وكالة النبأ/ متابعة
ما يميز العراق، نظام بيئته، اذ يملك مساحات شاسعة تمتد عليها الأهوار. ويغذي دجلة والفرات اللذين يجريان من الشمال إلى الجنوب منطقة الاهوار الممتدة على مساحات واسعة تتداخل في مدن جنوبية، كما يلتقيان النهران ليكونا شط العرب الذي ينتهي في الخليج.
ولكن بات جليا ان البيئة في العراق تواجه تحديات عدة، منها التغيير المناخي فضلاً عن مخالفات صحية واقتصادية واجتماعية.
لكن شحة المياه وانعكاساتها على الإنسان والبيئة أخذت تضيف بعداً آخر للأزمة العامة. والحلول مؤجلة في ظل تعقد الأوضاع الإقليمية والعالمية. فالعراق يشترك مع دول الجوار في منابع النهرين وروافدهما، وبذلك فإنه لا يتحكم إلا بجزء يسير من مياه النهرين، مما يجعل تدفقهما خاضعا لعوامل جيوسياسية وتنظيمية وقانونية.
ومن شأن ندرة المياه، إن تفاقمت أكثر، أن تأتي على التنوع البيئي في البلاد، فإلى أي مستوى وصلت حاليا؟ وما هي الأسباب التي تقف وراءها؟ وما الحلول العملية للتخفيف منها؟
لم يتردد الدكتور مهدي ضمد القيسي وكيل وزارة الزراعة العراقية، أثناء اتصال هاتفي ، في توصيف شحة المياه بـ "الأزمة، بل الأزمة المتفاقمة والمتواصلة، نتيجة قلة الإيرادات المائية من تركيا بالدرجة الأولى ومن إيران بالدرجة الثانية".
ويعزو تفاقمها أكثر إلى "التغيرات المناخية وسنوات الجفاف الطويلة، ذلك لأن الأمطار تغذي المصادر المائية بما فيها المياه الجوفية".
ويرى الدكتور رافد الخضّار، أستاذ هندسة المياه والبيئة في جامعة جون مورز - ليفربول، في رد على سؤال وجه له، أن المشروع التركي المعروف بـ GAP لإحياء منطقة جنوب شرقي الأناضول "أدى الى تقليص مياه الفرات بنسبة 40 بالمئة، وما زاد من نسبة التقليص بناء عدد من السدود في سوريا. ولم ينجُ نهر دجلة من الضرر بسبب السيطرة على مصادر المياه في تركيا وإيران الأمر الذي نتج عنه تقليص كمية المياه التي تصل في النهاية إلى شط العرب".
وأشار إلى أن نهر كارون في إيران، من المصادر المهمة التي تزود شط العرب بالمياه النوعية، "لكن السدود التي بنيت عليه أضعفت تدفق المياه. وقد تردت حالة مياه النهر نفسه خلال السنوات القليلة الماضية، ما انعكس على شط العرب". ومن الأسباب الأخرى، كما يرى الخضار، أن الحكومات المتعاقبة ما بعد 2003 "لم تستثمر في إعادة بناء المشاريع المائية. وكل هذا تسبب في تسرب المياه المالحة من الخليج إلى شط العرب، فتردت نوعية الماء أكثر".
هل تنجح الاستراتيجية الجديدة في حل مشكلات البيئة العراقية المزمنة؟
جَرَت صياغة آخر استراتيجية وخطة عمل بيئية وطنية في العراق في عام 2013، وكانت تهدف حينها إلى تأطير العمل البيئي في البلاد.
وخلال السنوات الأربع التالية، تعذّر تنفيذ هذه الخطة بسبب الحرب التي أشعلتها التنظيمات المتطرّفة وعمليات مواجهتها. ومع استقرار الأوضاع نسبياً، وفي ظل الالتزامات المناخية والبيئية التي تعهد بها العراق، جرى أخيراً إطلاق خطة عمل وطنية جديدة بدعم من «برنامج الأمم المتحدة الإنمائي»، بالتعاون مع «برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب)».
مشكلات بيئية فاقمتها الحروب والنزاعات
الاستراتيجية البيئية لبلد ما هي مجموعة مبادرات مصممة بهدف التخفيف من الآثار السلبية على البيئة، كتقليل استهلاك الطاقة والوقود، وزيادة الاعتماد على الموارد المستدامة والطاقة المتجددة. ومع الأخذ في الحسبان المعاناة التي سببتها جائحة «كورونا» للقطاع البيئي العراقي، وتعهد العراق بالالتزام بـ«اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية» بشأن التغيُّر المناخي، ومساهماته المناخية المحددة وطنياً، أصبح تحديث الاستراتيجية السابقة ضرورة ملحة.
وكان التلوُّث البيئي في العراق تفاقم على نحو متزايد خلال السنوات القليلة الماضية، نتيجة لعوامل مختلفة؛ في مقدمها الاضطرابات والحرب والنزاعات السياسية، مما أدى إلى أضرار في البنية التحتية، وتسارع النشاط الصناعي غير المخطط، في استخراج وتكرير النفط والغاز وتوليد الطاقة الكهربائية.
ويرتبط التلوُّث البيئي في العراق أيضاً بمحدودية الخدمات البلدية؛ كنظام الصرف الصحي الهش، وضعف إدارة النفايات الخطرة وغير الخطرة، إلى جانب الممارسات الزراعية غير المدروسة. كما أعاق النمو السكاني السريع، والأزمة الاقتصادية، وجائحة «كوفيد19»، وتحديات تغيُّر المناخ، الجهود المبذولة لتحسين البيئة وحمايتها. وتسبب ذلك كله في استغلال الموارد الطبيعية استغلالاً سيئاً؛ مما أدى إلى استنفاد الموارد وتراجع حالة البيئة مع تلوُّث عناصرها المختلفة من هواء وماء وتربة.
الاستراتيجية الوطنية الجديدة للحدّ من التلوُّث البيئي حتى عام 2030، التي تبنّتها الحكومة وأصبحت برنامجاً لوزارة البيئة، تقوم على خطة عمل تنسجم مع رؤية العراق الشاملة لتحقيق التنمية المستدامة مع نهاية هذا العقد.
كما وتعاني التربة في العراق من التملُّح وفقدان الخصوبة وتدهور الغطاء النباتي، خصوصاً في غابات شمال العراق، إلى جانب مشكلة التصحُّر المتفاقمة. ويرتبط تدهور التربة أيضاً بتغيُّر المناخ، والتخلص العشوائي من النفايات، والإدارة غير السليمة للنفايات على أنواعها.
ونظراً إلى تاريخ الحرب والصراع في البلاد، فإن 5.8 مليار متر مربع من الأراضي العراقية، ملوّثة بمخلّفات الحرب والذخائر العنقودية وحقول الألغام والعبوات الناسفة والذخائر غير المنفجرة.
وتزيد مخلّفات الحرب من مخاطر تلوُّث التربة بالمعادن الثقيلة، مثل النحاس والرصاص والزنك والحديد. وتعاني المناطق التي شهِدت عمليات عسكرية مختلفة خلال فترة النزاع؛ بما فيها تلك التي خرجت عن سيطرة الدولة وقوانينها البيئية، من مخاطر التلوُّث بالنفايات الخطرة الناتجة عن استخدام الأسلحة والمواد الكيميائية.
من الواضح ان لدى العراق اليوم استراتيجية وطنية حديثة للبيئة وخطة عمل لتنفيذها. لكن تحقيق الأهداف المرجوُّة يستلزم سرعة العمل، والتعاون بين المؤسسات التشريعية والقطاعين العام والخاص.
المصدر: وكالات
ع. ش
اضف تعليق