حذرت منظمات إغاثة من أن الجفاف غير المسبوق في العراق وسوريا قد يؤدي إلى انهيار النظام الغذائي لملايين السكان بشكل كامل، وذلك وفقا لموقع "الحرة".
وذكر موقع "pri.org" أن فصل الشتاء الجاف أدى إلى انخفاض منسوب المياه في نهري دجلة والفرات إلى مستويات قياسية، مما تسبب في تعطيل مرافق الطاقة الكهرومائية وتركيز التلوث إلى مستويات جعلت المياه غير صالحة للشرب، فيما تقدر منظمات إنسانية أن 12 مليون شخص قد تضرروا جراء ذلك، مؤكدة أن هذه الأزمة قد تقلب التوازن في النظام الغذائي وسبل العيش للمنطقة بأكملها.
ففي سوريا، يعد هذا لجفاف هو الأسوأ منذ 70 عامًا، وهو أكثر حدة من موسم الجفاف الذي حدث في الأعوام 2006-2009، بينما قال خبراء إن هذا الصيف كان ثاني أكثر موسم جفافاً في العراق منذ 40 عاماً.
ونقلت سماح حديد، رئيسة لجنة مناصرة الشرق الأوسط في المجلس النرويجي للاجئين، مكتبها مؤقتًا بالقرب من مناطق الجفاف، في مدينة أربيل العراقية، حيث تقضي أيامها في مقابلة المزارعين والعائلات المتضررة من نقص المياه، قائلة: "نسمع الكثير من القصص المحزنة ، والناس هنا يائسون"، بحسب "الحرة".
وأردفت: "إنهم ينفقون الكثير من الأموال على مياه الشرب والآن يخططون فقط لمغادرة تلك المناطق والتخلي عن أراضيهم لأنهم ببساطة لا يستطيعون العيش عليها بعد الآن".
تلوث وأمراض
أوضح المجلس النرويجي للاجئين في بحثه الميداني أن العائلات في العراق تنفق بانتظام ما يصل إلى 80 دولارًا شهريًا لشراء مياه الشرب الصالحة للشرب، فيما يواجه سدان لتوليد الطاقة الكهرومائية في شمال سوريا خطر الإغلاق بسبب انخفاض مستويات الأنهار مما أدى أيضا إلى تفشي الأمراض في مخيمات النازحين بسبب المياه الملوثة..
ويلقي بعض الخبراء والسياسيين باللوم على تركيا التي بنت العديد من السدود قرب منابع نهري دجلة والفرات، ولكن تركيا نفسها تتعرض لأزمة المناخ وانخفاض مستوى هطول الأمطار، ومع ذلك يجب عليها، بحسب الخبراء، أن تسمح بتدفق أكبر من مياه النهرين لأن حياة الملايين في سوريا والعراق تعتمد على ذلك.
وفي منطقة سنجار بالعراق، قال المزارع، قاسم علي آيزدو، إنه أصبح من المستحيل زراعة خضروات التي تحتاج الكثير من المياه مثل الباذنجان، مضيفا: "حتى أشجار الزيتون، وهي من المحاصيل القوية والمقاومة للجفاف، بدأت تذبل وتموت جراء قلة المياه وارتفاع درجات الحرارة".
وتابع: "محاصيل البطيخ تلفت هذا الموسم، وكان هناك حشرات على شتلات الفاصولياء لم أرها من قبل في حياتي".
وفي محافظة نينوى شمالي العراق، قال المزارع ومربي الأبقار، محمد إبراهيم حسن إن مساحات كاملة من محاصيل القمح والشعير قد تلفت، موضحا أنهم يلجأون إلى حفر آبار أعمق، والاستفادة من المياه الجوفية التي لن تكون حلا للأجيال القادمة، كما جاء في تقرير "الحرة".
وزاد: "في الماضي كان منسوب المياه الجوفية ينخفض حوالي 3 أقدام في السنة، ولكنه في الوقت الحالي ينخفض إلى 15 أو 20 قدمًا. ومع ذلك، ومع ذلك فإننا نواصل الحفر بتكاليف لا يستطيع تحملها سوى قلة من المزارعين".
مسؤولية تركيا
في المقابل، يصر المسؤولون الأتراك على أنهم ملتزمون باتفاقيات تقاسم المياه الحالية التي تتطلب من الدولة أن تطلق من سدودها ما لا يقل عن 500 متر مكعب من المياه في الثانية، بيد أن أنقرة كانت قد بنت أكثر من 500 سد في العقدين الماضيين، والتي تعتبر بالنسبة للحكومة التركية علامة على الازدهار والتنمية في جنوب شرق البلاد القاحل.
وأكبر تلك السدود كان قد جرى بنائها على نهر دجلة، وهو سد إليسو، المثير للجدل، والذي بسببه تقلصت مستويات المصب على نهر دجلة بشكل كبير عند بدء ملء الخزان في العام 2019 ، مما ساهم في أزمة الأمراض المرتبطة بتلوث المياه في شط العرب بمدينة البصرة جنوب العراق.
وفي هذا العام، زارت وفود من وزارة الموارد المائية العراقية تركيا للضغط على المسؤولين هناك لإطلاق المزيد من المياه من سدود المنبع، ولكن بعض السلطات الكردية في سوريا والعراق تتهم أنقرة باستخدام المياه كسلاح ضمن الصراعات السياسية في الشرق الأوسط.
وفي هذا الصدد يقول، دورسون يلدز، رئيس جمعية السياسة المائية ومقرها أنقرة، إن "تركيا لا تستخدم الماء كسلاح"، لافتا إلى أن معظم السدود الكبيرة في البلاد هي سدود كهرومائية تؤثر على البيئة، ولكنها لا تستهلك بالضرورة الكثير من المياه، وفقًا لـ "الحرة".
معضلة الاتفاقيات
بالنسبة إلى يلدز، فإن المعضلة الكبرى تتمثل في عدم وجود اتفاقيات واضحة بين الدول بشأن تقاسم المياه، بالإضافة إلى عدم اعتماد أنظمة أكثر كفاءة لضمان الاستفادة من المياه المتدفقة.
وأوضح أنه قبل سنوات رأى بشكل مباشر كيف أن الجهود المبذولة لوضع قواعد أكثر وضوحًا وتماسكًا لتقاسم المياه بين تركيا والعراق وسوريا قد باءت بالفشل، مشددا على أن هذه المنطقة تعاني دائمًا من نقص في المياه، وأنه ومن المرجح أن تسوء الأمور أكثر مع التغيرات المناخية السريعة.
وختم بالقول : "لا أقول هذه الأشياء لإلقاء اللوم على الدول المجاورة، ولكن ما أود التأكيد عليه هو أنه ليس لدينا مزيد من الوقت لإضاعته"، في إشارة إلى ضرورة وضع اتفاقيات واضحة بشأن تقاسم المياه وإيجاد حلول فعالة لمنع الهدر وبالتالي الاستفادة القصوى من تدفقات المياه.
اضف تعليق