يعيش العراق أزمة اقتصادية عميقة ناجمة عن ارتباطه الوثيق بالدولار الأميركي، مما يجعل اقتصاده عرضة لتقلبات سعر الصرف وسياسات الاحتياطي الفيدرالي الأميركي.
هذا الاعتماد يضع ضغوطاً كبيرة على حياة المواطنين، حيث أدى إلى ارتفاع أسعار السلع والخدمات، تآكل الأجور، وانخفاض القدرة الشرائية بشكل ملموس.
الاقتصاد العراقي تحت سيطرة الدولار
يشير محمد البغدادي، رئيس المركز الوطني للمراقبة والتقييم، إلى أن الدولار يمثل العمود الفقري للاقتصاد العراقي، موضحاً أن العملة الأميركية تصل إلى البلاد حصراً من خلال عائدات النفط، لكنه يؤكد أن هذه الأموال تودع في حسابات تحت سيطرة الحكومة الأميركية، ما يحد من قدرة العراق على استخدامها بحرية.
وقال البغدادي: "خلال عملية بيع الدولار للبنوك وشركات الصرافة، يتم تهريب كميات كبيرة منه عبر حوالات خارجية لتمويل الواردات العراقية، كما أن التحكم في سعر الصرف يعتمد كلياً على العرض والطلب، مما يزيد من تعقيد الأزمة".
ورغم إنشاء منصة إلكترونية لمراقبة حركة الدولار قبل ثلاث سنوات، لا تزال الفجوة بين السعر الرسمي (1320 ديناراً للدولار) وسعر السوق السوداء (1490-1510 دنانير) قائمة، مما يثقل كاهل المواطنين ويزيد من أعبائهم الاقتصادية.
تهريب الأموال والتحديات الإقليمية
تواجه الحكومة العراقية صعوبة كبيرة في الحد من تهريب الأموال إلى دول الجوار، التي تستخدم الدولار لتمويل وارداتها، وعلى الرغم من محاولات السيطرة، يصف البغدادي هذه الجهود بأنها "معركة صعبة"، إذ يعتمد العراق بشكل شبه كامل على الدولار في تعاملاته التجارية الدولية.
من جهة أخرى، يرى الخبير الاقتصادي كاظم جابر أن المشكلة لا تقتصر على العراق وحده، بل هي انعكاس لسياسات النظام المالي العالمي، خاصة نظام "سويفت" للتحويلات المالية، الذي يفرض قيوداً صارمة على حركة الأموال، وهذه القيود تجعل الدول النامية، كالعراق، عرضة للتقلبات الاقتصادية العالمية.
وأضاف جابر أن الاعتماد على نظام سويفت يعمّق تبعية العراق للنظام المالي الدولي، مشيراً إلى أن هذه التبعية تقيد محاولات البلاد لتحقيق استقلال مالي.
محاولة للانفكاك عن هيمنة الدولار
في خطوة للحد من هذه الضغوط، يسعى العراق للانضمام إلى تكتل "بريكس" الاقتصادي، الذي يهدف إلى بناء نظام مالي بديل يعتمد على سلة عملات متعددة.
ووفقاً لجابر، فإن الانضمام إلى بريكس قد يمنح العراق فرصة لتقليل الاعتماد على الدولار وتوسيع خياراته المالية الدولية.
لكن رغم هذه الجهود، يشدد جابر على أن السوق الموازي يبقى الملاذ الوحيد للقطاع الخاص لتلبية احتياجاته في ظل غياب حلول جذرية للأزمة.
إصلاحات حكومية محدودة التأثير
في سبتمبر/أيلول الماضي، أعلن البنك المركزي العراقي عن نيته إنهاء العمل بالمنصة الإلكترونية للتحويلات الخارجية بحلول العام المقبل.
وتهدف هذه الخطوة إلى تنظيم التحويلات المالية وتعزيز الرقابة الاستباقية، لكن تأثيرها على أرض الواقع يبقى محل تساؤل في ظل تفاقم أزمة سعر الصرف واستمرار التهريب المالي.
انعكاسات الأزمة على المواطنين
الارتباط الوثيق بالدولار يضعف الاقتصاد العراقي ويجعل المواطنين الأكثر تضرراً، ارتفاع الأسعار، تقلص الأجور، وضعف القدرة الشرائية باتت واقعاً يومياً يعيشه العراقيون، في وقت لا تزال الحكومة تبحث عن حلول طويلة الأمد لتقليل تأثيرات الدولار على البلاد.
بين ضغوط النظام المالي العالمي والصعوبات الداخلية في ضبط تدفق الأموال، يواجه العراق معضلة اقتصادية معقدة، ورغم محاولات الحكومة لتخفيف الاعتماد على الدولار، يبقى الطريق طويلاً لتحقيق الاستقرار المالي وضمان حياة أفضل للمواطنين.
م.ال
اضف تعليق