عامر الشيباني
يبقى السؤال المطروح بين الاوساط الثقافية والاكاديمية وغيرها كيف تنظر الى مستقبل الثقافة والفكر في ظل هيمنة شبكات التواصل الاجتماعي؟، سؤال لطالما تعرض الى التعرية والتشخيص والتحليل في ظل تسارع انتشار هذه الوسائل وجعلها متاحة بين جميع الشرائح الاجتماعية بمختلف توجهاتها وخلفياتها الثقافية والفكرية.
مما اثر على المحيط الثقافي والفكري والمجتمعي في ظل هيمنة ثقافة دخيلة على مجتمعاتنا الشرقية وجعلها تشعر بالاغتراب في محيطها وحاضنتها الاولى, ليحل محلها تواصل افتراضي يحسبه البعض هو وسيلة مثلى للتواصل مع طيف واسع من المجتمع.
يقول الكاتب الصحفي عباس سرحان "لايمكن وصف مواقع التواصل الاجتماعي الا منصات للأفكار السطحية السريعة، فهي لاتعطي غالبا آراءا عميقة إنما تعتمد بدرجة اساسية على الاضاءات والفلاشات العابرة، وينشدّ متصفحوها الى الدردشات أكثر من إنشدادهم للقراءة الواعية الصبورة المليئة بالعبر".
بهذه الطريقة من التعبير والإطلاع لم يعد للكاتب الناشط على هذه المواقع نَفَسَه الطويل في عرض آرائه، إما لأنه انساق وراء الايقاع السريع لمواقع التواصل الاجتماعي، او لأنه بات يراعي طبيعة القراء في هذه المواقع، ممن يميلون الى اقتطاف الافكار السريعة، يضيف.
وبحسب سرحان، من اللافت ان حشدا كبيرا من الناس حول العالم بات مشدودا بشكل غير مسبوق لتصفح مواقع التواصل الاجتماعي، ويستغرق هذا الحشد معظم وقته متنقلا بينها وهي لاتسمح غالبا للناشر بأكثر من 200 كلمة.
ويشير الكاتب الى "ما يعني ان الكِتاب باعتباره الوسيلة الاقدم لتبادل الافكار بين الناس، قد فقد اهميته وصار الاطلاع عليه مقتصرا على شريحة صغيرة من الناس مقارنة بمن يهتمون بمواقع التواصل الاجتماعي، اذا استثنينا الطلبة باعتبارهم مجبرين على التعاطي مع الكتاب اكاديميا".
اذن والحال هذه، لايمكن انكار التحول الكبير في طريقة التفكير وانماط الكتابة التي احدثتها مواقع التواصل الاجتماعي، لكن هذا التحول ليس ايجابيا للأسف، فهي تنشيء بشكل تدريجي اجيالا تميل الى الجدل اكثر من ميلها الى التمعن بالافكار ومناقشتها بهدوء كما كان الحال حين كانت الكتب هي الوسيلة الاولى لتبادل الافكار بين الناس على حد قوله.
ويختم الكاتب بالقول انه "ببساطة ان مواقع التواصل الاجتماعي ليست مبوبة ولامنضبطة، وستميت لدى الاجيال المستقبلية القدرة على التأمل، وهذا الاخير هو جوهرة الابداع، ومن ثم فاذا استمرت هذه المواقع مستحوذة على اهتمام الناس سنشهد تراجعا أكبر في مجالات الثقافة والفكر، وأنماط التكفير".
اما الباحث في مركز الدراسات الاستراتيجية في جامعة كربلاء الدكتور سعدي الابراهيم رصد اثر شبكات التواصل الاجتماعي على مستقبل الثقافة والفكر واجملها في نقاط على النحو الآتي:
أولا - أثر وسائل التواصل الاجتماعي على الثقافة:
1- تستطيح الثقافة بحيث يمتلك كل فرد معلومات طفيفة عن الموضوعات والظواهر المهمة وذلك بسبب كثرة عرض المعلومات التي تقلل من تركيزه على مادة معينة.
2- ذوبان الثقافات المحلية وسط بحر الثقافات العالمي، وبالتالي غلبة الثقافة الغربية المستوردة. وتحول الثقافات المحلية إلى مجرد شعارات وقشور.
3- الاغتراب.. وهي الحالة التي يشعر بها الفرد انه غريب وسط العالم.. ثقافته المحلية قديمة وعاجزة عن مسايرة التطور.. والثقافة المستوردة مستعجلة وليس من السهولة تطبيقها في مجتمعه.. وهنا قد تنشأ الحركات المتطرفة التي تريد أن تتمسك بقيمها وتحارب الفكر المستورد لكنها تفشل في النهاية.
4- عجز وسائل التنشئة والتعليم القديمة.. ونكوصها أمام قوة تأثير وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تشكل 85% من ثقافة الطلبة.
5- تراجع مكانة الأب وآلام ومقدرتهم على التربية.. بسبب فقدان السيادة على العائلة (الاولاد) التي اصبحت تربى من قبل وسائل التواصل الاجتماعي.. مع وجود استثناءات قليلة جدا.
ثانيا - أثر وسائل التواصل الاجتماعي على الفكر:
1- ان كثرة الأفكار المطروحة.. تجعل قيمة الأفكار الجديدة معدومة.. بمعنى أن الفرد لا يجد حاجة للتفكير ما دام كل شيء قد تم طرحه.
2- الانطباع أعلاه يعطي فرصة سانحة للدول المصدرة للعولمة... ان تبث أفكارها في عقول متوقفة.. وهي عقول البلدان غير المتقدمة.
3- موت الأيديولوجيا.. فلم يعد بالإمكان أن ينقسم العالم الى شقين: شيوعية ورأسمالية أو حر وغير حر.. لأن الأفكار قد تلاقحت واختلطت وباتت العقول الإنسانية متقاربة اذا ما قلنا موحدة لكنها تختلف من حيث ظروف الحياة.
4- الهوس الفكري والضجيج، قد يدفع العالم للعودة إلى الأديان.. لا حبا بها بل بحثا عن الراحة النفسية التي توفرها.. كونها ثابتة نسبيا وتضع حلول لمشاكل الحياة وليس فيها منة من أحد على اعتبار أنها من السماء.
5- هذه الجلبة الفكرية والتطاحن الفكري العالمي عبر وسائل التواصل الاجتماعي قد يؤدي الى ولادة فكرة عظمى في النهاية... فكرة هي حاصل جمع تلاقي وتلاقح عقول البشر في العالم الافتراضي.
6- لولا أن محمد ص هو آخر الأنبياء... لقلنا أن الانسانية تحتاج إلى نبي الكتروني... فمثلما جاء عيسى ليفحم السحرة.. وجاء محمد ص بالاعجاز اللغوي.. تحتاج البشرية إلى نبي يأتي بالاعجاز الإلكتروني...
من جانبه يقول الخبير الاعلامي الدكتور حسن السوادني "انني متفائل كثيرا بمستقبل الثقافة والفكر في ظل ما اسميته (هيمنة الوسائط الاجتماعية) ومرد هذا التفاؤل هو ما يصطلح عليه في الغرب (Proliferation) او الانتشارية التي تحقق للمنتج الثقافي الوصول الى ملايين المشتركين حتى من غير المتابعين وهو ما يثير الفضول (Curiosity) لدى الكثير منهم".
ويلفت السوادني الى، ان "لابد لنا من التمييز بين عالمين يختلفان في التلقي اولهما راسخ وله تقاليد قديمة في المتابعة (الغرب) والثاني لديه فوضى في التلقي لم ترسخها التقاليد المجتمعية (الشرق)". موضحا، والدليل ان السويد مثلا وبقية الدول الاسكندنافية توزع اجهزة iPad على جميع المراحل الدراسية وتدخلهم دورات في صناعة البرامجيات وتقيم لهم المعارض النصف سنوية لإبراز انتاجاتهم.
ولمتابعتي الخاصة لأولادي على سبيل المثال وجدت ان حصيلة معلوماتهم الثقافية والفكرية لا تتناسب ومراحلهم العمرية!! هناك تقدم ملحوظ جدا في حجم تداول المعلومات لديهم ومتابعاتهم الفنية والثقافية، اضاف بالقول.
ويقول، ان "هذا التحول لديهم جاء وفق تراتبية بين البيت والمدرسة تستند الى اعطاء واجبات علمية وثقافية محددة تتابع من قبل المدرس الكترونيا ويتاح للأبوين متابعتها أيضا".
واستخلص الدكتور حسن السوادني من التجربة كلها قائلا: انها "تخضع للتنظيم وكيفية الاستخدام وهو ما متوفر هنا ومفقود هناك".
بدوره يعتقد الاكاديمي المصري محمود جابر أن مراكز الثقافة والفكر كانت لديها هاجس التواصل والتفاعل مع قطاعات متعددة من الجمهور المتفاعل مع القضايا المطروحة بسبب الانشغال أو بعد المسافة أو ظروف العمل إلى غير ذلك من الأسباب، وأعتقد ايضا أن وسائل التواصل غيرت من وضعية الجمهور والتفاعل وباتت هذه القضية أوسع من الجغرافيا التي يعمل من خلالها قادة الفكر والرأي فقط ما علينا إلا أن ننظر للجانب الإيجابي لتلك الشبكات وتعظيمه والاستفادة منه وتوجيهه إلى الاتجاه الصحيح.
ويرى جابر، ان أي وسيلة إعلامية لها ألف استخدام ولا يتوقف استخدامها على جانب واحد منذ أن عرف الإنسان لغة التواصل ووسائله، وكل جماعة توظف تلك الوسائل حسب أغراضها وأهدافها. مبينا "من ينجح في الاستفادة القصوى لوسائله يحقق هدفه بقدر من السهولة واليسر، فمهما كان من دافع لمن ابتكر هذه الوسيلة أو غيرها ان لا نتوقف في الجوانب السلبية".
ويقول جابر علينا أن "ننظر لها من نصف الكوب الآخر فلم تعد الحكومات المستبدة أو الظالمة تستطيع أن تخفي وتخطف وتعتقل معارضين أو منافسين دون أن يعرف الرأي العام وتقدر على اسكاته". لافتا الى, ان" لم يعد قضية مجتمع ما حكرا على أهل تلك المحلة لكن هذه الوسائل جعلت صاحب القضية قادر على مخاطبة جمهور بعشرات الملايين سيتفاعل معه إن أحسن عرض قضيته أو هدفه أو مظلوميته". متابعا، كل ما علينا أن نتعلمه كيف نحسن استخدام هذه الوسائل في الهدف المرجو كعمل تقني واحترافي.
وتناول الاكاديمي الدكتور جاسم محمد الشيخ زيني دور شبكات التواصل الاجتماعي في اشاعة الافكار السلبية عن انماط وسلوكيات محددة, حيث يقول" بالتأكيد مسائل كثيرة منها الثقافة والفكر تتعرض إلى اختبار حقيقي وعلى المحك في ظل سعي بعض الدول الاسلامية إلى تقديم أنموذج بائس للثقافة والفكر.
ويواصل قوله "أنموذج التكفير السلفي والتطرف والالغاء ومحاولة الجهات القائمة على شبكات التواصل استغلال وإشاعة هكذا أنموذج سلبي".
ويتابع زيني "الدولة الإمبراطورية الأمريكية من جهتها تحاول جعل أنموذج الثقافة الأمريكية، وانموذج الفكر الأمريكي البرغماتي هما الأساس للمجتمع العالمي في إطار بناءه وعلاقاته الداخلية والخارجية... أي الامركة".
الباحث في مركز الفرات للدراسات الاستراتيجية حامد عبد الحسين الجبوري ادرج مستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي ضمن مستويات عدة, يقول" هناك ثلاثة مستويات الأول، وهو الاقل حجم والأكثر فكرا وثقافة وسيبقى محافظاً على وضعه وربما يزداد تألقاً من وسائل التواصل الاجتماعي.
فيما المستوى الثاني، وهو اقل من المستوى الاول ثقافياً ولكنة الاكثر حجماً, يؤكد الجبوري, انه سيبقى متأرجحاً بين المستوى الاول والتزود منه والانخراط مع المستوى الثالث والاندماج معه، لكنه بشكل عام هذا المستوى متجه نحو الأعلى على الرغم من حثيث سيره.
الثالث والاخير يقول الجبوري، هو الأعم الشائع المنغمس مع شبكات التواصل الاجتماعي ويسير مع كل ما يطرح لكنه من دون تأمل وتفحص ويمكن القول عنه انه "يسير مع الهواء" وهو بشكل عام لا يبشر بخير ومتجه نحو الأسفل مع شديد الاسف.
اضف تعليق