استغرق تكليف رئيس الوزراء عادل عبد المهدي قرابة خمسة أشهر، بعد الانتخابات البرلمانية التي جرت في 12 مايو (أيار) الماضي، ليُنصّب عبد المهدي رئيسًا لوزراء العراق، في الثالث من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، ومع تكليف عبد المهدي، طفت على السطح الخلافات بين الفرقاء السياسيين في اختيار الكابينة الوزارية، الأسطر التالية تقرأ في حيثيات هذه الخلافات وإمكانية تأثيرها على المشهد السياسي العراقي واستمرار الحكومة من عدمه.
الكابينة الوزارية.. أولى مشاكل عبد المهدي
أولى المشاكل التي يواجهها رئيس مجلس الوزراء عادل عبد المهدي هي الكابينة الوزارية واختيار الوزراء، إذ إنه وبعد شد وجذب استمر 21 يومًا، صوت البرلمان على اختيار 14 وزيرًا فقط، من بين 22 قدمهم عبد المهدي إلى مجلس النواب.
خلافات سياسية ورفض بعض الكتل السياسية لبعض المرشحين، أدى إلى شغور ثماني وزارات، بانتظار اتفاق الكتل على تسمية وزرائها، وسط خلافات على وزارات سيادية من بينها وزارتي الدفاع والداخلية، ووفقًا لما تسرب إلى وسائل الإعلام، كان من المقرر أن يتم التصويت على فالح الفياض وزيرًا للداخلية والفريق الطيار فيصل الجربا وزيرا للدفاع، ووفقًا لنواب، فإن الخلافات كانت تحوم حول شخصيتي وزير الدفاع على اعتبار أنه عمل طيارًا خاصًّا لرئيس النظام المقبور، واعتراض كتلة سائرون بزعامة مقتدى الصدر على تولي فالح الفياض حقيبة الداخلية.
الاعتراض على ترشيح الفياض لحقيبة الداخلية جاء لاتهامه بالفشل في إدارة مستشارية الأمن الوطني التي تولى مسؤوليتها للفترة بين عامي 2014 و2018، في الوقت الذي أصدر فيه عبد المهدي قرارًا يقضي بتسلمه حقيبتي الداخلية والدفاع، محيلًا إدارة بقية الوزارات الست وهي وزارات العدل والتخطيط والتربية والتعليم العالي والهجرة، إلى وزراء آخرين في حكومته وكالةً.
خلافات قد تطيح بالحكومة الوليدة
أكثر ما يميز رئيس الوزراء الحالي عادل عبد المهدي عن بقية الرؤساء السابقين، أنه تسلم رئاسة الوزراء على الرغم من عدم دخوله المعترك السياسي الأخير المتمثل بالانتخابات البرلمانية الأخيرة، التي عقدت في مايو (أيار) الماضي، وبتسلمه المنصب، بدأت الخلافات الماراثونية بين الفرقاء السياسيين، لكن هذه المرة داخل البيت الشيعي.
فقد كشف تقرير لموقع "العربي الجديد"عن أن الخلافات الكبيرة في اختيار الشخصيات التي ستتولى الحقائب الوزارية الشاغرة، ربما تحول دون قدرة عبد المهدي على إكمال حكومته، في ظل صراع شيعي شيعي بين تحالفي الفتح بزعامة هادي العامري وكتلة سائرون بزعامة مقتدى الصدر، خاصة فيما يخص وزارة الداخلية، وإصرار عبد المهدي على تقديم الحقائب الوزارية المتبقية مجتمعة دون اجتزائها.
رفض كتلة سائرون لمرشح الفتح فالح الفياض في تسنم حقيبة الداخلية، جاء على لسان النائب عن كتلة سائرون قصي الياسري، الذي أوضح أن رفض سائرون للفياض جاء التزاما بمقولة "المجرب لا يجرب" التي أطلقتها المرجعية الدينية، موضحا أن "سائرون" تعمل من أجل تسليم الوزارات الشاغرة إلى شخصيات مستقلة من ذوي الاختصاص، في الوقت الذي أشار فيه إلى ضغوط تمارسها كتل سياسية لكسب هذه الوزارات لصالحها، إضافة إلى التدخل الخارجي، بحسبه.
هذه خلافات قد تؤدي إلى استقالة عبد المهدي وزهده في رئاسة الحكومة إذ سبق له أن استقال من مناصب مهمة في السنوات السابقة، ففي عام 2011 استقال عبد المهدي من منصب نائب رئيس الجمهورية، تكررت هذه الاستقالة مرة أخرى عام 2016، حين استقال من منصبه وزيرًا للنفط في حكومة حيدر العبادي السابقة، ثم جاءت الاستقالة الأخيرة من حزبه "المجلس الأعلى الإسلامي" الذي كان يتزعمه عمار الحكيم قبل أن يخرج الأخير كذلك من المجلس ويؤسس كتلة سياسية جديدة هي "تيار الحكمة الوطني".
ويرى بعض السياسيين أن حكومة عبد المهدي قلقة وغير مستقرة، إذ يصف السياسي والمفكر العراقي "حسن العلوي" حكومة عبد المهدي بالوزارة القلقة، ويعزو العلوي ذلك إلى تلويح عبد المهدي مرارًا بأن الاستقالة في جيبه، وطالما أنه يلوح بالاستقالة، فإن ذلك لن يجعل الحكومة مستقرة، بحسب العلوي الذي أضاف أن استقالته ستؤدي إلى أزمة وزارية قوية، في ظل انشقاق مذهبي واجتماعي كبير، أكثر ما يحتاجه العراق معها حكومة قوية ومستقرة.
عبد المهدي ومواجهته الضغوط الخارجية والداخلية
ضغوط كبيرة يتعرض لها عبد المهدي في مضمار إكمال تشكيلة حكومته، إذ يقول الكاتب عبدو حليمة: "من الظلم القول إن العراق بات يتمتع باستقلال سياسي وبرلماني يشفع لرئيس وزرائه المكلّف عادل عبد المهدي بتشكيل حكومة عتيدة فيها الكثير من التوافق"، ويضيف الكاتب أنه وفي ظل الحياة السياسية في العراق التي لها من الأبعاد الداخلية والخارجية ما لها، فإن ذلك يجعل من تشكيل الحكومة العراقية معضلة، ويخلص الكاتب إلى أن عبد المهدي يرزح تحت ضغوط كبيرة تجعل من ولادة الحكومة في غاية الصعوبة، نتيجة الخلافات الحادة بين الكتل السياسية على الحصص الوزارية والشخصيات التي ستتولاها.
وفي الأثناء، أكد مسؤول في الأمانة العامة لمجلس الوزراء في حديثه لموقع "العربي الجديد" أن طهران تشعر بارتياح كبير لتشكيلة حكومة عبد المهدي، إذ إنها تعبد الطريق أمام طهران لأربع سنوات مقبلة، خالية من الصدامات معها ومع حلفائها، بعد أن تسنم 14 وزيرًا حقائبهم، وهم من الكتل الشيعية والسنية والكردية الموالية لطهران.
وأشار المسؤول إلى أنه ونتيجة لذلك، فإن الدعم الأمريكي لحكومة عبد المهدي سيكون مرهونًا بما قد يتخذه من قرارات في الأشهر الثلاثة الأولى من عمر حكومته، والتزام العراق بالعقوبات الأمريكية عليها، بعد انقضاء المهلة التي منحتها واشنطن لبغداد، إضافة إلى الملف السوري، واستجابة عبد المهدي من عدمه للضغوط التي تمارس عليه لإخراج الجيش الأمريكي وقوات التحالف الدولي من العراق، بحسبه.
ويرى المحلل السياسي العراقي رياض الزبيدي في حديثه لـ"ساسة بوست" أن عبد المهدي سيواجه مشاكل عديدة وأزمات وضغوطات، خاصة ما يتعلق بالعلاقة مع طهران والعقوبات الأمريكية التي دخلت حزمتها الثانية حيز التنفيذ في الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) الجاري، وما يتبع ذلك من ضغوط إيرانية على بغداد، لتكون مفتاح الالتفاف على العقوبات الأمريكية، في الوقت الذي تتابع فيه واشنطن عن كثب جميع الأنشطة الاقتصادية بين البلدين، مع اقتراب انتهاء المهلة التي منحتها واشنطن لبغداد للالتزام بما نصت عليه الحزمة الثانية من العقوبات، بحسبه.
ويعتقد الزبيدي أن عبد المهدي قد يواجه أزمات لا يحسد عليها، خاصة أن العراق الآن، بات يلعب على خيط رفيع في موازنة العلاقات الإقليمية والدولية بين معسكرين عنيدين، الأمر الذي قد يدفع عبد المهدي إلى الاستقالة، والتي قد تكون نهاية العملية السياسية العراقية بمجملها، بحسب الزبيدي.
اضف تعليق