تطرّق المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله، إلى الذكرى العظيمة الفوّاحة، ذكرى مولد المبعوث رحمة للعالمين، الصادق الأمين، حبيب إله العالمين، نبيّ الإسلام سيّدنا ومولانا النبيّ الأعظم محمد المصطفى صلى الله عليه وآله، وذلك في كلمة قيّمة ألقاها في درسه الخارج في الفقه، صباح اليوم الأربعاء الرابع عشر من شهر ربيع الأول1438للهجرة (14/12/2016م)، حيث بيّن سماحته بعض الخصائص الفريدة السامية لنبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، وأكّد على ضرورة اقتداء الجميع بها، أي المؤمنين والمسلمين، وحتى غيرهم، وذلك لنيل السعادة في الدارين، والخلاص من المآسي والمشاكل، والضلالة والحيرة، والفساد الأخلاقي والسياسي وحتى الاجتماعي والثقافي.
أعزاءنا! إليكم أهمّ ما جاء في كلمة سماحته دام ظله.
استهلّ سماحة المرجع الشيرازي دام ظله كلمته القيّمة، قائلاً: لقد أنزل الله عزّ وجلّ في كتابه الحكيم بحقّ نبيّ الإسلام، آيات عديدة، منها قوله تعالى خطاباً للنبيّ صلى الله عليه وآله: (ياأيّها النبي إنّا أرسلناك شاهداً ومبشّراً ونذيراً) سورة الأحزاب: الآية45.
وأوضح سماحته: مبشّراً يعني هو ما أعلنه صلى الله عليه وآله في أوائل بعثته، وما كتبه في رسائله وكتبه إلى رؤساء البلدان غير الإسلامية آنذاك، وكرّر ذلك كراراً، وبشّر بكل ما هو حسن، أي بشّر بالسعادة في الدنيا والآخرة. ونذيراً، أي أنذر عن السوء الذي يوجب الشقاء في الدنيا أو الشقاء في الآخرة. وما يمكننا نحن أن نبيّنه للتاريخ كلّه، تاريخ اليوم والمستقبل، وحتى الماضي، هو إنّ الحكومة الحسنة الوحيدة، وليست الأفضل فقط، على وجه المعمورة، التي كانت جيّدة من كافّة النواحي، وانها هدية فريدة للدنيا كلّها، هي حكومة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله التي جسّد فيها صلى الله عليه وآله قوله تعالى (مبشّراً ونذيراً)، وعمل به وطبّقه.
وأضاف سماحته: كما كانت بشارة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله هي أن لا يبقى ظالماً، ولا جائعاً، والكل يستفيدون من نِعم السماوات والأرضين. وكان صلى الله عليه وآله إنذاره للظالمين. وهذا ما أعلنه صلى الله عليه وآله للجميع، ونحن علينا أن نبيّن ذلك للعالمين، أيضاً. فالدنيا اليوم مليئة بالظلم والجور، وإذا تم تطبيق أسلوب وتعامل نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله والعترة الطاهرة من أهل بيته صلوات الله عليهم، في الدنيا، بأي مقدار، فبمقداره يزول الظلم من الدنيا.
وبيّن سماحته: شيئان فريدان في تاريخ نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، وهما:
الأول: الأذى والألم الذي تعرّض له صلى الله عليه وآله من الداخل، أي من داخل حكومته، وحتى من القريبيين إليه أي من داخل بيوت بعض نسائه، وما تعرّض له صلى الله عليه وآله من خارج حكومته، وكان ذلك امتحاناً صعباً من الله تعالى للنبيّ صلى الله عليه وآله، وخرج صلوات الله عليه وآله من هذا الامتحان بقلب دام وصابر، شامخاً رفيعاً ومرفوع الرأس.
الثاني: تعامل النبيّ الأعظم صلى الله عليه وآله مع الصديق أي الصديق المتظاهر بالصداقة، ومع العدو، ومع المسلمين والكافرين والمنافقين وأمثالهم. حيث له صلى الله عليه وآله تاريخاً أخلاقياً وفضيلاً فريداً ولا نظير له. وتجلّى هذا التاريخ بأبهى صورة لما وُصف به صلى الله عليه وآله (بشيراً نذيراً)، ولا نظير لهذا التاريخ.
وأردف سماحته: لقد تعرّض رسول الله صلى الله عليه وآله، كراراً، إلى الاغتيال من قبل الأعداء والمنافقين، ومنها في حادثة العقبة، ولكنه صلى الله عليه وآله، نجا من ذلك بإرادة الله تعالى. وكان ردّة فعله صلى الله عليه وآله قبال ذلك، فريدة. فلقد عفى صلى الله عليه وآله عن المتآمرين عليه، بل وأمر حذيفة الذي عرف المتآمرين والمجرمين، أن لا يكشف عنهم أمام الناس ولا يفضحهم.
وعقّب سماحته، قائلاً: في الدنيا اليوم، إذا تعرّض رئيس حكومة أو حاكم دولة إلى محاولة اغتيال، فكيف سيتعاملون مع منفّذ الاغتيال أو المنفّذين للاغتيال؟
هل يحكمون عليه بغير حكم الإعدام؟
لكن رسول الله صلى الله عليه وآله، لم يحكم المتآمرين عليه بشيء ولم يؤنّبهم، فضلاً عن إعدامهم!
وأوضح سماحته، أيضاً: إنّ سيرة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، هي أسوة وفريدة إلى الأبد، ولكنها غير معروفة، فيجب تعريفها للبشرية. فعلى سبيل المثال: كان تعامل رسول الله صلى الله عليه وآله، رائعاً وفريداً، بحيث جعل من أبي ذر الذي كان معروفاً في التاريخ قبل إسلامه بأنه من قطّاع الطرق، جعل منه ما قاله صلى الله عليه وآله بحقّه، وهو: «مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ أَصْدَقَ لَهْجَةً مِنْ أَبِي ذَرٍّ، وَمَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى مِثْلِ عِيسَى فِي الزُّهْدِ فَلْيَنْظُرْ لأَبِي ذَرٍّ»!
إذاً، على الدنيا اليوم أن تتعلّم مثل ذلك من نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله. فسبب كل مآسي الناس في الدنيا اليوم، هو ابتعادهم عن سيرة نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله.
وفي كلمته القيّمة، وجّه سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، خطابه إلى غير المسلمين، وقال:
وصيّتي إلى الدول غير الإسلامية هي: إن كنتم أدعياء الحريّة فتعالوا وتعلّموا الحرية من نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله. وإن كنتم أدعياء حقوق الإنسان، فتعلّموا ذلك من نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، كي توفّقواً.
ووصيّتي للحكومات غير الإسلامية ولشعوبها، هي: تعلّموا تاريخ وأسلوب نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله من تاريخه هو صلى الله عليه وآله، وليس من الأسلوب غير اللائق من بعض حكّام الدول الإسلامية. وكما نقوم به نحن، حيث لا ننسب التعامل غير اللائق لحكّام الدول غير الإسلامية، لا ننسبها إلى النبيّ موسى أو النبيّ عيسى عليهم السلام. وهذا هو من محاسن تفكيرنا.
كما وجّه سماحة المرجع الشيرازي دام ظله، خطابه إلى المسلمين، وقال:
اعلموا انّ الحروب الداخلية في البلدان الإسلامية، كانت بخلاف ما وُصف به نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، أي بشيراً ونذيراً. وهذا ما يدلّ على ابتعاد الكثير من حكومات البلدان الإسلامية عن السيرة والأسلوب النبويّين. فيجب علينا نحن المسلمون، أن نعيد النظر في تصرّفاتنا، وأن نسعى إلى الاقتراب من نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، أكثر مما مضى.
وشدّد سماحته، قائلاً: مَن هو الأكثر مظلومية من نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله، سواء في زمانه، أو الآن؟! فقد تعرّض صلى الله عليه وآله للظلم حتى من أصحابه، ولكنه ردّ على الظلم كلّه بحسن الخلق، لأنه صلى الله عليه وآله قد بنى أساس حكومته على الأخلاق. بل، في كثير من الموارد، ضحّى النبيّ الأكرم صلى الله عليه وآله، بحقوقه المسلّمة، في سبيل الأخلاق الإسلامية.
لذا، حذار من أن نبتعد نحن عن الأخلاق الإسلامية والنبويّة للوصول لمطاليبنا ولما نريده. وحذار من أن نضحّي بالأخلاق من أجل مطاليبنا.
وأكّد سماحة المرجع الشيرازي دام ظله: مسؤوليتنا نحن جميعاً، هي تعريف نبيّ الإسلام صلى الله عليه وآله للبشرية كلّها، وذلك عبر أيّة وسيلة ممكنة، كالمنشورات، والقنوات الفضائية، وسائر الإمكانات الإعلامية والاجتماعية الأخرى.
كذلك من مسؤوليتنا أن نزيل ونرفع المظلومية عن رسول الله وأهل بيته الطاهرين صلوات الله عليه وعليهم أجمعين.
كما أوصي الحكومات الإسلامية، وبالخصوص الشباب، بتجنّب النزاعات الداخلية وعدم انشغالهم بها، لأنها لا ثمرة فيها أبداً، وأن يتعرّفوا على التعامل النبويّ صلى الله عليه وآله، وأن يأسّسوا مبنى تعاملهم وتصرّفاتهم على مبنى حكومة رسول الله صلى الله عليه وآله وأساسها، وهي الأخلاق الفاضلة.
اضف تعليق