1 بالمئة من سكان العالم مصابون بمرض التوحد، أي حوالي 70 مليون شخص، مع العلم أن رقعة المرض آخذة في الاتساع.
وتكشف الأرقام أن الذكور معرضون للإصابة بالتوحد أكثر من الإناث بمعدل 4 أضعاف. ولا يزال 80 بالمئة من كبار السن ممن يعانون المرض عاطلون عن العمل، وفق الأمم المتحدة.
اضف تعليق