شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي، قبل شهرين من اليوم، الأحد، ، عملية واسعة النطاق على مخيم جباليا بمشاركة مدرعات وجنود من ثلاثة ألوية بهدف القضاء على كتيبة القسام شرق المخيم، والبحث عن رفات مستوطنين خُطفوا في السابع من أكتوبر الماضي، وتدمير البنية التحتية للمقاومة.

العملية العسكرية في جباليا لم تكن مجرد مواجهة تقليدية بين قوات الاحتلال والمقاومة، بل حملت أبعادًا أعمق تمثلت في استهداف المخيم كرمز للجوء ومأساة الشعب الفلسطيني المستمرة منذ عشرات السنين، اذ دمرت قوات الاحتلال أكثر من 50% من بلوكات مركز المخيم، وجرفت 70% من السوق المركزي، وأحرقت عيادة ومركز توزيع المساعدات الإنسانية، بالإضافة إلى تدمير أكثر من 80% من البنية التحتية، بما في ذلك آبار المياه وشبكات الصرف الصحي.

وكما يبدو، ان الهدف الأساسي من هذا العدوان، هو تدمير قلب المخيم وإحداث تغيير جذري في بنيته، لتقليص عدد سكانه وخفض عدد أبنيته السكنية، وتقسيمه إلى تجمعات صغيرة معزولة، وهو ما يعيد إلى الأذهان ما فعله وزير الحرب الإسرائيلي السابق آرييل شارون في عام 1971.

ولم تكن محاولات الاحتلال لتدمير المخيم مجرد عمليات عسكرية، بل ترافقت مع مساعٍ سياسية لإلغاء وكالة "الأونروا" وتجريمها، ومنعها من العمل في القدس وقطاع غزة، والتحريض عليها في الساحة الدولية.

ورغم الدمار الهائل والمعاناة الكبيرة، أظهر سكان المخيم صمودًا مذهلاً، اذ عاد عدد من الأسر إلى منازلها المدمرة جزئيًا، وبدأت في إعادة ترميم بيوتها بالإمكانيات المتاحة، ونصب بعضهم خيامًا على أسطح منازلهم، وعاد النازحون إلى المدارس المحترقة، وأعادوا الحياة إلى السوق المركزي في وقت قصير.

يشير ذلك الى فشل حكومة الاحتلال في تحقيق أهدافها بتجريم وكالة "الأونروا" وطمس رمزية المخيمات، سكان جباليا، بوعيهم وإصرارهم، اذ أثبتوا أنهم قادرون على مواجهة محاولات الاحتلال لتغيير شكل ومضمون مخيماتهم، والاستمرار في التشبث بها كرمز للسردية الفلسطينية واللجوء والتهجير.

ويبدو ان خطط الاحتلال لتحطيم فكرة اللجوء وإنهاء وجود وكالة "الأونروا" تواجه مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني، وستتحطم أمام إرادة سكان المخيمات ووعيهم العميق بمخططات الاحتلال، مخيم جباليا، كبقية المخيمات الفلسطينية، سيبقى رمزًا حيًا للصمود والتحدي في وجه العدوان والظلم.


م.ال


اضف تعليق