مرة أخرى يمنح البنك المركزي، مصارف أردنية، رخصاً للتعامل بالدولار وحصر التحويلات الخارجية بيدها، وهو ما يراه اقتصاديون “خطأ كبيرا” سيسهم في فقدان السيطرة على النظام المصرفي الذي سيبقى بيد الأمريكان والمصارف الأردنية، محذرين من استغلال هذا الملف سياسيا في المستقبل.
ويكشف مصدر مطلع، أن “البنك المركزي العراقي منح خلال الفترة الحالية 4 رخص جديدة للمصارف الأردنية، وهي الاتحاد والإسكان والأردن والعربي الأردني”.
ويضيف أن “بنك المال الأردني وبنك القاهرة عمّان، عززا من سيطرتهم على المصرف الأهلي العراقي، من خلال الاستحواذ على 66 بالمئة من أسهم المصرف وهذه مخالفة كبيرة جدا لقانون الاستثمار العراقي الذي حدد تملك الأجنبي بنسبة 49 بالمئة من أي شركة عراقية”، كاشفا أن “مصرف الإسكان الأردني أيضا بدأ مؤخرا بالاستحواذ على أسهم مصرف المنصور العراقي الذي يسيطر عليه مصرف قطر الوطني بنسبة 54 بالمئة”.
ويشير إلى أن “العراق صاحب تجربة سيئة بدخول المصارف الأجنبية، إذ أدخل سابقاً المصارف الإيرانية وجميعها توقفت بسبب العقوبات، وكذلك أدخل المصارف اللبنانية التي أعلنت إفلاسها واستولت على ودائع عراقية تقدر بـ20 مليار دولار”.
ومنذ فرض الخزانة الأمريكية عقوبات على المصارف العراقية، جراء تهريب الدولار إلى إيران، تسيّدت المصارف الأجنبية الساحة المالية، إذ سيطر مصرف عربي على نسبة كبيرة من مبيعات الدولار في العراق.
وتستحوذ جهات أجنبية على 77 % من ملكية المصرف الأهلي العراقي الذي سيطر على ثلث مبيعات العملات الأجنبية والتي تعتبر المصدر الأساس للاقتصاد العراقي، وتعود ملكية هذا المصرف إلى جهات عربية هي بنك المال الأردني، وبنك القاهرة عمان، وشركة الاتصالات الفلسطينية.
من جهته، يعتقد الخبير في الشأن المصرفي أحمد التميمي، أن “البنك المركزي العراقي أخطأ كثيرا عندما عمل على تسليم المصارف الأردنية الدولار المملوك في العراق، وحصر التعامل بالحوالات الخارجية عبر تلك المصارف مع بداية السنة المقبلة وفق توجهات الخزانة الأمريكية”.
ويبين التميمي أن “التعاملات بالدولار من قبل المصارف العراقية سيكون معدوما خلال السنة الجديدة، وسيقتصر الأمر على المصرف العراقي للتجارة والمصارف الأردنية، وهذا يعني أن كل المصارف العراقية ستمنع من أي تعامل بالدولار، الأمر الذي يمنح المصارف الأردنية أسبقية على حساب النظام المصرفي العراقي”.
ويتابع الخبير في الشأن المصرفي أن “البنك المركزي العراقي عليه أن يتفاوض عاجلا وقبل نهاية السنة الحالية من أجل الوصول إلى تفاهم مع الخزانة الأمريكية لمنح استثناءات لبعض المصارف العراقية، وعدم حصر التعامل بالدولار بالمصارف الأردنية، بحجة عدم امتلاك المصارف العراقية حسابات في المصارف العالمية المراسلة”.
ويحذر التميمي من أن “البنك المركزي العراقي وفق هذا القرار الأمريكي سوف يفقد السيطرة على النظام المصرفي، وسيبقى النظام يدار من قبل الأمريكان والمصارف الأردنية، وهذا الملف قد يستغل مستقبلا سياسياً من قبل الأمريكان أو حتى الأردنيين لأن الحوالات الخارجية ستكون بيدهم حصرا والعراق ليس له أي دخل بها، سوى الإشراف والمتابعة”.
وبلغ عدد المصارف في العراق 81 مصرفاً، أما فروع المصارف الأجنبية في العراق بلغت 21 فرعا، ومعظمها من تركيا والأردن وإيران والإمارات.
ويضخ البنك المركزي العراقي الدولار إلى المصارف عن طريق نافذة بيع العملة، التي يقول إن لها عدة وظائف أولها تحقيق الاستقرار بسعر الصرف وثانيها تلبية متطلبات التجارة الخارجية، لأن “القطاع السلعي العراقي عاجز عن توفير متطلبات السوق المحلية”، بحسب البنك الذي أشار إلى أن “النافذة تلبي 87% من متطلبات الاستيراد السلعي للعراق”.
من جهته، يذكر الخبير الاقتصادي، مصطفى أكرم حنتوش ، أن “البنك المركزي العراقي مطالب اليوم، بكشف قائمة بيع الدولار في المنصة التي يشرف عليها، لكي يطلع الشعب العراقي على المصارف التي تستحوذ على الدولار”.
ويشير إلى أن “البنك المركزي العراقي، بدلاً من تقوية عمل المصارف العراقية، ذهب باتجاه دعم مصارف أجنبية وهي الأردنية التي ابتلعت المصارف العراقية وأربكت السوق”، لافتا إلى أن “المصارف الأردنية ستسيطر على 95 بالمئة من السوق مقابل 5 بالمئة للمصارف العراقية، وهذه منافسة غير عادلة”.
ويخلص حنتوش إلى أن “هناك حملة كبرى تقوم بها المصارف الأردنية للاستحواذ على الكوادر البشرية في المصارف العراقية وهذا بسبب سياسة البنك المركزي”.
وتدخلت الولايات المتحدة بحركة الدولار في العراق للحد من تهريبه، وقامت لأكثر من مرة بفرض عقوبات على المصارف العراقية الخاصة وإبعادها عن نافذة العملة، ما أدى إلى انخفاض مبيعات البنك المركزي، كما اتخذ البنك المركزي إجراءات عديدة وفتح نافذة إلكترونية للتجار.
وكان محافظ البنك المركزي علي العلاق، كشف منتصف الشهر الماضي، عن اجتماعات مع الخزانة الأمريكية لإعادة النظر بالعقوبات على المصارف العراقية، لافتا إلى أن هذه العقوبات يجب ألا تصدر مستقبلا إلا بعد مناقشة واطلاع البنك المركزي العراقي كونه المعني بمراقبة نشاطها.
وفي إطار ذلك، يطالب الباحث الاقتصادي أحمد عبد ربه، خلال حديث لـ”العالم الجديد”، بـ”استقالة أو إقالة محافظ البنك المركزي لعدم قدرته على التحكم بالملف المصرفي والسياسة النقدية، فالفجوة بين السعر الرسمي والسعر الموازي للدولار، وصلت إلى 11 ٪، وهي كبيرة جدا ومستمرة منذ عام، إضافة إلى أن المصارف الأردنية تستحوذ على النسبة الأكبر من تمويل التجارة الخارجية، وتستفيد من فرق سعر الدولار في السوق الموازي”
ويلفت عبد ربه، إلى أن “القطاع المصرفي العراقي يتعرض لانهيار، وعلى البنك المركزي إيقاف هذا الأمر من خلال تحقيق المنافسة العادلة بين المصارف العراقية والأجنبية”.
وكانت اللجنة المالية النيابية، أكدت في وقت سابق، أن تغيير محافظ البنك المركزي الحالي، علي محسن العلاق، أصبح ضرورة ملحّة لفشله في إدارة البنك، وطريقة تعامله مع ملف الدولار وعدم اتخاذه أي ردة فعل حقيقية تجاه العقوبات التي فُرضت على مجموعة كبيرة من المصارف العراقية ما أثر على أسعار الدولار داخل العراق.
ا.ب
اضف تعليق