لم تعد مشكلة تجريف الأراضي الزراعية في عموم المدن والمحافظات العراقية أمرًا خفيًا، بل تحولت إلى آفة تأكل في وضح النهار جسد البلاد وتغيب الهوية الزراعية التي عرفت بها بلاد الرافدين على مر السنين، في عملية قتل ممنهج تزايدت وتيرتها في السنوات الأخيرة.

في العراق العديد من القوانين والإجراءات لحماية الأراضي الزراعية من الزحف العمراني ومنع تجريف الأشجار والبساتين، لكنها ما تزال حبيسة الرفوف، في وقت تقف الجهات المعنية موقف المتفرج في وضع حد يحول دون اتساع رقعة تفتيت الأراضي الخضراء.

إلى جانب عمليات التجريف المستمرة للأراضي الزراعية وضعف تطبيق القانون، تلعب عوامل التغير المناخي، وحرمان العراق من حصصه المائية وغياب الدعم للقطاع الزراعي والفساد والحروب التي شهدها العراق على مر العقود وقلة الوعي، دورًا كبيرًا في اتساع رقعة التصحروالقضاء على المزيد من المساحات الخضراء في البلاد.

قانون خاص لمنع التجريف

وزارة البيئة على لسان المتحدث باسمها لؤي صادق ذكرت أنها منذ تأسيسها سعت إلى تطبيق الإجراءات الصارمة لمنع تجريف الأشجار والبساتين والأراضي الزراعية، أهمها ما تناوله قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لعام 2009 في فرعيه الرابع والخامس".

وأضاف صادق في حديث للوكالة الرسمية، أن "الفرع الرابع أشار بشكل واضح في المادة 17 منه إلى منع أي نشاط يؤدي لعدم الالتزام بالتصاميم الأساسية للمناطق الحضارية، وحماية الأراضي الزراعية من الزحف العمراني، فضلاً عن منع أي نشاط من شأنه الإضرار بمساحة أو نوعية الغطاء النباتي في أي منطقة يؤدي إلى التصحر أو تشويه البيئة الطبيعية إلا بعد استحصال موافقة الجهات ذات العلاقة".

وأضاف، أن "المادة 18 من القانون المذكور أعلاه، أشارت إلى منع قطع الأشجار المعمرة في المناطق العامة داخل المدن إلا بإذن من رئيس مجلس حماية وتحسين البيئة في المحافظة، ويقصد بالأشجار التي عمرها أكثر من 30 عاماً"، منوهاً بأنه "في كل محافظة هناك مجلس لحماية وتحسين البيئة يرأسه المحافظ، وهناك مجلس لحماية وتحسين البيئة الفيدرالي أو الاتحادي يرأسه وزير البيئة".

وأوضح، أن "على المحافظين منع قطع الأشجار المعمرة داخل المدن بموجب القانون"، مؤكداً أنه "يمنع منعاً باتاً قطع الأشجار إلا بعد استحصال الموافقات من الجهات المعنية بمنح التراخيص، التي تشترط معرفة الإنتاج السنوي للدونم الواحد من البساتين أو الغابات وهذا أمر مهم جداً لمنح الموافقات الأصولية".

وأشار إلى، أن "القانون المذكور أشار في المواد 33، 34 و35 إلى أحكام عقابية للمخالف لهذه المواد"، مشدداً على ضرورة، أن "تأخذ الأجهزة الحكومية ومختلف القطاعات دورها وتبدي تعاونها في تنفيذ هذا القانون بشكل صارم لحماية البيئة والحفاظ على مستوى مطلوب من الأشجار التي هي جزء من رئة هذا الوطن".

العراق يفقد عشرات آلاف الدونمات الزراعية

أحصائيات حكومية

في أحصائية صادرت عن وزارة الزراعة في أغسطس/ آب العام الماضي، قالت إن سوء استخدام الأراضي الزراعية لغير الزراعة أدى إلى تراجع الإنتاج، كما شكل تهديداً مباشراً للبيئة، وأنّ التجريف "المتعمّد" لأكثر من 82 ألف دونم زراعي، يشكل تهديداً على العراق في زيادة نسبة التصحر وقلة الإنتاج الزراعي، بالإضافة إلى انحسار الأراضي والمساحات الزراعية الخضراء.

وذكرت في حينها، أن تجريف هذه الأراضي والتجاوز عليها وقع لأغراض الإنشاءات السكنية والصناعية، ما دفع الحكومة إلى إيجاد "حلول نوعية" وفق قرار مجلس الوزراء المرقم 320 لسنة 2022، والذي يقتضي معالجة العشوائيات والتجاوز على الأراضي الزراعية، من خلال تغيير جنس الأراضي من زراعي إلى سكني الذي خوّل دوائر التسجيل العقاري في المحافظات بالمباشرة في إجراءات نقل ملكية الأرض وفق القانون، بعد صدور قرار الموافقة على التمليك من الجهات المعنية.

على الأرض لم تحد القوانين والأجراءات الحكومية من عمليات التجريف الممنهج المستمرة للأراضي الزراعية في عموم محافظة البلاد، في ظل غياب الإرادة الفعلية لوضع حد لذلك.

ويذهب مهتمون في الشأن الزراعي في تفسير حالة التجريف العشوائي إلى غياب الوعي بالقوانين لدى المواطنين الذين لا يعرف الكثير منهم أن تجريف الأراضي الزراعية وتحويل جنسها هو مخالفة يعاقب عليها القانون، وخصوصا الأراضي الزراعية القريبة من الأنهار، ما تسبب بتوسع عمليات التجريف.

إعادة الحياة إلى القطاع الزراعي في العراق أصبح ضرورة ملحة مع ازدياد مخاطر التغير المناخي على العراق، كذلك لدعم اقتصاد البلد الذي اعتمد بشكل كامل على النفط في السنوات الأخيرة ما يشكل تهديدا للوضع الاقتصادي في حال هبطت أسعار النفط كما جرى في السنوات القلية الماضية، وفق المختصين.

وفي تصريح صدر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، نهاية العام الماضي، صنف العراق بالمرتبة الخامسة بين أكثر دول العالم تأثراً بالمتغيرات المناخية، بسبب ارتفاع درجات الحرارة القياسي، والذي يؤدي إلى فقدان العراق نحو 400 ألف دونم من الأراضي الزراعية سنوياً بسبب هذه المتغيرات.

المصدر: وكالة النبأ + وكالات

ع.ع

اضف تعليق