يترقب العراقيون باهتمام التطورات السياسية التي ستحملها الأيام والأسابيع المقبلة بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، بعد إسدال الستار عن الانتخابات البرلمانية المبكرة.
ويسود التوتر المشهد السياسي بعدما رفضت قوى سياسية نتائج أولية أعلنتها مفوضية الانتخابات، بعد يوم من إغلاق صناديق الاقتراع بالانتخابات، التي جرت في 10 أكتوبر/تشرين الأول الجاري.
وحملت الانتخابات مفاجآت كبيرة بتراجع قوى رئيسية تسيّدت المشهد السياسي خلال السنوات الماضية، وعلى رأسها تحالف "الفتح".
وحصل التحالف على 14 مقعدا فقط، بعد أن حل ثانيا برصيد 48 مقعدا في انتخابات عام 2018.
وكذلك يعتبر تحالف "قوى الدولة" من أبرز الخاسرين بحصوله على 5 مقاعد فقط، وهو ائتلاف بين زعيم "تيار الحكمة" عمار الحكيم، ورئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي (2014-2018).
وكان ائتلاف "النصر" الذي قاده العبادي في انتخابات عام 2018 قد حل ثالثا بفوزه بـ42 مقعدا، بينما حصل تيار الحكيم على 19 مقعدا.
كما أفرزت النتائج الأولية صعود قوى ناشئة لأول مرة بينها "حركة امتداد" التي شكلها ناشطون في الاحتجاجات الشعبية، إضافة إلى صعود ما لا يقل عن 20 مستقلا.
ورغم المفاجآت، فإن القوى التقليدية تصدرت المشهد مرة أخرى، إذ عززت الانتخابات الأخيرة موقع "التيار الصدري" بزعامة مقتدى الصدر، بحلوله في المرتبة الأولى مثلما كان عليه الحال في انتخابات 2018، ورفع رصيده من المقاعد إلى 73 من 54 مقعدا.
وهذه المقاعد لا تخول الصدر تشكيل الحكومة المقبلة، وسيكون مضطرا لتقاسم السلطة مع كتل وقوى أخرى من السنة والأكراد لضمان تمرير الحكومة في البرلمان بالأغلبية البسيطة (50+1) أي 165 من أصل 329 مقعدا بالبرلمان.
كما أن سيناريو آخر لا يزال ممكنا عبر تحالف بقية القوى الشيعية لتشكيل تحالف يفوق مقاعد التيار الصدري في البرلمان المقبل والإطاحة بحظوظ الأخير في رئاسة الوزراء.
ورأى الباحث في الشأن السياسي العراقي، أنور الحيدري، أن سيناريو تشكيل الحكومة المقبلة لن يختلف عن سيناريو تشكيل الحكومات السابقة من حيث الاستمرار في نهج "المحاصصة الحزبية".
وأشار في حديث صحافي، إلى "إمكانية وجود اختلاف في حجم التنازلات التي يقدمها الطرف الذي يرشح رئيس الوزراء للأطراف الأخرى كي يحظى بالأغلبية البرلمانية المطلوبة".
ووفق تصريحات سابقة للصدر قبل الانتخابات، فإنه يعتزم ترشيح شخصية من تياره لشغل رئاسة الحكومة المقبلة.
وتتداول وسائل الإعلام المحلية أسماء من بينها سفير العراق في بريطانيا جعفر الصدر، ونائب رئيس البرلمان المنحل حسن الكعبي، والقيادي في التيار الصدري نصار الربيعي، كما يأتي رئيس الوزراء الحالي مصطفى الكاظمي كخيار أخير للصدر.
وقال الحيدري، إن "فرص الكاظمي مازالت موجودة، خاصة وأنه يحظى بتأييد الولايات المتحدة، فضلا عن استعداده لتقديم التنازلات اللازمة للقوى التي يمكن أن تدعم ترشيحه".
وتابع: "أما القوى الرافضة لإعادة تكليفه فهي غير قادرة على فرض المرشح البديل نتيجة تعقيدات المشهد الداخلي والخارجي".
وبموجب العرف السياسي (غير دستوري) المتبع في العراق منذ إسقاط النظام السابق عام 2003، تتولى الأغلبية الشيعية رئاسة الوزراء، وهو المنصب التنفيذي الأقوى في البلد، ويشغل الأكراد رئاسة الجمهورية، والسنة رئاسة البرلمان.
وعادة، يجري التوافق بين الكتل الفائزة بالانتخابات لتوزيع الوزارات والمناصب الرفيعة الأخرى فيما بينها، بموجب النظام المسمى "بالمحاصصة".
وأوصل هذا النظام أشخاصا غير مؤهلين إلى مناصب رفيعة، كما أن هؤلاء عملوا لصالح أحزابهم على حساب المصالح العامة، وهو ما أدى لتفشي الفساد على نطاق واسع وتسبب بتردي الخدمات العامة الأساسية، من قبيل الكهرباء والمياه والخدمات الصحية والتعليمية.
ويحتج السكان منذ سنوات طويلة على هذا الواقع، حيث شهدت البلاد احتجاجات غير مسبوقة عام 2019، واستمرت قرابة سنة وأطاحت بالحكومة السابقة.
وتتطلع الحركة الاحتجاجية لإجراء إصلاحات سياسية جذرية في البلاد من شأنها إنهاء "المحاصصة" وإسناد المناصب إلى أشخاص نزيهين يتمتعون بالكفاءة، حيث يبدو هذا الهدف بعيد المنال مع تصدر القوى التقليدية للمشهد السياسي مرة أخرى.
وقال رئيس مركز "الخبراء الاستراتيجيين" (مقره بغداد)، صباح زنكنة، إن "الصراع يتركز الآن بين القوى السياسية للظفر بمنصب رئاسة الوزراء بغض النظر عن الأطراف الفائزة بالانتخابات".
وأضاف زنكنة، أن "المعطيات الحالية تشير إلى عدم إمكانية الإبقاء على الكاظمي في المنصب، لأن ترشيحه كان لتمرير مرحلة محددة ما بعد الاحتجاجات الشعبية، كما أن التيار الصدري مصرّ على أن يكون رئيس الوزراء صدريا".
ورأى أن "الكتل الكردية ومقاعدها النيابية ستكون هي الورقة التي سيلعب عليها الجميع بشأن تشكيل الحكومة الجديدة، خصوصا وأن الأكراد دائما ما يبحثون عن مصلحة إقليم كردستان (شمال) بالدرجة الأساس".
ووفق النتائج الأولية التي نشرتها الوكالة الرسمية، فإن "الكتلة الصدرية" تصدرت النتائج بـ73 مقعدا، فيما حصلت كتلة "تقدم"، بزعامة رئيس البرلمان المنحل محمد الحلبوسي (سُني)، على 38 مقعدا.
وحلت في المرتبة الثالثة كتلة "دولة القانون"، بزعامة رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي (2006-2014)، بـ37 مقعدا.
وجاءت الانتخابات قبل عام من موعدها المقرر بعد احتجاجات واسعة شهدها العراق، بدءا من مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2019 ، واستمرت لأكثر من سنة، وأطاحت بحكومة عادل عبد المهدي، أواخر العام ذاته.
وقال المحلل السياسي حيدر البرزنجي، إن "هناك تفاهمات واضحة بين بعض الكتل السياسية حول تحالفات مستقبلية بشأن تشكيلة حكومة جديدة، لكن خارطتها غير واضحة لغاية الآن".
وأوضح أن "جميع الكتل السياسية الآن في انتظار انتهاء عمليات العد والفرز وإعلان النتائج النهائية، من أجل رسم التحالفات الجديدة".
ولفت أن "التحالفات السياسية قد لا تختلف عن التحالفات السابقة بشأن تشكيل الحكومة المقبلة".
المصدر: الاناضول
اضف تعليق