يشهد ملف الوجود العسكري الأميركي في العراق، ضمن إطار التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، نقاشات مكثفة داخل تحالف الإطار التنسيقي الحاكم خلال الأيام الأخيرة.
ووفقاً لتصريحات اثنين من أعضاء التحالف، يُنظر إلى هذا الوجود العسكري كعامل محتمل لتحقيق الاستقرار داخل العراق.
وأعلنت بغداد وواشنطن، مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، عن اتفاق يقضي بإنهاء مهمة التحالف الدولي ضد تنظيم داعش في العراق في موعد أقصاه نهاية سبتمبر 2025، فيما ستكون نهاية عمل التحالف في الأراضي السورية بالتاريخ ذاته من العام 2026. وأتى الإعلان عن هذا الاتفاق عبر بيان مشترك للبلدين، بعد جولات حوار امتدت لأشهر على خلفية مطالب بإنهاء وجود التحالف من قبل الفصائل المسلحة والقوى العراقية الحليفة لإيران التي تصاعدت إثر ضربات أميركية لمقار فصائل في العراق رداً على هجماتها ضد قواعده في البلاد وخارجها.
مراجعة لسياسة العراق الخارجية
وتحدث عضوان في البرلمان العراقي عن "الإطار التنسيقي" الحاكم في البلاد، والذي يضم غالبية القوى العربية الشيعية في العراق، عن وجود ما وصفه أحدهما بـ"المراجعة" لوضع العراق وسياسته الخارجية في ظل التطورات الأخيرة بالمنطقة، وانهيار نظام بشار الأسد في سورية، من بينها مسألة إنهاء الوجود الأميركي العسكري الذي يعمل حالياً في العراق تحت مظلة التحالف الدولي منذ العام 2014.
وقال أحد النائبين إن "التوترات بالمنطقة تستدعي القول إن الوجود الأميركي يُمكن أن يكون عامل استقرار داخل العراق وخارجه في محيطه المضطرب سياسياً وأمنياً". وأكد النائب الآخر أن "الولايات المتحدة منعت إسرائيل من الاعتداء على العراق كما فعلت بسورية واليمن ولبنان، بفعل الوجود العسكري في العراق، وسيطرت واشنطن على الأجواء العراقية فعلياً". وأضاف أن "مناقشات جارية في هذا الصدد، بين مؤيد لطلب تمديد، أو المضي بالاتفاق المبرم القاضي بإنهاء الوجود العسكري خلال الربع الأخير من 2025، لكن لا شيء محسوما حتى الآن، كما أنه لا يُعرف توجه إدارة دونالد ترامب، من العراق وعموم مجريات هذا الملف، إذ من غير الواضح حتى الآن ما سيكون القرار الأميركي من أساسه".
واعتبر أن الوجود الأميركي في العراق "قد يكون حائلاً مهماً أمام سعار العدوان الإسرائيلي على دول المنطقة بعد لبنان وسورية واليمن". ولفت إلى "تخوف العراق من ارتداد الأوضاع السورية عليه، فيما يتعلق بورقة تنظيم داعش، وعودة نشاطه مجدداً، وتكرار سيناريو هجماته"، مؤكداً أن أطرافاً في الحكومة و"الإطار التنسيقي"، "ترغب بالتمديد لحين استقرار الأوضاع في المنطقة ككل".
الظروف المحيطة بالعراق غير مستقرة
من جهته، قال عقيل الرديني، المتحدث باسم تحالف النصر بزعامة حيدر العبادي، أحد قادة "الإطار التنسيقي"، إن "الظروف المحيطة بالعراق حالياً غير مستقرة، خصوصاً بعد سقوط نظام بشار الأسد في سورية المضطربة، ما يرفع القلق العراقي". وأضاف، في تصريح لـ"العربي الجديد"، أن "قضية تمديد بقاء التحالف الدولي لم تُطرح رسمياً حتى الآن، لكن من الممكن جداً أن تكون هناك تفاهمات جديدة بين بغداد وواشنطن بشأن مستقبل التحالف الدولي في ظل التطورات الإقليمية الأخيرة".
ولفت إلى أن "تمديد فترة بقاء مهام التحالف الدولي أمر وارد، وهو مرتبط حالياً بالتطورات المرتقبة في المنطقة، لكن نعتقد أن هذا الأمر سابق لأوانه، وفي حال اتخذ العراق هكذا خطوة خلال المرحلة المقبلة، فهذا الأمر يتم وفق المصلحة العليا للدولة العراقية، وسيكون له دعم سياسي". وتابع: "حتى الفصائل المسلحة تنظر إلى مصلحة العراق، وعندما يكون هناك قرار من الحكومة العراقية بتمديد فترة وجود التحالف الدولي، والرأي الصائب هو من يأخذ طريقه للتنفيذ، والأكيد ستكون هناك معارضة، لكن يبقى قرار الدولة هو الأعلى".
من جهته، قال الباحث العراقي المقيم في واشنطن نزار حيدر، إن "العراق طلب من واشنطن خلال الأسابيع الماضية، على مستويات مختلفة، حمايته من أي ارتدادات للأوضاع في سورية على أمنه، وهذا يعني عملياً أن العراق ما زال بحاجة إلى التحالف الدولي لحمايته من المخاطر المحتملة التي ما زالت تحوم حوله، وهو دليل على أن كل ما يمتلكه العراق من قوة وبمختلف العناوين الرسمية لا تفي بالغرض". وأضاف: "من حق العراق أن يطلب تمديد بقاء القوات الأميركية، وفقاً للاتفاقيات السابقة بين البلدين خصوصاً اتفاقية التنسيق المشترك عام 2008، إذا ما رأى ضرورة لذلك ولأي سبب من الأسباب، فالقرار يعود إلى الحكومة".
ولم يستبعد حيدر طلباً عراقياً لتمديد بقاء التحالف الدولي في العراق خلال المرحلة المقبلة، بعد التطورات الإقليمية، لاسيما أن "العراق يرى هناك ضرورة أمنية وعسكرية لهذا البقاء، خصوصاً أن هذا البقاء يمكن أن يحمي العراق من أي ضربة إسرائيلية مرتقبة خلال المرحلة المقبلة ضد الفصائل المسلحة"، وفقاً لقوله.
جزء من عملية مناورة
أما رئيس مركز "التفكير السياسي للأبحاث" في بغداد إحسان الشمري، فقال، إنه "لا أصل لسردية الانسحاب الأميركي من العراق، فهذا الأمر أشيع في جزء من عملية المناورة". وأضاف: "الولايات المتحدة أبلغت حكومة محمد شياع السوداني، التي تشكلت بالأصل من قبل الفصائل المسلحة والإطار التنسيقي، بأنه لا انسحاب من العراق، لكن من الممكن مناقشة البقاء من خلال اتفاقية ثنائية (خارج إطار التحالف الدولي)، ولهذا الحديث في واشنطن عن اتفاقية لبقاء مستدام، وهذا ما أعلنته واشنطن بشكل رسمي، وسبب إحراج لحكومة السوداني بشكل كبير". وأضاف الشمري: "تأجيل إنهاء مهام التحالف الدولي في العراق له مسببات عراقية أكثر مما هي أميركية، فالعراق يريد بقاء التحالف نتيجة لوجود قلق من تداعيات الأوضاع في المنطقة وتحديداً بسورية، وإمكانية أن يكون العراق ضمن خريطة التغيير خلال المرحلة المقبلة، فهذا التواجد ربما يكون بمثابة تقديم ضمانات للطبقة السياسية، على اعتبار أن واشنطن هي الراعية للنظام الحالي في العراق".
واعتبر أنه في حال طلب العراق التمديد "سيكون بسبب صعود الجماعات المسلحة في سورية، التي وصفتها حكومة السوداني بأنها جماعات إرهابية، فوجود التحالف يؤمن إلى حد كبير عدم وجود فوضى أمنية في العراق، كما أن الإطار التنسيقي يعتقد أن بقاء التحالف وعدم المطالب بالانسحاب الآن قد يؤجل بشكل كبير الضربات الإسرائيلية الكبيرة المحتملة ضد الفصائل، فالولايات المتحدة نجحت في تأجيل هذه الضربات لا في إلغائها". وتابع أن "السوداني والإطار التنسيقي يعتقدان أن بقاء قوات التحالف الدولي وعدم المطالبة بالانسحاب حالياً رسائل نيات بقبول رؤية ترامب للعراق، خصوصاً أن الإطار والسوداني سابقاً هاجما ترامب". وختم بالقول إن "ترامب قد يجد بقاء العراق تحت المظلة الإيرانية أمراً خاطئاً، ولهذا نجد رؤية حكومة السوداني تراجعت عن ملف الانسحاب، كما تركت تلك الفصائل قضية مهاجمة الأميركيين وإسرائيل، وشعار إخراج القوات الأميركية، لكن الآن المعادلة تغيرت وبينت المواقف الحقيقية لهذه الفصائل".
ويوجد نحو 2500 عسكري أميركي في العراق ضمن التحالف الدولي، الذي تقوده واشنطن منذ سبتمبر 2014. ويتوزع الجنود على ثلاثة مواقع رئيسية في العراق، هي قاعدة عين الأسد في الأنبار وقاعدة حرير في أربيل ومعسكر فيكتوريا الملاصق لمطار بغداد الدولي. وليست جميع هذه القوات أميركية، إذ توجد أيضاً قوات فرنسية وأسترالية وبريطانية تعمل ضمن قوات التحالف، وأخرى ضمن بعثة حلف شمال الأطلسي (ناتو) في العراق.
المصدر: العربي الجديد
م.ال
اضف تعليق