متابعة- وكالة النبأ
مع انطفاء ضجيج صناديق الاقتراع، وجد العراق نفسه أمام منعطف جديد يؤذن ببدء المرحلة الأكثر تعقيداً في العملية الانتخابية؛ مرحلة تفاوضات ثقيلة وترتيبات سياسية قد تمتد لأسابيع وربما أشهر، بينما تترقب البلاد شكل الحكومة المقبلة وسط مشهد مضطرب داخلياً وإقليمياً.
فبعد يوم انتخابي بلغت نسبة المشاركة فيه نحو 55% أي ما يقارب 12 مليون ناخب من أصل 21 مليون يحق لهم التصويت، اعلنت مفوضية الانتخابات النتائج النهائية، على أن يلي ذلك سباق محموم لتحديد «الكتلة الأكبر» المكلّفة بتسمية رئيس الوزراء الجديد وتشكيل الحكومة.
ورغم أن الانتخابات قد تعيد رسم التوازنات البرلمانية، إلا أن ما سيأتي بعدها يبدو أكثر تأثيراً على مستقبل البلاد، وسط غياب أحد أبرز الفاعلين السياسيين (التيار الصدري)، واستمرار الجدل حول الوجود العسكري الأميركي، وتزايد الضغوط الإقليمية نتيجة التطورات في غزة وانعكاسات المواجهة بين إيران والولايات المتحدة.
تغيرات داخلية واصطفافات جديدة
شهدت هذه الانتخابات (السادسة) بعد عام 2003 تحولات واضحة في قواعد اللعبة السياسية، أبرزها اعتماد نظام سانت ليغو المعدل الذي أعاد الأفضلية للأحزاب الكبيرة على حساب المستقلين، ليقتصر عدد المرشحين المستقلين على 75 فقط من أصل نحو 7.7 آلاف مرشح.
وتأتي عملية الاقتراع في ظل أزمة ثقة متنامية لدى الشباب العراقي تجاه الطبقة السياسية، ما يفسر التوقعات السابقة بتراجع المشاركة، على الرغم من ارتفاعها مقارنة بانتخابات 2021 التي سجلت أدنى نسبة مشاركة في تاريخ البلاد (41%).
أما تمثيل المرأة فقد حافظ على نسبة لا تقل عن 25% من مقاعد البرلمان، فيما خُصصت تسعة مقاعد للأقليات، بواقع خمسة للمسيحيين ومقعد واحد لكل من الصابئة والإيزيديين والشبك والأكراد الفيلية.
الطريق المعقد لتشكيل الحكومة
ورغم أن عملية التصويت بدت المرحلة الأسهل، إلا أن المسار الدستوري التالي هو الأكثر إرباكاً، خصوصاً في ظل تجارب السنوات الماضية.
فبعد إقرار النتائج النهائية، يدعو رئيس الجمهورية البرلمان الجديد للانعقاد خلال 15 يوماً لانتخاب رئيس البرلمان ونائبيه، على أن يُنتخب رئيس الجمهورية خلال مدة لا تتجاوز 30 يوماً وبأغلبية الثلثين.
وما زال "الثلث المعطّل" الذي أقرته المحكمة الاتحادية في الانتخابات السابقة، يلقي بظلاله على المشهد، بعد أن تسبب بتعطيل انتخاب رئيس الجمهورية لأشهر في انتخابات 2021، وهو ما انتهى حينها بانسحاب التيار الصدري من البرلمان وتشكيل قوى الإطار التنسيقي للكتلة الأكبر، قبل تسمية محمد شياع السوداني رئيساً للوزراء ضمن اتفاق سياسي مع السنة والأكراد.
تنافس شيعي مفتوح واحتمال إعادة السيناريو السابق
وتشهد الساحة الشيعية اليوم تنافساً حاداً بين السوداني الساعي إلى ولاية ثانية عبر «ائتلاف الإعمار والتنمية»، وبين نوري المالكي زعيم «دولة القانون»، إلى جانب قوى أخرى داخل الإطار التنسيقي بشقيه المؤيد والرافض لتجديد ولاية السوداني.
وتقدر مراكز البحوث العراقية عدد المقاعد الشيعية في البرلمان الجديد بين 180 و190 مقعداً، ما يجعل هذه القوى هي المحرك الأكبر لمسار تشكيل الحكومة.
وتشارك في الانتخابات أيضاً قوى سياسية مدعومة من فصائل مسلحة مرتبطة بإيران مثل «حركة حقوق» و«صادقون»، مقابل مجموعات إصلاحية انبثقت عن احتجاجات تشرين 2019 لكنها ما تزال تعاني من ضعف التمويل والانقسام الداخلي.
البيت السني… منافسة بلا زعامة موحدة
في المعسكر السني، تبدو المنافسة مفتوحة بين تحالفات عدة أبرزها «تقدّم» بقيادة محمد الحلبوسي، و«السيادة» بزعامة خميس الخنجر، وتحالف «عزم» لمثنى السامرائي، إضافة إلى «تحالف حسم» بزعامة وزير الدفاع ثابت العباسي.
وتشير التوقعات إلى أن المقاعد السنية ستتراوح بين 65 و75 مقعداً، إلا أن الانقسامات القائمة قد تقلص من تأثير هذا المكون خلال مفاوضات تشكيل الحكومة.
المشهد الكردي… انقسام غير مسبوق
أما إقليم كردستان، فيخوض الانتخابات بصفوف منقسمة أكثر من أي وقت مضى، مع احتدام المنافسة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني، ووجود توترات داخل الاتحاد نفسه منذ وفاة جلال طالباني.
ويتنافس الأكراد على 46 مقعداً داخل الإقليم، قد يرتفع إجماليها إلى نحو 70 مقعداً مع الدوائر المختلطة في كركوك ونينوى وديالى وصلاح الدين.
ورغم أن بعض القوائم قد تحصد تقدماً واضحاً في النتائج، إلا أن تشكيل الحكومة سيبقى رهناً بالتوافقات بين المكونات الثلاث التقليدية (الشيعة والسنة والأكراد)، في نظام سياسي يقوم جوهرياً على التحالفات بعد الانتخابات وليس قبلها.
ومع استمرار مقاطعة التيار الصدري، ووجود استقطاب سياسي واضح، وضغوط خارجية متزايدة، يبدو أن العراق مقبل على مرحلة تفاوضية معقدة سترسم شكل السلطة التنفيذية المقبلة، وقد تعيد إنتاج كثير من تحديات السنوات الماضية.
م.ال



اضف تعليق