لا يبتعد النظام الصحي في العراق عن واقع النظام السياسي، إذ أنَّ كليهما يتصفان بالهشاشة وعدم الاستقرار، ما يعرقل تماماً وصول السكان إلى خدمات الرعاية الصحية العادلة.

فعند فقدان الأمل بالنهوض بالواقع الصحي في المؤسسات الحكومية، توجه العديد من المواطنين الى المستشفيات الاهلية للحفاظ على حياتهم، لتكمل الأخيرة سلسلة المساوئ المتواجدة في القطاع الصحي بالعراق، حيث أكد النائب عن كتلة بدر البرلمانية مختار محمود، اليوم الأحد، أن المستشفيات الاهلية هي عبارة عن واجهات لجهات سياسية متنفذة، فيما اتهم وزارة الصحة بعدم متابعة عمل تلك المستشفيات مما دفع الى زيادة الأخطاء الطبية فيها.

إذ قال محمود إنه “لا توجد أي رقابة من قبل وزارة الصحة على عمل المستشفيات الاهلية، والاجازات لهذه المستشفيات تتم عبر اخذ الرشاوى”، مبينا “ولهذا تكون النتائج وجود أخطاء طبية وبعضها تكون قاتلة، على اعتبار أن عمل تلك المستشفيات هو تعامل تجاري على حساب صحة وسلامة المواطنين”.

وأضاف أن “بعض المستشفيات الاهلية هي واجهات لجهات سياسية متنفذة”، مشددا على “ضرورة متابعة ملف المستشفيات الاهلية من قبل الجهات ذات العلاقة، خاصة في ظل ارتفاع معدل الأخطاء الطبية في عمل تلك المستشفيات، إضافة الى متابعة الادوية التي تباع في تلك المستشفيات، كون البعض منها منتهي الصلاحية”.

وأصبحت الأخطاء الطبية جزء من منظومة القتل التي تهدد أرواح العراقيين. فعلى الرغم من اللجان التحقيقية التي تشكلت، فقد حكمت دوماً ببراءة الأطباء والصيادلة والممرضين، إذ غالباً ما يجيء في التحقيق أنَّ سبب موت الضحايا هو السكتة القلبية!

وشهدت مواقع التواصل الإجتماعي خلال اليومين الماضيين بوفاة طفلة ذات الثمانية أشهر في مستشفى الدورة الأهلى والمملوكة لزوجة زعيم ائتلاف النصر حيدر العبادي، حيث حمل ذوي الطفلة المستشفى مسؤولية إخفاء وفاة الطفلة ليومين من أجل استحصال أموال مبيت الطفلة والبالغة أكثر من مليون دينار في اليوم الواحد.

فيما وجهت وزارة الصحة، أمس السبت، بإرسال لجنة تحقيقية إلى مستشفى الدورة الأهلي ببغداد، من أجل الوقوف على حيثيات وفاة طفلة، يقول ذووها إن المستشفى أخفت خبر وفاتها للاستفادة المادية من مدة مكوثها لديهم.

وبحسب إحصائية نشرها “مركز البيان للدراسات والتخطيط” فإنّ عدد المستشفيات الأهلية في العراق وصل إلى 235 مستشفى في مختلف المناطق، مقابل وجود ما يقدر بـ 191 مستشفى حكوميا تعاني من الإهمال وعدم وجود تقنيات حديثة. لا أحد يختلف أن وجود المستشفيات الأهلية يخفّف الضغط عن المستشفيات الحكومية، كما أنها تتسم بسرعة إجراء العمليات بعيداً عن الروتين المتبع في تلك الحكومية، بالإضافة إلى توفيرها الخدمات والراحة للمريض. هذا يعني أيضاً أنّه كلما تردّى الوضع في الحكومي انتعشت المستشفيات الأهلية، وهذا يجري على حساب المواطن باعتبار تكاليفها باهظة الثمن.

يذكر أن العراق فقد مئات الأطباء، بسبب الظروف الأمنية أو تفشي ظاهرة الاعتداء عليهم من قبل ذوي المرضى، وخاصة الذين يتوفون نتيجة لأسباب طبيعية، ويتم تحميل الطبيب المسؤولية، وهو أمر تمنعه السلطات بشدة وتوجه القوات الأمنية باعتقال المعتدين، إلا أن الأمر لم يتوقف.

يشار إلى أن أغلب العراقيين باتوا يتجهون إلى خارج العراق لغرض تلقي العلاج، وخاصة إجراء العمليات الصعبة، ومن بين الدول إيران وتركيا والهند، وغالبا ما تأتي نصيحة السفر من قبل الأطباء أنفسهم، في حال وجدوا الحالة المرضية صعبة وتحتاج إلى أجهزة وعلاجات وإمكانيات كبيرة.

وأصبح القطاع الصحي المتهالك واحداً من مصادر الفساد في العراق لما يوفره من عقود ومناقصات، فالكثير من الأموال تدخل في جيوب الأحزاب وجهات نافذة في الحكومة، يستثمرون هشاشة النظام الصحي ويساهمون في ديمومته، حتى يضطر المواطن للسفر خارج البلاد وفق اتفاقيات في الغالب معدة سلفاً، ولهم نسب كبيرة من عائداتها، أو هو يلجأ إلى المستشفيات الأهلية التي تعود إليهم.

هذا الواقع الصحي جعل من الصعوبة بمكان عودة أكثر من 10 آلاف طبيب أكفاء في مختلف الاختصاصات، غادروا العراق بعد 2003، وهي حلقة مفرغة إذ تساعد في تكريس الوضع العلاجي المتردي.

ا-ب

اضف تعليق