تتواصل المعارك العنيفة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في إقليم كردفان، حيث تحولت مدينة بابنوسة إلى واحدة من أكثر النقاط حساسية في مشهد الحرب الدائرة منذ أكثر من عام ونصف، فالمدينة، التي تشكّل عقدة مواصلات مركزية بين مدن كردفان الكبرى، باتت اليوم هدفاً حاسماً لكل طرف يسعى إلى توسيع نطاق السيطرة وتعزيز خطوط الإمداد.
وتكمن أهمية بابنوسة في موقعها الجغرافي المحاط بحقول النفط ومحطات السكك الحديدية الحيوية، الأمر الذي جعلها مركزاً استراتيجياً يربط بين غرب ووسط السودان، ويضاعف من القيمة العسكرية والاقتصادية للمنطقة.
وفي حديث لبرنامج متلفز، أكد الكاتب والباحث السياسي السوداني شوقي عبد العظيم أن طرفي الصراع "لا يبديان أي رغبة في التهدئة أو الدخول في تفاهمات تؤدي إلى وقف إطلاق النار، رغم الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة ودول الرباعية". وأضاف، أن الهدنة الإنسانية التي كان يُفترض التوصل إليها خلال الشهر الجاري لم تتحقق، في ظل اشتداد العمليات العسكرية واتساع رقعة المواجهات.
وبحسب عبد العظيم، باتت كردفان بشقيها الشمالي والجنوبي خط تماس استراتيجي بين الطرفين؛ فالجيش يعتمد على ولايات الوسط والشرق والخرطوم، بينما يستند الدعم السريع إلى ولايات الغرب والحدود الجنوبية بعد سيطرته على مدينة الفاشر، أحد أكبر مراكز الثقل في دارفور.
وأشار إلى، أن الدعم السريع انتقل بعد سيطرته على الفاشر من الوضع الدفاعي إلى الهجومي، وبدأ يدفع بقواته نحو مناطق مثل بابنوسة وأمدام حاج أحمد والرهد وسيالة، وهي مناطق تشهد اشتباكات عنيفة منذ أسابيع.
ويرجح الباحث السوداني أن تشهد الأسابيع المقبلة تصعيداً واسعاً، لا سيما في جنوب كردفان حول كادوقلي والدلنج، وفي شمال كردفان باتجاه مدينة الأبيض، التي تمثل مركزاً تجارياً محورياً ومعبراً أساسياً لإمدادات النفط.
ويضيف أن السيطرة على الأبيض وبابنوسة ستمنح أي طرف تفوقاً استراتيجياً قد يغير مسار الحرب، مؤكداً أن الطرفين يحشدان قواتهما حالياً مع تحسن الظروف الميدانية عقب انتهاء موسم الأمطار.
ويرى عبد العظيم أن الحرب في السودان باتت تتجاوز المفهوم التقليدي للصراعات، واصفاً إياها بأنها "حرب من الجيل الخامس وربما السادس"، حيث تلعب المسيّرات، وأجهزة التشويش، والاستخبارات، والأقمار الاصطناعية دوراً محورياً في العمليات، في مقابل تراجع تأثير الخبرات العسكرية الكلاسيكية.
ويضيف، أن الصراع لا يهدف إلى تحقيق نصر نهائي بقدر ما يسعى إلى "إبقاء الطرف الآخر في حالة اضطراب دائم"، مشيراً إلى أن أي مكسب ميداني لن يكون كافياً لحسم الحرب، إذ تظل القدرة على تنفيذ ضربات جوية بالطائرات المسيّرة عاملاً حاسماً في استنزاف الخصم.
وتشكل كردفان ودارفور نحو 35 في المئة من الموارد الاقتصادية للسودان، بما فيها الثروة الحيوانية والزراعة والمعادن، ما يجعل الإقليم محوراً بالغ الأهمية في الصراع.
كما تسهم التركيبة القبلية المتداخلة في تسهيل حركة الدعم السريع في العديد من المناطق، بينما يستفيد الجيش من خبرة قائده عبد الفتاح البرهان في القتال داخل كردفان منذ سنوات طويلة.
ويحذر عبد العظيم من أن انتقال المعارك من بابنوسة إلى الأبيض قد يؤدي إلى تغييرات كبيرة في موازين القوى، مشدداً على أن فقدان السيطرة على كردفان سيكون ضربة استراتيجية خطيرة لأي من الطرفين.
ويختتم حديثه بالقول إن الإقليم سيظل "عامل الحسم" في الحرب السودانية الراهنة، وأن السيطرة عليه قد تحدد شكل المرحلة المقبلة برمتها، سواء باتجاه مزيد من التصعيد أو نحو مسار تفاوضي أكثر جدية.
م.ال



اضف تعليق