العادات والتقاليد الرمضانية في المدن العراقية.. تنوع ثقافي وروحانية متجددة
يحمل شهر رمضان المبارك في العراق طابعًا مميزًا يجمع بين العادات الدينية والاجتماعية، حيث يتجلى فيه الكرم والتآلف والتلاحم بين الأفراد والمجتمع، مما يجعل هذا الشهر فترة استثنائية ينتظرها العراقيون بشغف كل عام.
ويتسابق العراقيون في هذا الشهر الفضيل لإحياء بعض العادات والتقاليد التي ورثتها الأجيال، والتي تجمع بين الاجواء الروحانية والتقاليد الاجتماعية الفريدة, وعلى الرغم من التنوع الثقافي والديني في المدن
العراقية، فإنها تتشارك في أجواء الفرح والعبادة والكرم.
يرى الباحثون أن الصيام لا يقتصر على الامتناع عن الطعام فقط، بل يمتد ليكون تجربة روحية واجتماعية تعزز من الإحساس بالمسؤولية الجماعية، حيث يشعر كل فرد أنه جزء من نسيج اجتماعي مترابط، يتأثر بأحوال الآخرين ويسعى لدعمهم.
يقول الباحث الاجتماعي علي العوادي إن" شهر رمضان يمثل فرصة ذهبية لتعزيز التكافل الاجتماعي بين العراقيين، حيث يغرس الصيام قيم التعاون، والمواساة، والشعور بمعاناة الآخرين, فمع الامتناع عن الطعام والشراب لساعات طويلة، يتولد لدى الصائم إحساس أكبر بحال الفقراء والمحتاجين مما يدفعه إلى مد يد العون لهم, كذلك يدفع الصيام الأفراد إلى التقليل من النزاعات والانشغال بالمودة والتسامح، مما يقوي العلاقات الاجتماعية بين الجيران والأقارب".
ويضيف ان "من العادات العراقية الجميلة فيرمضان تبادل أطباق الطعام بين الجيران، وهو تقليد يعزز العلاقات الاجتماعية ويعكس روح المشاركة, وكثير من العائلات والمساجد في المدن العراقية تقيم موائد الإفطار المجانية، ليستفيد منها الفقراء وعابرو السبيل، مما يعزز روح العطاء والتضامن, كما يحرص العراقيون في رمضان على تقديم الصدقات والزكاة، سواء من خلال الجمعيات الخيرية أو عبر توزيع المساعدات بشكل مباشر، خاصة للعوائل المتعففة, فالصائم يشعر بآلام الجوع والعطش، مما يجعله أكثر تعاطفًا مع الفقراء ويدفعه إلى بذل المزيد من الجهود لمساعدتهم".
اميرعلي كاظم صاحب محل لبيع المواد الغذائية بين" ان العائلات العراقية تبدأ قبل حلول شهر رمضان المبارك بالتجهيز له عبر شراء المواد الغذائية الأساسية مثل التمور، العدس، الرز، والبهارات، والبقوليات, والمعلبات إضافة إلى الاقبال على شراء الحلويات كالبقلاوة والزلابية وغيرها".
فيما قال المواطن حسين علي عبد" ان من افضل ما نشاهده في هذا الشهر الفضيل هو تزين الأسواق بالأضواء والفوانيس، وتزداد الحركة التجارية بشكل ملحوظ, وتشهد المساجد ازدحامًا كبيرًا ، حيث يتوافد الناس للعبادات كإقامة الصلاة الدعاء , اضافة الى الختومات القرآنية التي تنظمها العديد من العائلات والجوامع والمراقد المقدسة".
الحاج ابو احمد بين ان" التقاليد الشعبية الرمضانية المتوارثة لم تتخلى بعض المدن العراقية عنها, حيث يجوب الأطفال الأحياء ليلاً مرددين الأهازيج الرمضانية طلبًا للحلوى, اضافة الى اقامة مسابقات ثقافية
ودينية، كما تحظى ألعاب مثل المحيبس بشعبية كبيرة، وهي لعبة جماعية تُمارس في التجمعات الرمضانية, ويزداد الإقبال في العشر الأواخر على العبادة والاعتكاف، وتبدأ التحضيرات لاستقبال عيد الفطر من خلال شراء الملابس الجديدة وتحضير كعك العيد (الكليجة)".
رمضان شهرًا مميزًا يمزج بين الروحانية والعادات الاجتماعية الأصيلة.
الباحث الديني حيدر الشهرستاني تحدث عن اهمية الصيام ودورة فيترسيخ الطقوس الدينية في نفوس المؤمنين قائلا" يحظى شهر رمضان المبارك بأهمية كبيرة في العالم الإسلامي وفي العراق، ويعتبر وقتًا خاصًا يمتزج فيه التراث والروحانية والتضحية, حيث يعيش العراقيون هذا الشهر بكل احتفاء وانتماء، ويتم تجديد العلاقات الاجتماعية وتعزيز الروابط الأسرية والجيرانية".
واضاف" يستعد العراقيون لاستقبال شهر رمضان بممارسة العديد الطقوس والأنشطة العبادية كالإكثار من قراءة القرآن الكريم وحضور الدروس الدينية, وأداء صلاة التراويح والتهجد في المساجد, اضافة الى تبادل الزيارات العائلية، لا سيما في الأيام الأولى من الشهر, وتجهيز موائد الإفطار الجماعية، سواء داخل البيوت أو في الشوارع والمساجد لمساعدة المحتاجين, ورغم أن المواكب ترتبط عادةً بمناسبات عاشوراء والأربعينية، إلا أن بعضها يواصل تقديم وجبات الإفطار والسحور للمحتاجين خلال الشهر الفضيل".
وتابع ان" للمساجد والمواكب الحسينية والعتبات المقدسة في الأجواء الرمضانية دور بارز في هذا الشهر الفضيل, حيث تمتلئ بالمصلين لأداء صلاة التراويح والاعتكاف، كما تُنظم فيها الختمات القرآنية والمحاضرات الدينية ودروس فقهية عن أحكام الصيام, اما العتبات المقدسة كالعتبة الحسينية والعباسية في كربلاء، والعتبة العلوية في النجف، والكاظمية، وسامراء ،تتحول إلى مراكز للعبادة، وتقام فيها الأدعية والمحاضرات الدينية وتُفتح أبوابها للزائرين والمعتكفين".
س ع
اضف تعليق