في قلب أهوار محافظة ذي قار جنوب العراق، تبدو الصورة قاتمة؛ مسطحات مائية متفرقة، أرض جرداء، وأزمات معيشية تضغط على سكان المنطقة الذين يعتمدون على صيد الأسماك لكسب لقمة العيش، هذه الأهوار، التي كانت يوماً تُعتبر من أبرز النظم البيئية في العراق، أصبحت اليوم تحت تهديد مستمر بسبب موجة الجفاف التي تخيم على البلاد منذ سنوات.

مخاوف الصيادين وسكان الأهوار

نسيم علي، أحد صيادي الأسماك من المنطقة، يعبر بمرارة عن حجم التحدي الذي يواجهه هو وأسرته، صرح لوكالة دولية تابعتها وكالة النبأ، "العديد منا يعيشون هنا من أجل الصيد، ولا نعرف أين نذهب أو ماذا سنعمل بسبب الجفاف. لن نقدر أن نعيش هنا بدون الماء".

الجفاف لا يهدد فقط مصادر الرزق، بل يمتد ليطال النظام البيئي برمته، ووفقًا لحيدر سعدي، مستشار محافظ ذي قار لشؤون المواطنين، فإن شح المياه أدى إلى ارتفاع نسب التلوث في المتبقي من المياه، ما تسبب بانتشار الأمراض بين الأطفال. كما أن التنوع البيولوجي الفريد الذي كانت تشتهر به الأهوار يتلاشى تدريجياً.

يقول سعدي: "إن الجفاف يهدد بتغيير ديمغرافية المنطقة بسبب الهجرة الجماعية للأهالي بحثًا عن أماكن أكثر ملاءمة للحياة، هذه الأزمة باتت تؤثر بشكل مباشر على الأهوار المدرجة على لائحة التراث العالمي".

نداء عاجل للسلطات

سعدي دعا السلطات العراقية إلى التحرك العاجل لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، مشدداً على أهمية تزويد مناطق الأهوار بالكهرباء وزيادة الإطلاقات المائية، كما طالب بالاهتمام بالنظام التعليمي وتحسين وضع المرأة في هذه المناطق المنكوبة.

التقارير الدولية تشير إلى أن العراق يتصدر قائمة الدول الأكثر تأثراً بالتغيرات المناخية في المنطقة، ووفق تقديرات أممية، فإن أكثر من نصف مساحة الأهوار قد تحولت إلى أرض قاحلة، مما أدى إلى نزوح غالبية سكانها إلى المدن المجاورة.

دعوات دولية للحلول

وأكد ديفيد هاردن، المدير السابق للوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID)، أن "وكالته تعمل على تقديم الدعم المالي لمواجهة التصحر والجفاف في العراق"، وفقاً لوكالة الحرة.

وأضاف أن "هناك حاجة ملحة لتطوير تقنيات حديثة لحماية الثروة المائية في العراق"، مشيرًا إلى أن الحل يكمن في اعتماد أساليب ري حديثة وإنشاء محطات لتحلية المياه.

أزمة المياه الإقليمية

من جانب آخر، يشير هاردن إلى أن الجفاف في العراق ليس فقط نتيجة للتغيرات المناخية، بل يعود أيضاً إلى حرمان البلاد من حصصها المائية من دول المنبع مثل إيران وتركيا، ويؤكد أن التوصل إلى حل لهذه الأزمة يتطلب مفاوضات سياسية "صعبة" مع تلك الدول لضمان توزيع عادل للمياه.

وبينما يتفاقم الوضع البيئي في أهوار العراق، يتساءل السكان عن مستقبلهم في ظل الجفاف والتحديات المعيشية التي أصبحت تشكل تهديداً وجودياً لمجتمعاتهم.

الحلول قد تكون موجودة، ولكنها تتطلب تحركاً سريعاً وتعاوناً محلياً ودولياً لإنقاذ هذه المنطقة الحيوية من الانهيار الكامل.

 

م.ال


اضف تعليق