النبأ — يرى الكاتب إبراهيم العبادي أن أي نهضة وطنية شاملة لا يمكن أن تتحقق من دون حضور فاعل لرأس المال الاجتماعي، مشيراً إلى أن شبكات العلاقات الاجتماعية والمؤسساتية القائمة على الثقة والتعاون والقيم المشتركة تمثل رافعة تنموية قادرة على تعويض نقص الموارد المادية أو استكمال ضعفها، إذا ما توفرت لها بيئة سياسية وقانونية وإدارية داعمة.

ويعتقد العبادي أن تجارب التنمية الحديثة أثبتت أن رأس المال الاجتماعي لا يقل أهمية عن رأس المال الاقتصادي أو البشري، لافتاً إلى ما توصل إليه عالم السياسة روبرت بوتنام من أن المجتمعات التي تمتلك مستويات عالية من الثقة المتبادلة والعمل المدني المنظم تكون أكثر قدرة على إنجاح السياسات العامة وتحقيق التنمية، حتى في ظل محدودية الموارد.

وأشار إلى أن تركيز نظريات التنمية لسنوات طويلة على رأس المال البشري، بوصفه المحرك الأساس للنمو، لم يُلغِ حقيقة أن تراجع رأس المال الاجتماعي يؤدي إلى إضعاف الثقة بين المجتمع والدولة، ويقوّض قدرة المؤسسات على مواجهة التحديات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية. ويستشهد في هذا السياق برؤية عالم الاجتماع الأميركي جيمس كولمان، الذي يعرّف رأس المال الاجتماعي بقدرته على تسهيل الفعل الجماعي وتحويل القيم والمعايير إلى موارد عملية تدعم الاستقرار والتنمية.

ويؤكد العبادي أن رأس المال الاجتماعي ليس مفهوماً نظرياً أو ترفاً فكرياً، بل يمثل ضرورة تنموية وأمنية في آن واحد، تتجلى عملياً في مبادرات لجان الأحياء، والعمل التطوعي، والمشاركة المجتمعية في حماية الأمن، والحفاظ على الممتلكات العامة، وتحسين البيئة الحضرية. لكنه يعتقد أن العراق يعاني فجوة واضحة بين المجتمع ومؤسسات الدولة، واتساعاً في دائرة “الكسل الاجتماعي”، مقابل تراجع الفعل المجتمعي المنظم والمبادرات المحلية.

ويرى أن الثقافة السائدة انشغلت طويلاً بالنقد السلبي وكشف الإخفاقات، من دون أن تنجح في بناء عقل اجتماعي مبادر وداعم للعمل الجماعي، الأمر الذي أسهم في إضعاف مساهمة رأس المال الاجتماعي وتشتيت الجهود الحكومية المحدودة أصلاً. كما يشير إلى أن العراق، رغم امتلاكه عدداً كبيراً من المؤسسات الاجتماعية والنقابية والدينية والمدنية، يعاني ضعفاً في توجيهها نحو العمل الميداني المباشر، إلى جانب تقصير مؤسسات الدولة والإعلام في تشجيع المبادرات المجتمعية وتسليط الضوء على النماذج الإيجابية.

ويعتقد العبادي أن المرحلة الراهنة تتطلب ريادة اجتماعية فاعلة تتكامل مع دور الدولة، من خلال تحفيز المبادرات الفردية والجماعية، ورعاية المشاريع الثقافية والعلمية والاجتماعية، واستحداث جوائز وطنية سنوية في مجالات العلوم والآداب والابتكار. ويؤكد أن مثل هذه الخطوات لا تكرّم الأفراد فحسب، بل تسهم في تنشيط ثقافة العمل التطوعي وخلق تنافس إيجابي داخل المجتمع.e

ويخلص الكاتب إلى أن العراق لا يعاني نقصاً في العقول أو المواهب، بقدر ما يواجه ضعفاً في توظيفها ضمن مشروع وطني واضح، مشدداً على أن تفعيل رأس المال الاجتماعي يتطلب إرادة مشتركة من الدولة والمجتمع، تقوم على الشراكة، والتحفيز، وتحويل الطاقات الكامنة إلى قوة فاعلة في صناعة المستقبل.


اضف تعليق