منذ أعوام طويلة، والعراقيون يحلمون بساعات تجهيز مستمرة من الطاقة الكهربائية، إلا أن هذا الحلم على ما يبدو ما زال بعيد المنال على الرغم من إنفاق مليارات الدولارات وإطلاق مئات المشاريع من قبل الحكومات المتعاقبة للنهوض بواقع الكهرباء.

وفي خطوة قد تغيّر وجه القطاع الكهربائي في العاصمة العراقية، أعلن مجلس محافظة بغداد، اليوم الخميس، عن توجهه نحو خصخصة قطاع الكهرباء في جميع مناطق العاصمة تدريجياً، بهدف إنهاء ملف المولدات الكهربائية بنهاية العام 2024.

ويعد مشروع “خصخصة الكهرباء” من المشاريع الذي بدأت به حكومة رئيس الوزراء العراقي الأسبق حيدر العبادي (2014-2018)، وطُبّق على أحياء سكنية في العاصمة بغداد، وفي وقت سجّل نجاح الخصخصة في تلك المناطق بالمقارنة مع ما تقدمه “المولدات الأهلية” للمواطن، إلا أن المشروع واجه انتقادات سياسية وأخرى شعبية بذرائع مختلفة، حتى توقفت توسعته في بقية مناطق بغداد والمحافظات الأخرى.

إذ قال رئيس لجنة النفط والغاز في مجلس المحافظة صفاء المشهداني، إن “مجلسه استحصل موافقة مجلس الوزراء على تطبيق تجربة خصخصة الكهرباء في منطقة المنصور ثم ناحية المأمون، لينتقل بعدها إلى تطبيقها في جميع مناطق العاصمة تباعا”، مبينا أن “المجلس يسعى لإنهاء ملف المولدات نهاية العام الحالي 2024”.

وأشار إلى أن “المجلس سبق أن صوت على جعل تسعيرة المولدات لشهري آب الحالي وأيلول المقبل 8 آلاف دينار للخط العادي، و12 ألف دينار للخط الذهبي، بيد أن الفرق الميدانية المحلية التابعة للمجلس رصدت 128 مخالفة لهذه التعليمات، مع أن أغلب أصحاب المولدات يتسلمون حصصا وقودية شهرية مدعومة”.

وأكد في الوقت نفسه أن “المخالفين سيتعرضون لعقوبات صارمة، فضلا عن إيقاف حصة (الكاز) ورفع المولدة واستبدالها بأخرى جديدة”.

وصوّت مجلس المحافظة على تحديد تسعيرة المولدات لشهري آب وأيلول بـ8 آلاف دينار للخط العادي و12 ألف دينار للخط الذهبي. ومع ذلك، فإن الفرق الميدانية التابعة للمجلس قد رصدت 128 مخالفة لهذه التعليمات، في وقت يتسلم فيه غالبية أصحاب المولدات حصصاً من الوقود المدعوم.

ويعتبر بعض المختصين أن خصخصة الكهرباء قد تكون الحل النهائي لمعالجة أزمات الكهرباء في بغداد، فيما يرى آخرون أن هذه الخطوة قد تعيد إنتاج المشاكل نفسها بشكل مختلف، فالتجربة السابقة مع خصخصة القطاعات الأخرى لم تكن دوماً ناجحة، وقد تكون خصخصة الكهرباء مجالاً جديداً للتحديات، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي الحالي.

يشار إلى أن الخصخصة هي مصطلح اقتصادي حديث أفرزته التطورات الاقتصادية التي حدثت في العالم ، وتعرف بـ:” إنها تحويل ملكية مؤسسات الدولة العامة إلى القطاع الخاص”، غير ان الدول النامية تنظر إلى الخصخصة بعين الريبة والشك، بوصفها أسلوباً اقتصادياً مفروضاً من قبل قوى وسياسية واقتصادية ، اذ كانت الدولة تقدم من خلال سلطتها العامة ومنشآتها ووزاراتها المملوكة لها بالكامل كل الخدمات من: كهرباء ومياه و صحة و تعليم و اتصالات وبريد و طرق وجسور، وانشاء البنى التحتية للبلد.

ولجأ العراقيون الى المولدات الكهربائية منذ نحو ثلاثة عقود لتأمين ساعات اضافية من الكهرباء، كبديل وحيد لسد العجز المتزايد في التجهيز، بعد تدمير البنى التحتية وشبكات الطاقة اثر حرب الخليج الثانية، ومع تقادم عمر المحطات الكهرو-مائية فضلاً عن التزايد السكاني والتوسع في استخدام الأجهزة الكهربائية وعلى رأسها المكيفات.

وفشلت الحكومات المتعاقبة، في معالجة المشكلة رغم انشاء محطات انتاجية جديدة. واستمر العجز نتيجة تضاعف الاستهلاك وفشل بعض المشاريع وتردي شبكات النقل، ما يضطر السكان وأصحاب الأعمال الى استخدام المولدات الأهلية لسد النقص.

لكن عوادم هذه المولدات تسهم وبنحو كبير في التلوث البيئي وتهديد صحة السكان في المواقع القريبة، بحسب متخصصين، لاسيما أن ارتفاع أسعار الديزل (الكازوايل) يدفع أصحاب بعض المولدات الى استخدام النفط الأسود ما يضاعف نسبة التلوث وبالتالي المخاطر الصحية.

يضاف الى ذلك استهلاك كميات كبيرة من المياه لتبريد محرّكات المولدات، ناهيك عن ما تلفظه من زيوت، الى جانب الأخطار التي تنجم عن ملايين الأمتار من الروابط الكهربائية العشوائية بين محطات التوليد والمنازل والمتاجر.

مع وجود 6 ملايين و700 الف مشترك في خطوط المولدات الأهلية، بحسب الارقام الرسمية، فإن دفع كل مشترك منهم شهريا لمبلغ 30 الف دينار فقط- وهو الرقم الأدنى لأي اشتراك- يعني تجاوز المبالغ المدفوعة للمولدات الـ 200 مليار دينار شهرياً.

وفي كل الأحوال تظل احصائيات نفقات المواطنين المسجلة على الكهرباء، مؤشراً على أن الحصة الأكبر من ايرادات بيع الكهرباء في العراق تذهب الى المولدات الأهلية بدلاً من وزارة الكهرباء. إذ يبلغ سعر الأمبير الواحد من مولدات الكهرباء الأهلية المدعوم وقودها من الدولة 10 ألف دينار( 7,60 دولار) للإشتراك العادي(لساعات محدودة في اليوم) و 15-25 الف دينار (11,45 إلى 19,08 دولار ) لما يسمى بالأمبير الذهبي(يتمتع مشتركوه بتيار كهربائي متواصل لمدة 24 ساعة).

وفي تصريح صحفي لوكيل وزارة التخطيط للشؤون الفنية ماهر حماد جوهان، ادلى به في 2023، أشار الى ان الجباية الحكومية لأجور الكهرباء، لا توفر سوى 6% مما تنفقه الدولة سنوياً على الطاقة الكهربائية، مبرراً عدم امتلاك وزارة الكهرباء لعائدات تمكنها من تحسين خدمة الطاقة.

وفي ذات الجانب، يشير تقرير لوكالة الطاقة الدولية، إلى أن قدرة العراق الإنتاجية من الطاقة الكهربائية تبلغ نحو 32 ألف ميغاواط، ولكنه غير قادر على توليد سوى نصفها بسبب شبكة النقل غير الفعالة التي يمتلكها، كما تشير التقديرات إلى أن العراق يحتاج إلى 40 ألف ميغاواط من الطاقة لتأمين احتياجاته، عدا الصناعية منها، فيما وقت يحتل فيه المرتبة الخامسة عربيا والـ50 عالميا من أصل 211 دولة مدرجة في الجدول كأكبر مستهلكي للكهرباء في العالم حسب مجلة CEO WORLD الأمريكية.

ا-ب

اضف تعليق