يواجه العراق تحديات كبيرة في مجال الطاقة، حيث يصبح تنويع إمدادات الطاقة غير مجديًا بدون إعادة تأهيل البنية التحتية للطاقة ومعالجة التكاليف غير المتجانسة للإيرادات في وزارة الكهرباء.

في كل عام، ومع ارتفاع درجات الحرارة بشكل غير مسبوق، تعلن وزارة الكهرباء أن شبكة الكهرباء فقدت (كذا.. ميغاواط ) من قدرتها على التوليد، ما أدى إلى زيادة ساعات انقطاع التيار الكهربائي، ويكون السبب وقتها هو ان هذه الخسارة نتيجة انخفاض إمدادات الغاز الطبيعي من إيران، وهي مشكلة متكررة في كل صيف، على الرغم من الإعلان عن التعامل مع هذه الظاهرة عبر اتفاقية لتبادل الطاقة بين البلدين، اذ كان العراق يولد حوالي 24000 ميغاواط، وهو أقل بكثير من الـ 34000 ميغاواط اللازمة لتلبية الطلب المحلي.

أضرار جسيمة وتحديات مستمرة

شهد قطاع الكهرباء العراقي أضرارًا جسيمة خلال العقود الماضية بسبب الحروب وعوامل أخرى، مما أدى إلى فجوة متزايدة بين العرض والطلب، وتفاقم الخسائر الفنية والتجارية بسبب التحديات المالية والفساد، ورغم وضوح الحلول، إلا أن تنفيذها يتطلب دعمًا سياسيًا لم يتحقق بعد، اذ يركز القطاع حاليًا على مشاريع احتجاز الغاز وتوليد الكهرباء، بما في ذلك صفقة مع احدى الشركات بقيمة 27 مليار دولار منذ العام الماضي، ومع ذلك، بدون تحديثات مهمة في البنية التحتية، لن تتمكن الشبكة من استيعاب الإمدادات الجديدة وستستمر الخسائر والسرقة.

التكاليف المالية والهدر

في ديسمبر الماضي من عام 2021، حذر وزير المالية آنذاك، علي علاوي، من أن اختلال التوازن المالي في وزارة الكهرباء يمكن أن يدمر ميزانية الحكومة، وفي 2019، بلغت التكاليف التشغيلية للوزارة 9.3 مليار دولار، بينما كانت الإيرادات أقل من مليار دولار، بسبب السرقة وعدم توفر نظام مناسب لتحصيل الفواتير وتدهور شبكة النقل والتوزيع، وتراوحت الخسائر الفنية والتجارية وقتها بين 50 و60 في المائة منذ ذلك العام.

تعتمد وزارة الكهرباء بشكل كبير على الحكومة لتسديد ثمن الوقود وتمويل الكهرباء وشراء إمدادات الطاقة الإيرانية، ففي 2021 على سبيل المثال، أنفقت الوزارة 2.78 مليار دولار لشراء الغاز الطبيعي الإيراني، وبلغت تكلفة استيراد الكهرباء الإيرانية حوالي مليار دولار.

الجهود لاحتجاز الغاز وتحديات الاستيراد

يهدر العراق كميات هائلة من الغاز عبر الحرق خلال إنتاج النفط الخام. في مايو، صرح رئيس الوزراء محمد شياع السوداني أن العراق يحرق 1200 مليون قدم مكعب قياسي يوميًا من الغاز بينما يستورد 1000 مليون قدم مكعب قياسي في اليوم من إيران، ما يكلف الحكومة ما لا يقل عن 4 مليارات دولار سنويًا، وتشكل الانبعاثات الناتجة عن حرق الغاز خطرًا على السكان وتساهم في تغير المناخ.

مؤخرًا، كثف العراق جهوده لاحتجاز الغاز واستخدامه جزئيًا في محطات توليد الكهرباء، وسعى إلى تقليل الواردات من إيران، وتشمل هذه المشاريع مبادرة من "شركة غاز البصرة" التي تديرها "شل"، وكذلك مشروع نمو الغاز المتكامل مع "توتال إنرجيز".

العقوبات الأمريكية والتنازلات

بسبب العقوبات الأمريكية، تستمر تحديات إمدادات الغاز من إيران، رغم أن الحكومة العراقية تبرر التخفيضات بتجميد الأموال الإيرانية في "المصرف التجاري العراقي"، وتمنح الولايات المتحدة إعفاءات متكررة للعراق لاستيراد الطاقة من إيران، جزئيًا بسبب جهود العراق لتنويع مصادر الطاقة.

الخطوات المقبلة

يعتقد البيت الأبيض أن مشاريع التنويع ستعزز أمن الطاقة في العراق وموثوقية شبكة الكهرباء وتساعد البلاد على تحقيق أهدافها المناخية، ومع ذلك، لا يزال أمام العراق شوط طويل لتحقيق هذه الأهداف بسبب التحديات الفنية والمالية والسياسية، ويستمر الفساد والتدخل السياسي في شؤون الطاقة بلا هوادة، ولا يمكن الاعتماد على قطاع الكهرباء دون معالجة هذه المشاكل الكبرى، لا سيما في موسم الصيف الحالي المحفوف بالتحديات.

ويبقى مستقبل قطاع الكهرباء في العراق مرتبطًا بقدرته على تنفيذ إصلاحات جذرية وتحديث بنيته التحتية لتحقيق استقرار أكبر وأمن طاقة مستدام.

 

 

م.ال

اضف تعليق