اجتاح التجريف أصنافا عديدة من الأشجار العراقية، حيث فقدت مساحات واسعة من الأراضي الخضراء والبساتين التي كانت تمثل لوحة فنية وبيئة نقية، إلا أن التوسع العمراني وتمدد البناء، حال دون استمرار العديد من الأشجار بالوجود، ومنها شجرة السدر، التي كانت في السابق تزين حدائق منازل العراقيين إلا أنها في السنوات الأخيرة تكاد تختفي جراء قيام غالبية أصحاب المنازل الكبيرة ببيع حدائقهم أو جزء منها كقطع أراضي سكنية.
وليس التجريف وحده ما أثر على شجرة السدر، بل ثمارها التي تسمى محليا "النبگ" هي الأخرى تواجه مشكلة جراء فتح أبواب الاستيراد أمام "النبق" الذي يغزو الأسواق العراقية من دول الجوار.
ويقول أبو ميعاد (73 عاما)، إن "للعراقيين أياما جميلة مع ثمرة النبق، حيث كنا في السابق نتسلق على الأشجار ونضرب الثمار بعصا طويلة من أجل جمع النبق، ونتذكر كيف كان أصحاب الدار ينهروننا فنهرب منهم لأننا أحيانا كنا نرمي الشجرة بالحجارة لإسقاط الثمار".
ويضيف أن "غالبية منازل العاصمة بغداد القديمة كانت تحتوي على أشجار السدر، وفي السابق كانت عدة عادات قديمة تمنع قطعها وما موجود في ذاكرتي من الأمثال الخاصة بهذه الشجرة هو (من يقطع السدرة يُقطع) أي أنه أما يموت أو يفقد أحد أفراد عائلته، وأيضا من كان يريد تقليم الشجرة أو قطعها كان عليه ذبح أضحية مثلا خروف أو ديك تجنبا للأضرار التي قد تنجم من قطع الشجرة".
ويتابع أبو ميعاد "في السابق كانت الجهات المسؤولة تفرض على جميع المنازل وجود نخلتين وشجرة زيتون واحدة، وتحديدا في العاصمة بغداد بمنطقة البلديات حيث أقطن أنا حاليا من أجل إدامة المساحات الخضراء وعدم تجريف الأشجار".
وتنتمي شجرة السدر إلى الفصيلة النبقية ويوجد 58 نوعا مختلفا منها، كما تعتبر من الأشجار التي تتحمل الظروف البيئية الصعبة والجافة مثل البيئة الرملية، وبالمقابل لا تتحمل درجات الحرارة المنخفضة، ولا ارتفاع منسوب الماء الأرضي، ولشجرة السدر أنواع كثيرة منها الألباني، والذهبي، والكروي، وغيرها الكثير، وتنتشر زراعة أشجار السدر فى المناطق الاستوائية وتحت الاستوائية.
من جانبه، يشير الفلاح هادي الشمري من أهالي محافظة ميسان، إلى أن "النبق يكثر في محافظتي البصرة وميسان على ضفاف الأنهر، وكان في السابق يزرع بشكل كثيف أما الآن فقد بدء الأهالي بالتخلص منها لتراجع أسعار النبق، إضافة إلى دخول المستورد بكثرة إلى الأسواق المحلية".
وحول النبق ذو الأحجام الكبيرة، يوضح الشمري، أن "بعض المزارعين أرادوا تطوير محصولهم من أجل منافسة السدر المستورد، لذلك قاموا بتطعيمه من خلال عملية خاصة ليظهر بهذا الحجم الكبير ويكثر هذا النوع في البصرة".
ويؤكد أن "عمليات التجريف أثرت بشكل كبير ليس على السدر فقط وأنما على جميع أنواع الأشجار الأخرى والنخيل، وغالبية المزارعين حولوا بساتينهم إلى أراضي سكنية وببيعها نتيجة لتراجع الزراعة بشكل عام في العراق، وشح المياه الكبيرة".
يشار إلى أن العالم يتعرض إلى موجة جفاف شديدة، ويعتبر العراق ضمن البلدان الخمسة المتضررة من التغير المناخي، حيث تقلصت نسبة المساحات المزروعة إلى أكثر من النصف، بينما يعاني 60 بالمئة من الفلاحين في العديد من المحافظات جراء هذا التقليص وفقا لاستطلاع أجرته منظمة "المجلس النروجي للاجئين" غير الحكومية.
وكشف مسح أجراه المجلس أن دخل بعض المزارعين زاد في 2023 مقارنة بالعام 2022، وذلك بسبب هطول الأمطار بنسبة أعلى من التقديرات الأولية، مما أدى لتحسن معدلات المحاصيل، وخلال عام 2023، استمرت قضايا الحصول على المياه في التأثير على الإنتاج الزراعي، وفقا للمسح الذي أكد أن 6 بالمئة من المزارعين اضطروا لزراعة مساحات أقل من الأراضي أو لاستخدام كميات أقل من المياه بسبب أحوال الطقس القاسية في محافظات شمال البلاد نينوى، كركوك، صلاح الدين، وكذلك في الأنبار.
من جانبه، يبين المؤرخ محمد رحيم، أن "شجرة السدر تتم زراعتها من خلال نواة ثمارها وليست الفسيلة وسط باحة المنزل لغرض توفير الظل خاصة خلال فصل الصيف الذي يتميز بدرجات حرارة عالية في العراق".
ويلفت إلى أن "ثمرتها تنضج في بداية الربيع إلى الصيف وأفضل أنواعه الخستاوي حيث يكون حجمها كبيرا".
ويشرح رحيم أن "شجرة السدر مذكورة في كتب التراث العربي القديم وورقها يدخل في مختلف العلاجات، وسابقا كانت حمامات بغداد تستخدم ورق السدر المطحون ويبيعوه على الزبائن ليتم بعدها حله في المياه ويصبح مثل الحنة أو العجين والشامبو لفرك الجسم من أجل معالجة الأمراض الجلدية والبثور خاصة في أوقات الصيف التي تظهر فيها بعض المشاكل الجلدية نتيجة للحرارة المرتفعة".
ويشير إلى "حصول تطعيم بين النبق وشجرة التفاح والزيتون ما جعل حجمه أكبر لكنه ليس بنفس الطعم بكل تأكيد، ويتوفر في هذه الثمرة أنواعا عديدة من الفيتاميات والأملاح المعدنية، وأحيانا تسبب لبعض الناس تصلب بالمريء خاصة إذا لم تنضج بشكل كامل".
وينوه إلى أن "بعض العوائل العراقية ما تزال تتبارك بهذه الشجرة وتمنع تجريفها، لكن هناك مشكلة تسببها هذه الشجرة للعوائل لكثرة تساقط أوراقها ما يتطلب تنظيفا مستمرا للحديقة والمنزل، كما أنها من الأشجار دائمة الخضرة".
وللسدر فوائد كثيرة بعيدا عن معالجتها للأمراض الجلدية، فهي تستخدم أيضا في علاجات منع تساقط الشعر، وكذلك في علاج الأمراض الصدرية والتنفسية، وأيضا يعتبر من الأعشاب التي لها القدرة على تنقية الدم.
بدوره، يؤكد المتحدث باسم وزارة الزراعة محمد الخزاعي، أن "أعمال التجريف قبل هذه الحكومة كانت موجود وبكثرة، إلا أن مجلس الوزراء الحالي أصدر قرارا بتجريمه، وتقريبا توقفت عمليات التجريف بشكل تام في بغداد وحتى باقي المحافظات على اعتبار أن المخالفين تترتب عليهم عقوبات كبيرة".
ويتابع "أشجار السدر وغيرها تعرضت لعمليات تجريف كبيرة لكن الحكومة الحالية منعت ذلك بعد قرار حازم، كما حصل تعويض للأشجار التي تناقصت أعدادها وخاصة النخيل الذي هو الضحية الأولى لعمليات التجريف السابقة".
ويشتهر "النبق" البصري كأفضل أنواع "النبق" نتيجة لطعمه المميز وحجمه الكبير نسبيا، كما أن سكان أبو الخصيب هم أول من ابتكر طريقة التطعيم أو التركيب، ومن أبرز أنواعه "التفاحي" الذي يمتاز بثمرته الكبيرة، والتي توازي حجم التفاحة الصغيرة، وأيضا "النبق الزيتوني – الملاسي" الذي تكون ثمرته بلا نواة، وكذلك "البمباوي" نسبة إلى مدينة بومباي الهندية، و"الفصامي" الذي تكون نواته أكبر حجما.
المصدر: صحيفة العالم الجديد
ا.ب
اضف تعليق