لا شك أن اسرائيل امام معضلة الرد على الهجوم الإيراني غير المسبوق. فرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، المقلّ كثيراً في تصريحاته منذ الهجوم الإيراني ليل السبت-الأحد، يأخذ وقته لاتّخاذ قرار بين توجيه ضربة سريعة وقوية قد تشعل المنطقة أو التريّث لحصد مكاسب دبلوماسية أهم.
فمنذ إطلاق إيران مئات المسيّرات والصواريخ على إسرائيل قبل يومين لم يخاطب نتنياهو الإسرائيليين، إنما ترأس مذّاك اجتماعين لحكومة الحرب وتواصل هاتفيا مع الحليف الأميركي لبلاده.
فيما اكتفى مكتبه بتوزيع صورتين للاجتماعين على وسائل الإعلام.
ومساء أمس الاثنين، دعا نتنياهو في رسالة مقتضبة نشرها مكتبه على منصة "إكس": "المجتمع الدولي يبقى موحدا لمقاومة ماسماه هذا " العدوان الايراني " الذي يهدد السلام العالمي".
لكنّ الغموض المطلق ما زال سائدا حول ما قد يكون عليه رد إسرائيل على هجوم مباشر هو الأول لإيران ضد أراضيها.
فالتحدّيات التي تواجهها تل أبيب كبيرة لأنها من دون دعم حلفائها الغربيين ولولا إسقاط الأردن "أجساما طائرة" خرقت أجواءه، لكانت كثافة المسيّرات والصواريخ الإيرانية قد تخطّت القدرة الاستيعابية لقبتها الحديدية.
كما أن تشكيل تحالف تكتيكي تقوده الولايات المتحدة ويضم المملكة المتحدة وفرنسا وبلدانا في المنطقة على غرار الأردن، هو مشروع تسعى إسرائيل منذ سنوات عدة لتحقيقه.
لذا فإن هذا المكسب يعتبر بحسب العديد من المراقبين ثمينا جدا لها، خصوصا أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن تطرّق في نهاية آذار/مارس إلى خطر مواجهة إسرائيل "عزلة متزايدة" بسبب الحصيلة الفادحة للقتلى المدنيين في حربها ضد حركة حماس في قطاع غزة، وفق ما نقلت فرانس برس.
لكن المفارقة أن هذا الاتحاد في مواجهة إيران "سيحد من حرية تحركها في الرد" أيضا، حسبما أكد تامير هايمان، العسكري السابق ومدير معهد دراسات الأمن القومي، في منشور على منصة إكس مساء الأحد.
لذا تجنّباً لإثارة استياء حلفائها، قد تعمد اسرائيل إلى إرجاء أي ردود انتقامية.
وفي السياق، قال كاليف بن-دور المحلل السابق في وزارة الخارجية الإسرائيلية ونائب رئيس تحرير صحيفة "فاثوم" المتخصصة "سيكون من المفيد الحفاظ على هذا التحالف الدفاعي الغربي والإسرائيلي الذي يكاد يكون غير مسبوق، لذا فإن الأمر يتجه أكثر إلى ضبط النفس".
لكنّه لفت في الوقت عينه إلى أنه "لا يمكن في الشرق الأوسط أن تتعرض لهجوم بأكثر من 300 مسيّرة وصاروخ من دون فعل شيء".
وتابع "أعتقد أن شيئا لن يحدث في الأسبوعين المقبلين، ليس هذا أمرا يتعين على إسرائيل القيام به على الفور، لكنها سترد، على الأرجح بطريقة أكثر سرية وفي الزمان والمكان اللذين تختارهما".
من جهته، اعتبر الباحث في المعهد الفرنسي للعلاقات الدولية جان-لو سمعان أن الرد لن يكون صريحا ومباشرا، مشددا على أن خيارا كهذا لن يحظى بموافقة أميركية.
بينما أعرب دبلوماسي غربي في تصريح لوكالة فرانس برس عن "رضا لكون مواقف بعض الصقور في إسرائيل لم تؤت ثمارها".
كما أضاف قائلا "نقول لهم اعملوا معا على احتواء التصعيد لديكم فرصة تتمثل بتعاطف الرأي العام".
في حين، شدّد الدبلوماسي الإسرائيلي السابق جيريمي إيسخاروف على أهمية "الإقلال في الحديث عن الأمر"، معتبرا أنه "في هذه المرحلة، يجب أن يشعر الإيرانيون بالقلق، وأن يبقوا في وضع ضبابي لأطول فترة ممكنة".
يشار إلى أن الضربة الإيرانية أتت بدورها ردا على قصف القنصلية الإيرانية في دمشق مطلع أبريل الحالي.
فيما سارع بعض الوزراء في الحكومة الإسرائيلية ممن يعتبرون من الصقور، بينهم وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، إلى المطالبة برد "ساحق" على الهجوم الإيراني.
بينما ندد زعيم المعارضة يائير لبيد بموقف بن غفير قائلا "الطلب من وزراء هذه الحكومة أن يتّبعوا سلوكا مسؤولا يعد مهمة مستحيلة، لكن يتوجّب عليهم على الأقل أن يكفوا عن إطلاق تهديدات لإيران عبر وسائل الإعلام".
بدوره ندّد رئيس الوزراء الأسبق إيهود باراك بأولئك "الذين يريدون إشعال الشرق الأوسط برمّته"، متّهما نتنياهو بتغليب مصالحه الشخصية وحماية مستقبله السياسي على كل ما عدا ذلك.
وسبق أن أعلنت الولايات المتحدة، الحليفة التاريخية لإسرائيل، أنها لا تريد "حربا واسعة النطاق مع إيران"، وحذّرت من أنها لن تشارك في أي عملية انتقامية ضد إيران.
ا.ب
اضف تعليق