مع اندلاع حروب الإرهاب السلفي الوهابي في المنطقة العربية خلال السنوات الماضية، سواء في سوريا أو ليبيا أو العراق أو اليمن، أضحى مشهد مركبات تويوتا المثبَّت عليها الرشاشات الآلية أو المضادات للدروع أمرًا عاديًّا في هذه البلدان، وتحوَّلت السيارة اليابانية إلى رمز للارهاب، ووُصفت بأنها المركبة المفضَّلة للثوَّار والمتمرِّدين؛ تمامًا مثل سلاح "الكلاشينكوف" الروسي الذي تحوَّل إلى رمز للثورة والتمرُّد لدى الحركات المسلَّحة في فيتنام وأفغانستان وكمبوديا والعديد من الدول الأفريقية، بفضل فعاليته وتوفُّره وسعره الاقتصادي.
يعد أبرز ظهور لعربات "تويوتا هايلوكس" في ساحات النزاعات المسلَّحة، في منتصف السبعينيات والثمانينيات خلال الحرب بين المغرب و"جبهة البوليساريو" التي تطالب بالاستقلال؛ إذ استخدمها المقاتلون الصحراويون بسبب قوَّة تحمِّلها، ومناسبتها للتضاريس الوعرة، واختراقها المساحات الصخرية والصحراوية في كثبان الصحراء الغربية.
وبينما حصل المغرب على سلاحه من الولايات المتحدة؛ نصَّبت قوَّات "البوليساريو" المدفعيَّات السوفيتية والرشاشات الآلية من نوع 14 ميليمترًا، على عربات "تويوتا" التي حصلت عليها من طرف نظام معمَّر القذافي، وقادت من خلالها هجمات خاطفة وسريعة ضد الجيش المغربي؛ نظرًا إلى سرعة العربات وسهولة إخفائها، وحركتها المرنة بفضل نظام الدفع الرباعي (4×4) رغم الطرقات الوعرة في الصحراء؛ قبل أن تختفي المجموعات الصحراوية مجدَّدًا خلف الكثبان.
تحوَّلت عربات التويوتا إلى أيقونة للحروب في القارة السمراء، لدرجة أن حربًا بأكملها سمِّيت باسمها؛ "حرب التويوتا" التي دارت على الحدود الليبية التشادية بين جيشي البلدين في عامي 1986- 1987، بسبب رغبة القائد الليبي السابق، معمر القذافي، في ضمِّ "إقليم أوزو" الغنيِّ بالثروات والتابع لدولة تشاد.
وفي الوقت الذي دعمت ليبيا القوَّات المتمردة ضد الرئيس التشادي، حبري، في مطلع الثمانينيات؛ توحَّدت هذه الجماعات مع قوَّات حبري ضد الوجود الليبي في شمال تشاد سنة 1986، واستطاع التشاديون بفضل الدعم الفرنسي الذي وفَّر أسلحة مضادة للدبابات وصواريخ مضادة للطائرات، من إلحاق هزيمة ساحقة بالجيش الليبي، الذي قُتل منه حوالي 7 آلاف و500 جندي، مقابل ألف جندي تشادي؛ لتضطر ليبيا إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار في سبتمبر (أيلول) 1987.
وبالإضافة إلى التسليح الكثيف الذي وفَّرته الحكومة الفرنسية للجانب التشادي في حربه ضدَّ قوات معمر القذافي؛ كان تزويدها للمقاتلين التشاديين بحوالي 400 عربة تويوتا ثُبَّتت عليها الصواريخ الموجَّهة المضادة للدروع، أحد أهم الأسلحة التي رجَّحت الحرب لصالح التشاديين.
فقد استطاع التشاديون بفضل خفِّة عربات التويوتا ومرونتها، هزيمة الجيش الليبي الأكثر تسليحًا، والمدجَّج بحوالي 300 دبَّابة "تي-500"، ولذلك سمِّي هذا الصراع بـ"حرب التويوتا".
وتكمن الميزة المرجِّحة لعربات التويوتا مقابل الدبَّابات، في كون هذه الأخيرة بطيئة وغير مجدية في حروب العصابات التي تتطلَّب مرونة وسرعة في التنقُّل، وهو ما يجعل العربات الأخف والأسرع مثل تويوتا الأكثر مناسبة.
تمامًا مثل سلاح "AK 47" أو "الكلاشينكوف"، الذي يعدُّ علامة مسجَّلة للتنظيمات المسلحة ما دون الدولة؛ بسبب ثمنه الزهيد مقارنة بالأسلحة الأخرى، وتوفُّره بشكل واسع، وسهولة استعماله؛ فإن عربات تويوتا تشترك في الخصائص ذاتها أيضًا مع سهولة تحويلها إلى عربات عسكرية ببعض الإضافات والتعديلات، وقد أثبتت نجاعتها في أكثر من ساحة حربية؛ إذ استعملتها حركة طالبان خلال التسعينيات في الحرب الأهلية الأفغانية، بالإضافة إلى "تنظيم القاعدة"، ومنظمة "بوكو حرام"، والعديد من الحروب الأهلية في أفريقيا وأمريكا اللاتينية.
تنظيم (داعش) الوهابي كان أيضًا من بين أبرز من استعمل "تويوتا" في عملياته العسكرية؛ إذ عمل على إبرازها في فيديوهات التنظيم الدعائية، واستُخدمت هذه السيارات من أجل لفت الانتباه إلى قوَّة التنظيم وشدَّة تسلُّحه، وأصبحت عربة التويوتا التي يرفرف فوقها العلم الأسود، أيقونة لإحكام سيطرة التنظيم على منطقة ما.
انتشار هذه المركبات في الفيديوهات الدعائية للتنظيم أثناء السيطرة على محافظة الموصل سنة 2014 حيث كانت التويوتا هي وسيلة النقل الرئيسية بالنسبة لمقاتلي "داعش"، أو حتى في سوريا وليبيا التي سيطرت الحركة على بعض أجزائها في أوقات متفرِّقة؛ استدعى تحقيقًا من الولايات المتحدة حول المصدر الذي تتلقى منه هذه الحركة المسلَّحة كل هذه العربات التي تظهر في فيديوهاتها.
وبالرغم من أن الخبراء يجمعون على أن "الهايلوكس" تستخدم في الحروب والنزاعات المسلحة بسبب فعاليتها الشديدة، وشدَّة تحمُّلها، ومناسبتها لمختلف البيئات والتضاريس الوعرة، وهو ما يعد – بصورة أو بأخرى – دعاية مجَّانية للشركة التي باعت أكثر من 9.5 ملايين سيَّارة السنة الماضية من مختلف الأنواع، لتكون أكثر شركة سيارات بيعًا في العالم؛ فإنَّ ارتباط المركبة بالجماعات المسلَّحة، وحتى اتهام الشركة بأنَّها تبيع المركبات لهذه الجماعات، خصوصًا بعد أن طالب "مكتب الخزانة الأمريكية للإرهاب والتمويل" الذي يشرف على تحقيقات مصادر التمويل، الشركةَ اليابانية بالكشف عن مصدر كل هذه العربات التي حصل عليها التنظيم، لم يعجب الشركة.
أما اسرار وصول سيارات تويوتا الى داعش فتكشفت خيوط دعم السعودي وقطري وإماراتي للتنظيم الارهابي. وذلك بعد أن سلم الجيش الروسي شركة السيارات اليابانية "تويوتا" صورا لعشرات السيارات التي صادرها الجيش السوري في معاركه على الأرض جميعها كانت مع "داعش".
أكد مصدر مطلع، أن الحكومتين السورية والروسية قد تسلمتا من شركة "تويوتا" تقريرا أوليا بشأن صور السيارات التي تسلمتها الشركة من المخابرات العسكرية الروسية، وكان أبرز ما جاء فيه: أن 22500سيارة اشترتها شركة استيراد سعودية الجنسية، فيما اشترت قطر 32000 سيارة، واشترت الإمارات 11650 سيارة، واستورد الجيش الأردني 4500 سيارة باعتماد ائتماني من عدة بنوك سعودية الجنسية. وجميعها الآن مع تنظيم "داعش". ويبلغ عدد السيارات التي يملكها "داعش" من نوع تويوتا أكثر من 60000، والسيارات جميعها دفع رباعي من طراز "قمارتين".
اضف تعليق