قالت مجلة فورن بوليسي الاميركية ان المحاصصة تكبل رئيس الوزراء عادل عبد المهدي وانه ومع انتهاء المئة يوم الاولى من إدارته بدأ برنامج عمل عبد المهدي الإصلاحي يسير متعثرا.
وتشير المجلة الى انه كان قادرا على اختيار حفنة صغيرة فقط من الوزراء بحرية في حين بقيت أربعة مناصب وزارية شاغرة وسط مساومات بين احزاب سياسية تصر على مرشحيها.
اما ميزانيته فقد أثارت انتقادا واسعا لفشلها في تخصيص مبالغ كافية لتطوير الخدمات ودعم التنمية الصناعية والزراعية وإعادة إعمار المناطق المنكوبة جراء الحرب بدلا من تخصيص أغلب موارد الميزانية لرواتب وقطاعي الامن والدفاع.
وترى المجلة ان عبد المهدي فشل بإحراز أي تقدم في إكمال وزارته بدأ يعمل على تآكل ثقة الناس به تدريجيا. كثير من العراقيين في الشارع يصفونه بالضعيف ويشعرون بأنه غير قادر على الوقوف بوجه مصالح أحزاب سياسية متنفذة.
وعندما أدلى اليمين الدستورية كرئيس وزراء جديد للعراق في أواخر تشرين الاول عام 2018 تعهد عادل عبد المهدي بمحاربة الفساد وحل أزمة الكهرباء والماء وخلق فرص عمل في القطاع الخاص وكبح نظام المحسوبية السياسية المحصن الذي عمل منذ زمن على عرقلة قدرة البلد على خدمة شعبه.
برنامج عمل عبد المهدي كان طموحا بقدر ما كان ضروريا. كان يسعى به الى تهدئة غضب شعبي عارم عقب أعنف احتجاجات ضد الحكومة شهدتها البلاد منذ سنين أججته أزمة حادة بانعدام مياه صالحة للشرب في محافظة البصرة وانقطاعات متكررة بالتيار الكهربائي خلال فصل صيف حارق ناجمة عن سنوات من الإهمال وسوء إدارة وفساد في مؤسسات الدولة.
وكان رئيس الوزراء قد تعهد باختيار كابينته الخاصة من الوزراء بنفسه بدلاً من مرشحين تختارهم كتل سياسية يهدف من ورائها إلى استرجاع ثقة العراقيين بعملية سياسية جوبهت بالرفض لكونها ترسخ للفساد وليست ديمقراطية.
كان عبد المهدي مرشح تسوية لمنصب رئاسة الوزراء وافقت عليه أكبر كتلتين شيعيتين في البرلمان، كتلة الإصلاح بقيادة رجل الدين مقتدى الصدر، وكتلة البناء بقيادة هادي العامري التي تضم اجنحة سياسية لفصائل الحشد الشعبي بينها عدة مجاميع مسلحة مقربة من إيران. بغياب تفويض شعبي فإن بقاء عبد المهدي يعتمد على دوام دعم هاتين الكتلتين له، وهذا يعتبر بنظر بعض المراقبين مصدر ضعف . هشام الهاشمي، محلل سياسي وأمني يقول "لقد فشل في عمله كرئيس وزراء وذلك لأن القوى السياسية التي جلبته لهذا المنصب هي من تسيطر عليه. إنهم هم الذين منحوه الشرعية ويهددون بسحبها منه".
على الرغم من أن الكتلتين منحتا رئيس الوزراء حرية تعيين أعضاء كابينته فإن عبد المهدي تمكن فقط من انتقاء خمسة وزراء تكنوقراط لا غير من مجموع 22 حقيبة وزارية متوافرة. المناصب الوزارية الاخرى تم اختيار مرشحيها من أحزاب سياسية وفقاً لنظام المحاصصة وعدد مقاعدها في البرلمان. هذه الممارسة غير محكومة بقانون بل باتت اسلوبا تهيمن عليه احزاب للوصول الى المال العام لمنافعها الشخصية ومنافع اتباعها. منذ توليه المنصب ورئيس الوزراء يتلقى انتقادات لعدم نجاحه في تغيير هذا النظام في تشكيل الحكومة.
رائد فهمي، عضو برلمان من كتلة سائرون التي يتراسها الصدر والتي فازت بـ 54 مقعدا في البرلمان يقول "لدينا رئيس وزراء وافق عليه الجميع. لقد حظي بدعم لم يحصل عليه اي رئيس وزراء سابق، عليه ان لا يضيع الفرصة في تحقيق خياراته".
كتلة سائرون هي من بين الاحزاب التي تدعم عبد المهدي والتي دعت الى اختيار مرشحين تكنوقراط وتشكيل حكومة من مستقلين. ومنحت رئيس الوزراء حرية نسبية في تعيين وزراء في المجالات التي تسيطر عليها وفقا لنظام المحاصصة بضمنها وزارات الخارجية والنفط والصحة والكهرباء والموارد المائية. الوزارات هي وزارات حيوية في معالجة أسباب اندلاع احتجاجات شعبية في جنوب العراق.
محمد البلداوي، عضو برلمان جديد عن كتلة صادقون الجناح السياسي لحركة عصائب أهل الحق التي كان لها دور في الحرب ضد داعش ضمن فصائل الحشد الشعبي، يقول ان السياسيين الممثلين للحشد في البرلمان يجب أن تكون لهم بعض الامتيازات في التعيينات الوزارية.
وأضاف البلداوي بقوله "عندما يحتاج العراق لتضحيات بالدم يتم استدعاؤهم ولكن بعد ذلك عندما تكون هناك انتخابات لن تكون لهم حصة في تشكيل الحكومة هذا ليس عدلاً".
كما هو الحال مع بقية الاحزاب فإن كتلة صادقون أعطت رئيس الوزراء خياراً بأربعة مرشحين لكل منصب وزاري، وبحسب اعتقاد البلداوي فان هذا يعتبر مستوى حرية أكثر من كافٍ يعطى لعبد المهدي، مؤكدا بقوله "لقد اعطيناه خيارات كثيرة."
من ناحية أخرى فإن كتلة الصدر ممتعضة جدا من افتقار رئيس الوزراء الى القدرة على الرفض، الأمر الذي أعطى بروز فعال لكابينة تبدو بانها تميل لكفة كتلة البناء المنافسة. وقال محمد راضي، وهو أستاذ علوم سياسية وعضو بارز في تيار الحكمة ثالث أكبر أعضاء كتلة الإصلاح: "الانطباع الذي لدينا هو انه أكثر ميلا لكتلة البناء. ليس لدينا وزراء في الحكومة وهذا يعني بأننا قد يكون لا خيار لنا سوى الذهاب للمعارضة".
الستة أشهر الاولى من برنامجه ركز على تحسين إدارة البلد من خلال إكمال دراسات ورسم خارطة طريق.
وقال راضي "ليس هذا بشيء يفهمه الناس بشكل عام أو يهتمون به"، مشيرا الى أن عبد المهدي استغرق مهلة ثلاثة أشهر ليزور البصرة التي قد تندلع فيها الاضطرابات مرة اخرى إذا لم يتم تحسين أداء الخدمات فيها وتجهيزهم بالكهرباء أثناء مرحلة الصيف القادمة. وحذر من انه رغم ذلك "فانه ليس هناك تركيز كافٍ على البصرة. واذا انفجرت الاوضاع في البصرة فان العراق بأجمعه سينفجر".
تخصيص موارد للخدمات العامة يعتبر مهمة لا يحسد عليها في بلد تنفق فيه الحكومة نصف ميزانيتها على مرتبات أكثر من 3 ملايين موظف. وزارة الثقافة على سبيل المثال، ووفقاً لمسؤول كبير فيها كشف لفورن بولسي ان عدد موظفيها يبلغ 15 الف موظف تقريبا في حين انه يقول ان الوزارة يكفيها 600 موظف فقط.
كريم النوري، عضو في منظمة بدر خاض انتخابات أيار ضمن كتلة الفتح، يقول "الاحزاب السياسية تنظر للحكومة على انها كنز ثمين وليس حكومة خدمات. انهم يمولون انفسهم من خلال الوزارات".
نظام المحاصصة والمحسوبية المعمول به قد يعيق عبد المهدي ليس في إكمال حكومته فقط بل ايضا من تمرير قوانين إصلاحية مهمة.
بالتالي أي عملية إصلاحية ستتطلب دعم الكتلتين المتنافستين الكبيرتين في البرلمان التي غالبا ما تتعارض آراء بعضهما البعض.
ويقول عضو البرلمان فهمي إن "العراق لا يحتمل وجود كتلتين كبيرتين تعارض إحداها الاخرى. هناك دائما خشية من أن النزاعات السياسية قد تنحرف لتتحول الى نزاع مسلح".انتهى/س
اضف تعليق