يعتبر الاتجار بالنساء أحد أشكال الرق في العصر الحديث، ويعد انتهاكا صارخا لحقوق الانسان وحرياته الأساسية وهي ظاهرة عالمية لا تقتصر على دولة معينة إنما تمتد لتشمل العديد من الدول وتختلف صورها وانماطها من دولة إلى أخرى طبقا لنظرة الدولة لمفهوم الاتجار بالنساء ومدى احترامها لحقوق الإنسان، ومن صورها الدعارة والاستغلال الجنسي وبيع الأعضاء البشرية واستغلالهن كالخدم في المنازل فضلا عن الزواج القسري والسياحة الجنسية.
ويقول القاضي رائد حسن، إن "خطورة هذه الجريمة تكمن في كونها أحد أنشطة عصابات الجريمة المنظمة وهو نشاط يدر ملايين الدولارات على حساب كرامة الانسان وايذاء جسده ونفسه ويصل في بعض الاحيان إلى الموت الحقيقي، ونظرا لخطورته فقد أولته الكثير من المنظمات الدولية والاقليمية والوطنية والمنظمات الوطنية غير الحكومية والجمعيات الاهلية اهتماما بالغا".
ويضيف أن "هذه الجريمة تعد المصدر الثالث للتربح غير المشروع أو التربح من الجريمة وذلك بعد تجارة المخدرات وتجارة السلاح حيث يرتبط الإتجار بالنساء بعدة أسواق هي دول العرض ودول الطلب ودول المعبر والتي تعد حلقات مترابطة ببعضها"، لافتا إلى أن "دول العرض دورها قائم على تصدير الضحايا وقد تكون دولا فقيرة وتعاني من أزمات اقتصادية أو اجتماعية أو سياسية، أما دول الطلب فهي تعد دولا مستوردة لهؤلاء الضحايا وغالبا ما تكون دولا غنية وذات مستوى اقتصادي عال، أما دول المعبر فهي تعتبر الوسيط بين الدول المصدرة والدول المستوردة حيث تعد المكان أو مركز تجمع لهؤلاء الضحايا تمهيدا لنقلهم إلى الدول المستوردة".
نساء يبعن أنفسهن
ويشير إلى أن "هناك دوافع عدة لقيام النساء ببيع أنفسهن ومنها الفقر والرغبة في الحصول على مستوى معيشي أفضل في مكان آخر، فغالبية ضحايا الإتجار بالنساء ممن يعانين أوضاعا اقتصادية متدنية ويفتقرن إلى الموارد المالية ولا يملكن دخلا ثابتا، كما يعمل المتاجرون بالنساء على استغلال الضعف المالي الذي تعانيه بعض المجتمعات وافرادها ويتم اغواؤهم بفرص عمل جيدة بزعم ان لها مردودا ماليا عاليا فتسافر الضحية بمحض ارادتها انطلاقا من قناعتها أن ذلك هو فرصة للعمل ولحياة افضل، فضلا عن الهجرة والظروف التي يعيشها المهاجرون بشكل عام تجعل منهم أكثر عرضة للوقوع كضحايا للجريمة ".
ويلفت القاضي حسن إلى أن "جريمة الاتجار بالنساء كما تتم على نطاق دولي، قد تتم أيضا في نطاق الساحة الداخلية لأية دولة، ويعني ذلك أنه في المجال الدولي يتعلق الاتجار في النساء بانتقال الضحايا من موطنهم الاصلي إلى دولة أخرى أو إلى عدة دول أيا كانت الوسيلة المستخدمة، وذلك لاستغلالهم بصورة غير مشروعة، كما يرتبط ذلك الأمر بالعصابات المنظمة التي قد توجد في أكثر من دولة فهناك مافيا الاتجار في دول العرض أي الدول المصدرة للضحايا، وهناك مافيا الاتجار في دول الطلب أي الدول المستوردة للضحايا وبين هذين النوعين من الدول قد توجد أيضا مافيا الاتجار في دول العبور أو الترانزيت كحلقة اتصال بين الدول المصدرة والمستوردة، وقد يكون هناك متعاونون لـمافيا الاتجار بدولة المقصد أو وسطاء تابعين لهم يقومون باستقبال ضحايا الاتجار من الدول القادمين منها (الدول المصدرة) لغرض تسهيل انتقال وإيواء الضحايا واستغلالهن مقابل الحصول على أرباح طائلة".
قصص على ارض الواقع
وعن هذه الجريمة في العراق يتحدث القاضي رائد حسن عن "تعدد صورها وأنماطها وتطورها في اتجاه تصاعدي فيمكن انتقال الضحية من محافظة إلى محافظة أخرى بهدف الابتعاد والتخفي عن أعين الأجهزة الرقابية والظهور بمظهر الإنسان السوي بغية استغلالها في ممارسة انشطة غير مشروعة في تلك المحافظة أو لغرض ممارسة الجنس بعيدا عن أنظار زوجها وذويها".
ويسرد تفاصيل احدى الحوادث قائلا "وردتنا شكوى من قبل أحد الاشخاص يدعى (أ) الذي بين أثناء تدوين أقواله بان زوجته (ب) خرجت من الدار ولم يتم العثور عليها، وخلال متابعة الموضوع تبين أن أحد الأشخاص المدعو (س) سلم الزوجة (ب) إلى المدعوة امرأة تقوم بممارسة السمسرة على البنات، ومن خلال المتابعة وتعقب المتهمين في الدعوى القي القبض على الزوجة والمتهمة التي تقوم بدور السمسرة إضافة إلى الشخص الثالث الوسيط في هذه الجريمة والتي اعترفوا فيها بجريمة ممارسة الدعارة لقاء مبالغ مالية".
ويروي قصة أخرى "فيها قامت الام ببيع ابنتها بعمر (ثمانية أشهر) وبعد تتبع هذه القضية من قبل القاضي المختص والجهات الامنية تم القبض على المتهمة (الام) بعد كمين نصب لها على اثر قيامها ببيع ابنتها بمبلغ (اربعة ملايين دينار) اذ بررت الام بيع ابنتها نتيجة حالتها المعيشية".
وتابع أن "هذه التجارة تشكل خطورة على مستقبل الأجيال القادمة"، مستعينا بالارقام الرسمية الصادرة عن منظمة العمل الدولية والتي وصلت فيها اعداد الضحايا النساء الذين يتم استغلالهن لأغراض الجنس بنسبة 98% من مجموع ضحايا الاتجار بالبشر، فضلا عما يتم الاتجار بهن في داخل بلدانهن لأغراض الدعارة أو العمل القسري وهذه التجارة بطبيعتها تهدر كرامة الانسان وتستغل أوضاع الفقر العالمي وقد أصبحت نوعا من الاسترقاق المعاصر لضحايا اجبروا أو أوقع بهم أو اكرهوا على العمل ".
صور مستحدثة
وأشار القاضي إلى أن "هناك مجموعة من الصور المستحدثة للاتجار بالنساء منها (تجارة الاعضاء البشرية) كبيع (الكلى والكبد والقرنية)، و(انشاء أو إدارة مواقع الكترونية بقصد الترويج للاتجار بالنساء) اذ سهلت هذه الشبكة الالكترونية عمليات تجنيد النساء واستغلالهن جنسيا سواء في الدعارة أو عمل افلام فيديو أو باستخدام التقنية الرقمية وقد استطاعت هذه التقنية أن تسهل على راغبي مشاهدة الافلام الجنسية الاختيار بين أكثر من فيلم كما يحدث في الشبكات المتصلة بالاقمار الصناعية، ولاشك أن غرف الدردشة في شبكة الانترنت تستغل في إغراء النساء على العمل في مجال الاتجار بهن عن طريق الاستغلال الجنسي، وفي هذه الغرفة يمكن تداول الصور والفيديوهات والاحاديث مما يسهل ايضا رواج هذه التجارة، مبينا أن صورة ثالثة تسمى (التعاقد على صفقة تتعلق بالاتجار بالنساء) حيث يرى خبراء وباحثون مهتمون بهذه القضية أن الاتجار بالنساء عبر الانترنت هو تجارة الكترونية، فعن طريقها يمكن إبرام الصفقات بين عصابات الإجرام المنظم وبين الضحايا في بلدانهن وبين الذين يخدعون الضحايا في بلادهن دون الانتقال إلى بلد آخر لتوفير الوقت والتنقل فتبرم الصفقة دون أن يكون هناك لقاء مباشر قد تم بين الطرفين".
فيما بين أن "هناك من يستغل وظيفته للاتجار بالنساء مثل موظفة الشؤون الاجتماعية المشرفة على ملاجئ القاصرات أو العاملين في المؤسسات الاجتماعية والتربوية، إذ يستغل الموظف أو المكلف وظيفته في إجبار أو خداع النساء أو استغلال ضعفهن وحاجتهن للعمل أو الحاجة المادية وبأي وسيلة كانت تسهل قصد الاتجار بهن"، موضحا أن " قانون الاتجار بالبشر رقم 28 لسنة 2012 هو الذي يطبق على جرائم الاتجار بالنساء، اما العقوبات فأنه كما منصوص عليها في المواد 5 و6 و7 و 8 و9 وبحسب نوع الجريمة وجسامتها".
اضف تعليق