تشكل زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى العراق ولأول مرة منذ نحو 13 عاما انتقالة كبيرة في علاقة البلدين، لا سيما في الملفات الأمن والطاقة والمياه، وتعزيز العلاقات في المجالات كافة.
ومرت العلاقات بين البلدين وعلى مدى السنوات الماضية بتجاذبات بسبب عدد من الملفات العالقة بينهما.
ومن أهم الملفات حسب الجانب التركي، ملف حزب العمال الكردستاني والذي تصنفه على "قوائم الإرهاب" وتعتبره تهديدا أمنيا لها.
يتخذ حزب العمال من المناطق الحدودية الوعرة على الحدود العراقية-التركية ملاذا أمنا له منذ سنوات.
والملف الآخر هو ملف المياه، الملف الأبرز لبغداد، حيث أن هناك توترات حول موارد المياه وبناء السدود على الأنهار المشتركة بين البلدين، وهما نهرا دجلة والفرات، حيث تخشى الحكومة العراقية من تأثير بناء السدود التركية على تدفق المياه إلى العراق.
وعلى الرغم من أن أزمة المياه في نهري دجلة والفرات ليست جديدة، فتركيا باعتبارها دولة المنبع تمتلك ميزة جغرافية واستراتيجية تتمثل بالسيطرة الكاملة على كل من هذين النهرين في مواجهة الدولتين الأخرتين على مجرى النهر، سوريا والعراق.
وبرزت المشكلة المائية بين العراق وتركيا لأول مرة في منتصف السبعينات من القرن الماضي، إثر إنجاز تركيا بناء سد كيبان - وهو أحد السدود الضخمة- وتخزين المياه فيه، ما أدى إلى نقص المياه في العراق إلى حد كبير، وانتهت بسد إليسو والذي افتتح عام 2018.
أول اتفاقية استراتيجية من نوعها بين العراق وتركيا
مع ازدياد العمليات العسكرية التركية ضد حزب العمال الكردستاني في العراق، والتي استخدم فيها الجيش التركي الطائرات الحربية أو المسيرات والمدفعية، وكذلك القوات البرية لمطاردة حزب العمال الكردستاني المنتشر في الجبال الحدودية بين البلدين، وفي قضاء سنجار غرب الموصل على الحدود العراقية السورية، ومع عدم قدرة الحكومة المركزية في بغداد على الحد من نفوذ حزب العمال في العراق، كل هذه الأسباب بحسب مراقبين دفعت الحكومة العراقية إلى التفكير في إبرام اتفاقية أمنية مع أنقرة، وإنشاء منطقة عازلة من أجل تقليل النفوذ التركي في المنطقة.
وأعلن وزير الدفاع التركي يشار غولر، في أبريل / نيسان 2024، أن أنقرة وبغداد تتجهان لتوقيع اتفاقية استراتيجية للمرة الأولى منذ سنوات طويلة.
من جانبه قال مستشار الأمن القومي العراقي قاسم الأعرجي، إن "زيارة أردوغان ستُختتم بتوقيع مذكرات تفاهم مهمة في إطار العلاقة الاستراتيجية والشراكة في مجالات النقل والطاقة والأمن والاقتصاد وتعاون رجال الأعمال في البلدين".
وأضاف في تصريحات لجريدة الصباح الرسمية، أن "زيارة أردوغان إلى العراق ستكون نقلة نوعية في مستوى العلاقة والتفاهم والتعاون بين البلدين، خصوصاً أن العراق حريص على إنهاء أسباب الخلاف، ومنها حل موضوع الجماعات المسلحة التي تقوم بضرب البلدين على حد سواء، الأمر الذي يرفضه الدستور العراقي جملة وتفصيلاً".
وأكد الأعرجي أن "عناصر تلك الجماعات يجب أن يلقوا السلاح وينهوا هذه الحالة بأسرع وقت ممكن".
ملفات أخرى
وكان قال رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني وخلال وجوده في الولايات المتحدة ، إن زيارة الرئيس التركي ليست زيارة عابرة، مبينا أنه وللمرة الأولى نجد هناك رغبة حقيقية لدى العراق وتركيا بالذهاب إلى الحلول وليس ترحيل للملفات.
وشدد رئيس الوزراء العراقي، على عدم السماح بأن تكون الأرض العراقية منطلقا للاعتداء على تركيا، وكذلك عدم السماح بالرد المباشر دون التنسيق مع العراق، مبينا أنه، سيبحث مع الرئيس التركي وضع المعالجات لملف المياه.
الإطار الاستراتيجي للتعاون
وخلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي جمعه مع الرئيس التركي، قال رئيس مجلس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني:
اليوم جرى توقيع اتفاق الإطار الاستراتيجي مع تركيا، الذي يُعد خارطة طريق لبناء تعاونٍ مستدامٍ.. ستنبثق عن هذا الاتفاق لجانٌ دائمة للأمن والطاقة والاقتصاد.
رعينا معاً توقيع أكثر من 24 مذكرة تفاهم في مجالات وقطاعات مختلفة.
في ملف المياه، وقعنا اتفاقاً إطارياً يتضمن التعاون في تنفيذ مشاريع مشتركة، تتعلق بتحسين إدارة المياه في نهري دجلة والفرات، وتبادل الخبرات في مجال تحديث أنظمة الرّي وتقنياته الحديثة.. الاتفاق سيستمر لـ 10 سنوات، وسيكفل تحقيق إدارة مشتركة وعادلة للموارد المائية.
سيلمس أبناء شعبنا منافع هذا الاتفاق، وسيعود بالنفع أيضاً على الجارة تركيا.. ليس من مصلحة أحد أن تتفاقم الأوضاع في ما يتعلّق بالمياه وحصّة العراق.
جرى اليوم التوقيع على مذكرة تفاهم رباعية، على مستوى وزراء النقل تضمّ، إلى جانب العراق وتركيا، الأشقاء في دولتي الإمارات وقطر.
تتضمن مذكرة التفاهم الرباعية المبادئ الخاصة بـ(طريق التنمية)، النهر الاقتصادي الذي يربط الشرق بالغرب، ويمتد من العراق إلى تركيا، ليستمر نحو أوروبا، مثلما أنّ نهري دجلة والفرات ينبعان من تركيا ويصبان بالعراق.
مشروع طريق التنمية سينقل المنطقة اقتصادياً، وسيطلق تكاملاً غير مسبوق يعتمد النماذج الاقتصادية النابعة من حاجة أسواقنا المحلية، وعلاقتها بالأسواق والتجمعات الدولية.
مشروع طريق التنمية ليس مجرد طريق للنقل السريع، بل سيتحول إلى جسر رابط بين شعوب المنطقة وثقافاتها.
تطرقنا إلى التنسيق الأمني الثنائي، بما يلبي حاجات الجانبين، ومواجهة التحديات التي يشكلها وجود عناصر مسلحة قد تتعاون مع الارهاب، وتخرق أمن البلدين، ووجود مناطق رخوة تحتاج إلى المزيد من السيطرة في مناطق حدودية مشتركة.
مُنجزات هامة
من جانبه، يقول مدير المركز العراقي الاقتصادي السياسي، وسام حدمل الحلو، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن زيارة الرئيس التركي أخيراً للعراق يمكن الاستفادة منها في عدة محاور؛ متمثلة في جميع الملفات العالقة مع تركيا عبر البناء على النتائج الإيجابية من الزيارة والمرضية للطرفين وبما يلبي تطلعات العراقيين.
ويشدد على أن أبرز الملفات المهمة التي تحظى بصدارة الأولويات بالنسبة للعراقيين في هذا الصدد، ما يتمثل في في ملف المياه، وخط نفط كركوك جيهان، وطريق التنمية وإنشاء مدينة اقتصادية في جنوب العراق.
ويضيف: قضية المياه تعتبر الشغل الشاغل للعراقيين، وهذا الملف يحتل أهمية كبيرة، علاوة على ملف النفط في الوقت نفسه، وكذلك مع تضرر تركيا أيضاً جراء توقف ضخ النفط العراقي عبر خط أنابيب كركوك جيهان، والذي ينقل 500 ألف برميل في المتوسط يومياً من إقليم كردستان.
ويوضح أن من بين أهم النتائج التي تهم العراقيين في هذا السياق أيضاً ما يتعلق بتأشيرات دخول العراقيين إلى تركيا، على اعتبار أنه في السابق كان يتم استخراج الفيزا في غضون يوم أو يومين "أون لاين"، بينما أقرت تركيا تعديلات على إجراءات حصول العراقيين على التأشيرات، وذلك من خلال شركة "غيت واي"، وباشتراطات أشبه باشتراطات الحصول على "الشنغن" ويتم رفض منح التأشيرة للبعض.
ويشير الخبير الاقتصادي العراقي في الوقت نفسه إلى أن هذه الإجراءات صعبت على العراقيين دخول تركيا، بينما كثير من العراقيين يفضلون الذهاب إلى تركيا، ومع توسع النشاط التجاري، لا سيما تجارة الملابس والحلي والعطور، وزيادة المعاملات التجارية، وكذلك على مستوى الفواكه والخضروات وكثير من المواد.
ع. ش
اضف تعليق