يتحرك الجيش التركي يمينا وشمالا في حركة ليست مفهمة للكثيرين، خصوصا وانه لم يعرف عن أنقرة لغة التوسع منذ اتفاقية لوزان عام 1923، فما الذي جعل اردوغان يوزع قواته في العراق وسوريا وصولا الى ليبيا.
معاهدة لوزان الثانية التي عقدت في سويسرا بين تركيا من جهة، وبريطانيا وفرنسا- ومملكةِ إيطاليا واليونانِ بشكلٍ رئيسيٍّ ومعها بقيةُ دولِ الحلفاءِ يوجوسلافْيا ورومانْيا واليابانِ منْ جهةٍ أخرى، هذه المعاهدة هي كلمة السر المعلنة في تحركات حكومات رجب طيب اردوغان.
تقع محافظات الموصل وكركوك في العراق وكذلك إدلب وحلب والحسكة في سوريا نصب عين الرئيس التركي ويعتبرها اراضٍ تركية اقتطعت بموقف ضعف، ويعضد ذلك الانتشار العسكري التركي في شمال العراق وسوريا وفق مراقبون.
يشرعن اردوغان تحركه في العراق وسوريا إضافة إلى تراقيا الغربية وبحر إيجة وشمال قبرص بوثائق عديدة وأهم تلك الوثائق على الإطلاق ما يعرف بـ"الميثاق الملي"، الصادر عن الآباء المؤسسين للجمهورية التركية في عام 1920.
وأشار الرئيس التركي إلى الميثاق الملي لأول مرة خلال شهر أكتوبر من عام 2016، عندما استبعدت تركيا من المشاركة في حملة قادتها الولايات المتحدة الأمريكية لتحرير مدينة الموصل من أيدي تنظيم (داعش) الوهابي، فقد رد أردوغان على استبعاد بلاده بالقول: "في الموصل التاريخ يكذب علينا.. وإذا رغب السادة الأفاضل (يقصد الحكومة العراقية) في التحقق من ذلك فعليهم بقراءة الميثاق الملي ليفهموا معنى الموصل بالنسبة لنا".
تكون الميثاق من مبادئ ستة اعترفت بخسارة الأتراك للولايات العربية، ولكنه استثنى إقليم كردستان بالكامل، إضافة إلى شمال سوريا (وعاصمته حلب)، وشمال العراق (وعاصمته الموصل)، حيث اعتبر الميثاق تلك المناطق جزءًا من الدولة التركية الجديدة، باعتبار أن أغلبية سكانها من الناطقين بالتركية. وهو ما تكرر من قبل "الميثاق الملي"، عندما اعتبر تراقيا الغربية، وجزر بحر إيجة، إضافة إلى جزيرة قبرص بالكامل جزءًا كذلك من تركيا، وللأسباب نفسها.
أثارت الخريطة المنبثقة عن "الميثاق الملي" غضب الحلفاء فاحتلوا العاصمة العثمانية إسطنبول في 19 مارس، ونتيجة لتلك الأحداث المتلاحقة، وقعت الحكومة العثمانية في إسطنبول "معاهدة سيفر" مع الحلفاء في العاشر من أغسطس 1920، حيث خلقت المعاهدة حدودًا جديدة لتركيا، تخالف تلك الحدود التي أقرها "الميثاق الملي"، ولا تتجاوز منطقة الأناضول، وتراقيا الشرقية دون الغربية. مع تقسيم الأقاليم العربية في سوريا والعراق، بما فيها مدن حلب والموصل، وكردستان العراقية والسورية بين بريطانيا وفرنسا.
"لوزان 1923"
في الأول من نوفمبر 1922، أعلن أتاتورك إلغاء السلطنة العثمانية وحل حكومة إسطنبول، وأكد أن وفد أنقرة برئاسة عصمت إينونو هو الممثل الوحيد للأتراك في لوزان.
وفي الجولة الأولى من المفاوضات من 21 نوفمبر 1922 إلى 4 فبراير 1923، ربط عصمت إينونو توقيعه على المعاهدة بالموافقة على بنود "الميثاق الملي"، الأمر الذي قوبل بالرفض من قبل الحلفاء في 31 يناير عام 1923.
أيقن مصطفى كمال أن التصلب حول شروط "الميثاق الملي"، والخريطة المنبثقة عنه سوف يؤدي إلى إشعال حرب لا طاقة للأتراك بها وبالتالي، فضل التمسك بما حققه من مكاسب في حرب الاستقلال، وأمر إينونو بالتوقيع على المعاهدة بأي ثمن.
بدأت الجولة الثانية من مفاوضات لوزان في 23 أبريل 1923، وانتهت بتوقيع الاتفاقية في 24 يوليو. ولم تقبل "معاهدة لوزان" من مواد "الميثاق الملي" سوى الفتات، حيث منحت تركيا حكم مدينتي قارص وأردا خان، بينما خرجت باطوم من السيادة التركية (هي اليوم عاصمة جمهورية ذاتية الحكم تدعى أرجا تقع جنوب جورجيا).
أما البندان الأول والثالث، وهما الأكثر إثارة للجدل بين الأطراف المتفاوضة، فقد جرى رفضهما تمامًا، حيث اعتبر الأول بمثابة إصرار تركي على إنكار الهزيمة في الحرب العالمية الأولى، وخسارة كامل الوجود بالعالم العربي، وبالتالي أصبحت مسألة الاستفتاء خاوية من المعنى.
وبالنسبة للشق الثاني من نفس البند، الذي حاول الأتراك من خلاله الاستيلاء على الشمالين العراقي والسوري بسبب خلوهما من أغلبية عربية، فإن المجتمعين في لوزان كانوا على إدراك بسياسات التتريك الممنهجة التي اتبعتها الحكومة العثمانية تجاه تلك المناطق منذ أوائل القرن العشرين، خصوصاً في الموصل التي حاول الأتراك الاستيلاء على ثروتها النفطية من خلال التأكيد على حق إثني تركماني فيها، الأمر الذي رفض بطبيعة الحال في لوزان.
ومصير الرفض الذي لاقاه البند الأول هو نفسه الذي كان في انتظار البند الثالث، حيث جرت عملية تعداد للسكان في تراقيا الغربية، أثبتت أن العرق اليوناني يمثل الأغلبية في الإقليم بنسبة 63% مقابل 30% فقط للأتراك.
حاول القادة الأتراك في السنوات اللاحقة لتأسيس الجمهورية استعادة ما فقدوه من "لوزان"، ففي عام 1939، أقدم مصطفى كمال أتاتورك على احتلال لواء الإسكندرونة السوري بعد تسويات سياسية مع حكومة الانتداب الفرنسي في دمشق، ولا يزال اللواء محتلًا من قبل تركيا إلى اليوم تحت اسم يمسخ هويتها الأصلية، وهو هاتاي، وفي عام 1974، قام الجيش التركي باحتلال شمال قبرص، مؤسسًا لما يعرف بجمهورية شمال قبرص التركية، التي لا يعترف بها أحد حتى الآن سوى تركيا نفسها.
اليوم، تمتلك تركيا عشرات القواعد العسكرية في شمال العراق، بينما تنفذ بصورة دورية عمليات عسكرية ضد الشمال السوري.
يقول أردوغان: "هناك من يريد إقناعنا بأن معاهدة لوزان انتصار لتركيا وللأتراك.. هدّدونا بمعاهدة سيفر في 1920، ليجعلونا نقبل معاهدة لوزان عام 1923". ويتابع "لوّحوا لنا بالموت لنقبل بالعاهة الدائمة".
يتحرك الجيش التركي يمينا وشمالا في حركة ليست مفهمة للكثيرين، خصوصا وانه لم يعرف عن أنقرة لغة التوسع منذ اتفاقية لوزان عام 1923، فما الذي جعل اردوغان يوزع قواته في العراق وسوريا وصولا الى ليبيا.
معاهدة لوزان الثانية التي عقدت في سويسرا بين تركيا من جهة، وبريطانيا وفرنسا- ومملكةِ إيطاليا واليونانِ بشكلٍ رئيسيٍّ ومعها بقيةُ دولِ الحلفاءِ يوجوسلافْيا ورومانْيا واليابانِ منْ جهةٍ أخرى، هذه المعاهدة هي كلمة السر المعلنة في تحركات حكومات رجب طيب اردوغان.
تقع محافظات الموصل وكركوك في العراق وكذلك إدلب وحلب والحسكة في سوريا نصب عين الرئيس التركي ويعتبرها اراضٍ تركية اقتطعت بموقف ضعف، ويعضد ذلك الانتشار العسكري التركي في شمال العراق وسوريا وفق مراقبون.
يشرعن اردوغان تحركه في العراق وسوريا إضافة إلى تراقيا الغربية وبحر إيجة وشمال قبرص بوثائق عديدة وأهم تلك الوثائق على الإطلاق ما يعرف بـ"الميثاق الملي"، الصادر عن الآباء المؤسسين للجمهورية التركية في عام 1920.
وأشار الرئيس التركي إلى الميثاق الملي لأول مرة خلال شهر أكتوبر من عام 2016، عندما استبعدت تركيا من المشاركة في حملة قادتها الولايات المتحدة الأمريكية لتحرير مدينة الموصل من أيدي تنظيم (داعش) الوهابي، فقد رد أردوغان على استبعاد بلاده بالقول: "في الموصل التاريخ يكذب علينا.. وإذا رغب السادة الأفاضل (يقصد الحكومة العراقية) في التحقق من ذلك فعليهم بقراءة الميثاق الملي ليفهموا معنى الموصل بالنسبة لنا".
تكون الميثاق من مبادئ ستة اعترفت بخسارة الأتراك للولايات العربية، ولكنه استثنى إقليم كردستان بالكامل، إضافة إلى شمال سوريا (وعاصمته حلب)، وشمال العراق (وعاصمته الموصل)، حيث اعتبر الميثاق تلك المناطق جزءًا من الدولة التركية الجديدة، باعتبار أن أغلبية سكانها من الناطقين بالتركية. وهو ما تكرر من قبل "الميثاق الملي"، عندما اعتبر تراقيا الغربية، وجزر بحر إيجة، إضافة إلى جزيرة قبرص بالكامل جزءًا كذلك من تركيا، وللأسباب نفسها.
أثارت الخريطة المنبثقة عن "الميثاق الملي" غضب الحلفاء فاحتلوا العاصمة العثمانية إسطنبول في 19 مارس، ونتيجة لتلك الأحداث المتلاحقة، وقعت الحكومة العثمانية في إسطنبول "معاهدة سيفر" مع الحلفاء في العاشر من أغسطس 1920، حيث خلقت المعاهدة حدودًا جديدة لتركيا، تخالف تلك الحدود التي أقرها "الميثاق الملي"، ولا تتجاوز منطقة الأناضول، وتراقيا الشرقية دون الغربية. مع تقسيم الأقاليم العربية في سوريا والعراق، بما فيها مدن حلب والموصل، وكردستان العراقية والسورية بين بريطانيا وفرنسا.
فرصة داعش الثمينة!
أزمات سياسية لا تتوقف، صراعات أهلية طائفية وعرقية، حروب بالوكالة، تهجير جماعي قسري وتشريد لأعداد تُقدَّر بعشرات الملايين من النازحين واللاجئين، بؤر انفصالية ومناطق تمرد تمتد على مساحات جغرافية شاسعة بحجم دول مثل بريطانيا في شمال شرق سوريا وغرب العراق، مع ظهور تنظيم داعش الوهابي وسيطرته على هذه المساحات الواسعة في البلدين، تغلغل الجيش التركي أيضا في نفس مناطق السيطرة، مرة لايقاف تمدد التنظيم بحسب زعم أنقرة ومرة أخرى لمحاربة التنظيمات التركية مثل حزب العمال الكردستاني الذي استثمر الانهيار السياسي والأمني في هذه المناطق وسيطر على سنجار ومساحات من شمال سوريا.
يقول آمر لواء الحسين في الحشد الشعبي والمرقم (53) ويشكل التركمان الشيعة غالبيته الساحقة، علي محمد صالح، ان "تركيا تحتضن أكثر من 25 ألف عائلة داعشية الآن، وتنتظر عام 2023 لاعادتها للموصل". لافتا الى ان الحشد الشعبي لن يسمح بذلك.
"قواعد بلا موافقة"
كثيرا ما ينفذ الجيش التركي غارات بطائرات حربية وأخرى بدون طيار داخل العراق، كما يرسل قوات برية إلى مواقعه العسكرية في إقليم كردستان لتنفيذ هجمات ضد مواقع الحزب. ونددت بغداد بهذه العمليات التي لم تنسقها أنقرة مع الحكومة المركزية باعتبارها انتهاكا لسيادة العراق.
وسبق أن طالب العراق تركيا بإنهاء أنشطتها العسكرية على أراضيها، لكن تركيا تتهم جارتها بالتسامح مع وجود حزب العمال الكردستاني على أراضيها، وترفض إنهاء هجماتها عبر الحدود.
ويقول اللواء المتقاعد ماجد القيسي: "أبدا لن تسعى تركيا للحصول على موافقة العراق، فجميع قواعدها أسستها بدون موافقة الحكومة العراقية".
ينفذ الجيش التركي غارات بطائرات حربية وأخرى بدون طيار داخل العراق، كما يرسل قوات برية إلى مواقعه العسكرية في إقليم كردستان لتنفيذ هجمات ضد مواقع حزب العمال الكردستاني. ونددت بغداد بهذه العمليات التي لم تنسقها أنقرة مع الحكومة المركزية باعتبارها انتهاكا لسيادة العراق.
وسبق أن طالب العراق تركيا بإنهاء أنشطتها العسكرية على أراضيها، لكن تركيا تتهم جارتها بالتسامح مع وجود حزب العمال الكردستاني على أراضيها، وترفض إنهاء هجماتها عبر الحدود.
اضف تعليق