يتكرر في العراق بين الفينة والأخرى تسجيل حالات الوفاة من جراء أخطاء طبية خلال العمليات الجراحية خاصة، أو بفعل مضاعفات جراحات تجميلية مثل شفط الدهون، ويفترض أنها آمنة نسبيا.
ومن أحد أكثر هذه الجراحات المرتبطة بتلك الحالات هي جراحة قص المعدة، حيث يتوالى تسجيل حالات وفيات بسببها في العديد من المستشفيات الخاصة بالعديد من المحافظات العراقية.
ويأتي ذلك وسط تصاعد الدعوات من قبل المواطنين للارتقاء بالقطاع الصحي المتهالك، وبتغليظ العقوبات على مرتكبي الأخطاء الطبية، وتشديد الرقابة على المستشفيات والمراكز الصحية الحكومية والخاصة، وخاصة فيما يتعلق بجراحات التجميل والتنحيف.
رأي قانوني
ويقول الخبير القانوني محمد السامرائي انه "انتشرت مع الأسف بالآونة الأخيرة الأخطاء الطبية بشكل واسع بالعراق لأسباب عديدة، أهمها الإهمال وعدم الالتزام بالآليات والقواعد الطبية من قبل مرتكبيها، علما بأن العمل الطبي الجراحي بهدف المعالجة، مباح قانونا وفقا لأحكام المادة 41 من قانون العقوبات".
تعريف الخطأ الطبي
"الأخطاء الطبية تتمثل وفق القانون العراقي في الإهمال والرعونة أو عدم اهتمام أو عدم أخذ الحيطة والحذر، وعدم الالتزام بالقانون، وفق المادة 35 من قانون العقوبات العراقي"، كما يشرح الخبير القانوني.
وأضاف: "لا بد من أن تكون العمليات الجراحية تقتضيها المحافظة على الحياة وأن تكون ضرورية وملحة، لذلك وبموافقة المرضى أو ذويهم بعد قيام الأطباء بتنبيههم بمخاطر العمليات".
عقوبة التسبب بوفاة
"فإذا ما لحق ضرر بالمريض أو توفي، بنتيجة استشارات خاطئة أو صرف علاجات غير صحية، أو إجراء عمليات جراحية خاطئة، وبشكل مباشر أو بمضاعفات فإن الخطأ الطبي هو السبب، والطبيب أو مقدم الخدمة الصحية يقع تحت طائلة المسؤولية القانونية، فإن حصلت وفاة عن طريق الخطأ الطبي، وفق المادة 411 من قانون العقوبات، فالعقوبة هي بالحبس لمدة تتراوح ما بين سنة إلى 5 سنوات"، وفقا للسامرائي.
عقوبة التسبب بعاهة مستديمة
وتابع: "أما إذا ترتب على الخطأ الطبي أضرار أو عاهة مستديمة، فالعقوبة هي بالحبس لمدة لا تزيد على سنتين، وفق المادة 2/416 من قانون العقوبات".
ويتابع المستشار القانوني: "تزايد حالات العاهات المستديمة والوفيات نتيجة الأخطاء الطبية التي تمثل خروجا عن قواعد المهنة وأصولها، يستدعي الاسراع بتعديل قانون العقوبات وتشديد بنوده كي تكون رادعة للمستهترين بأرواح المواطنين".
مواكبة تطور التشريعات الطبية
"ولهذا على البرلمان تشريع قانون المسؤولية الطبية، والذي يجب أن يتضمن بيان العمليات الجراحية المحظورة، وتشكيل لجان مركزية لتلقي الشكاوى عن الأخطاء الطبية، كون العراق يفتقر لمثل هكذا قانون مهم، قياسا بالتطور التشريعي الطبي بمعظم دول العالم"، كما يطالب السامرائي.
ويختم المتحدث: "فنطاقات العمل الطبي وجراحاته تطورت واتسعت، وبات لدينا بالعراق تزايد بوتيرة العمليات الجراحية التجميلية والتنحيفية، وهي غير مغطاة قانونا".
ماذا تقول "الصحة"؟
يقول مدير عام بوزارة الصحة العراقية نبيل حمدي بوشناق "كغيره من دول العالم فإن ثمة أخطاء طبية تقع بالطبع في العراق، وبعضها ربما يتم خلطها مع مضاعفات العمليات الجراحية التي قد لا تكون بالضرورة بفعل خطأ طبي، حيث أن أي عملية جراحية تترتب عليها ولا شك مضاعفات تتراوح حدتها وخطورتها تبعا لطبيعة العملية والحالة الصحية للمريض وغير ذلك من تفاصيل كل حالة، بل حتى أن أي حبة دواء نأخذها عادة لها أعراض جانبية".
من هب ودب يصبح جراحا
ويضيف المسؤول الصحي: "علاوة على أن كثيرا من العمليات الجراحية التجميلية مثلا أو المشابهة لعملية قص المعدة، وخاصة في عدد من المستشفيات والعيادات الخاصة، تجري بأيد غير آمنة وغير محترفة، حيث كل من هب ودب في غالبية المستشفيات الأهلية يقوم بإجراءاها، فمثلا نحن كوزارة صحة نمنع إجراء عمليات غير ضرورية في المستشفيات الحكومية، من قبيل عمليات قص المعدة مثلا أو تعديل حاجز الأنف وتجميله، أو تصغير الثدي أو تكبيره، وغيرها من عمليات لا تعتبر منقذة للحياة، وعدم إجراءها أصلا لا يشكل خطرا حتى".
ماذا عن الرقابة الطبية؟
وتابع: "المستشفيات الخاصة هي تحت رقابة نقابة الأطباء، ورغم أن النقابة أيضا متقيدة عامة بتعليمات ولوائح الوزارة حول شروط إجراء العمليات الجراحية المختلفة، لكن مع ذلك قد يحدث أحيانا خرق لها وإخلال من قبل مستشفيات القطاع الخاص".
عمليات قص المعدة نموذجا
"مثلا في عمليات قص المعدة يتم أحيانا وضع كابسات زهيدة الثمن لربطها، لكنها قد تفلت داخل المعدة فيما بعد مسببة نزيفا حادا بسبب رداءتها وقلة جودتها، فمتوسط تكلفة عملية ربط المعدة يبلغ نحو 5 آلاف دولار أميركي، لكن عندما يتم إجراءها مثلا بمبلغ 3 آلاف دولار، فإن هذا يعني ولا شك استخدام مواد وأدوات طبية رخيصة الثمن وغير آمنة"، كما يشرح بوشناق.
آليات المحاسبة على الخطأ الطبي
يقول المتحدث: "في حالة وقوع أخطاء طبية خلال مثل تلك العمليات، نرجو من المتضررين من ذلك اللجوء لنا، نحرص ولا ريب على الدفاع عنهم وإحقاق حقوقهم وتعويضهم، ومحاسبة مرتكبي تلك الأخطاء الطبية، عبر الجهات القضائية".
جشع على حساب صحة الناس
ويتابع المسؤول الصحي: "وهكذا فبفعل الجشع لدى البعض في الوسط الطبي مع الأسف، والتنافس غير الشريف والبعيد عن أخلاق مهنة الطب النبيلة بين أطباء ومستشفيات خاصة، يتم إجراء عمليات كبيرة كجراحة تكميم المعدة بأدوات رديئة، وبطرق لا تستوفي الشروط الصحية الصارمة اللازم توفرها، سعيا وراء زيادة الأرباح على حساب صحة المرضى وسلامتهم".
المصدر: موقع سكاي نيوز الإماراتي
اضف تعليق