يشدد المقاتلون العراقيون الشيعة الخناق حول مدينة الفلوجة التي يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) غربي بغداد كأول مرحلة في هجوم مضاد في محافظة الأنبار ذات الأغلبية السنية وهي عملية يرجح أن تحدد وجهة الصراع في الأشهر المقبلة.
وسيطرت الدولة الإسلامية (داعش) على الرمادي عاصمة الأنبار قبل نحو شهرين لتوسع سيطرتها على وادي نهر الفرات غربي بغداد وتسبب انتكاسة كبرى لرئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي والجيش المدعوم من الولايات المتحدة والذي كان يتولى الدفاع عنها.
وبينما تعهدت الحكومة في البداية باستعادة الرمادي سريعا يبدو أنها حولت وجهتها الآن صوب الفلوجة الأقرب إلى بغداد إلى الجنوب في خطوة توفر حماية أكبر لخطوط الإمداد اللازمة لشن هجوم مضاد.
وقال العقيد علي الياسري وهو قائد فوج مدرع يقاتل بالقرب من الفلوجة إن خطط الهجوم السريع لاسترداد الرمادي قد تأجلت في يونيو حزيران الماضي بعدما خلص القادة إلى أن الفلوجة ستظل "خنجرا موجها إلى خاصرة الجيش في الرمادي" ما لم يتم التعامل معها أولا.
وقال الياسري "وجه إلينا القادة الأوامر بعد أسبوع من فقدان الرمادي بإعادة التنظيم وذلك للقيام بهجوم مقابل لاستعادة الرمادي."
لكنه أضاف "هذا المقترح فشل في الحصول على تأييد جميع القادة العسكريين."
ومع سعي الحكومة لاسترداد أراض تحول العبادي إلى قوات الحشد الشعبي المكونة بالأساس من مقاتلين شيعة حققوا نجاحا أكبر من الجيش على الأرض.
ففي أبريل نيسان الماضي استعادت قوات الحشد الشعبي مدينة تكريت مسقط رأس الرئيس السابق صدام حسين على نهر دجلة إلى الشمال من بغداد. لكن حتى سقوط الرمادي في مايو أيار كانت الحكومة مترددة في نشر المقاتلين الشيعة غربي بغداد في وادي الفرات حيث تناصب القبائل السنية الغرباء العداء منذ عشرات السنين.
ويبدو أن الجيش يستفيد من القدرات الإضافية التي توفرها مجموعات الحشد الشعبي التي تضم عناصر تدعمها إيران. ورحب الياسري بمشاركة قوات الحشد الشعبي قائلا إن الجيش كافح دون نجاح لمدة 18 شهرا لاحتواء المقاتلين السنة في الأنبار.
وبوسع العبادي والجيش الاعتماد أيضا على الدعم الجوي من التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة والذي زاد التنسيق معه منذ أن انتقل ضباط أمريكيون إلى قاعدة عسكرية تبعد 15 كيلومترا عن الفلوجة وبدأوا يشرفون على تدريب مجندين من العشائر السنية هناك.
* الجماعات المسلحة في الطليعة..
ويقول رموز من المقاتلين الشيعة إنهم هم من سيتقدم الصفوف على الأرض وليس الجيش.
وقال معين الكاظمي وهو مساعد كبير لهادي العامري الأمين العام لمنظمة بدر المدعومة من إيران والتي تعد أقوى المجموعات الشيعية المسلحة في العراق "قوات الحشد تطبق على إرهابيي داعش في الفلوجة وذلك بعد السيطرة على معظم خطوط الإمداد حول المدينة."
وحقق المقاتلون الشيعة وقوات الجيش تقدما شمالي الفلوجة هذا الأسبوع رغم أنهم واجهوا مقاومة عنيفة من مقاتلي الدولة الإسلامية (داعش) الذين نشروا سيارات ملغومة لوقف التقدم. وتقول السلطات إنها تسيطر بالفعل على الأطراف الشرقية والجنوبية والغربية للفلوجة.
وذكرت مصادر من العشائر والمسلحين في الأنبار أن الدولة الإسلامية (داعش) شنت هجوما في ساعة مبكرة من صباح يوم الجمعة في قرى بين الفلوجة والرمادي اللتين تبعدان عن بعضهما نحو 40 كيلومترا على نهر الفرات. لكن خصوم التنظيم يصرون على أن حملة استعادة الأنبار تسير في الطريق الصحيح.
وقال الكاظمي "الآن نحن على بعد خمسة كيلومتر من مركز مدينة الفلوجة وخطة تحرير المدينة تسير على أكمل وجه."
وأكد الكاظمي استراتيجية استرداد الفلوجة قبل الرمادي. وقال "نحن لا نستطيع التوجه إلى الرمادي ونترك الفلوجة لأن الجهة الخلفية ستكون مكشوفة هذا هو السبب وراء إعطاء الأولوية للفلوجة."
وشهدت الفلوجة أشرس المعارك خلال الاحتلال الأمريكي بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق في العام 2003 للإطاحة بصدام حسين وكانت أيضا معقلا للمعارضة السنية للحكومة التي يقودها الشيعة في بغداد.
* تغير الخطط..
ودعمت واشنطن -التي انتقدت الجيش العراقي بعد سقوط الرمادي- قراره بعدم التعجل في استعادتها.
وقال الجنرال مارتن ديمبسي رئيس هيئة الأركان الأمريكية المشتركة هذا الأسبوع "حملة الرمادي التي كان مقررا قبل نحو شهر تنفيذها باندفاع .. هي في الواقع وبمساعدة منا حملة مدروسة بدقة."
ومع تغيير الخطط بعد سقوط الرمادي تبادلت الأطراف الاتهامات وأحال العبادي رئيس أركان الجيش إلى التقاعد ولمح إلى أن انسحاب الجيش في منتصف مايو أيار كان مخالفا للتعليمات بشكل مباشر.
وقال رئيس الوزراء "لو تم تنفيذ الأوامر لما سقطت الرمادي."
أما ديمبسي فقال في معرض ترحيبه بإحالة رئيس الأركان الفريق بابكر زيباري للتقاعد إنه كانت هناك "أمور مضطربة في تسلسل قيادة" الجيش العراقي.
وقال الياسري إن عمليات الجيش في الأنبار كانت تعاني اضطرابا منذ البداية.
وأضاف "القوات انتشرت في الأنبار لمحاربة التمرد منذ نهاية ٢٠١٣ وما كان من المفترض أن يكون عملية سريعة للقضاء على مجاميع إرهابية متفرقة تحول إلى حرب استنزاف."
وتابع قوله "مع نقص المعدات العسكرية والجنود وفقدان القوة الجوية الفعالة بدأت قواتنا بفقدان زمام المبادرة."
وكان سقوط الرمادي أسوأ هزيمة للجيش منذ أن اجتاح مقاتلو الدولة الإسلامية (داعش) شمال العراق في الصيف الماضي وتسبب في مزيد من التأجيل لخطط شن هجوم على معقل التنظيم في الموصل بالشمال.
وبينما أجبر الجيش على اتخاذ وضع دفاعي فقد تقدم قادة المجموعات المسلحة الشيعية بمقاتليهم إلى داخل محافظة الأنبار.
وقال الشيخ لوارنس الحردان أحد شيوخ العشائر السنية في الأنبار إن العشائر حثت الجيش على إخراج الدولة الإسلامية (داعش) من الفلوجة قبل فترة طويلة من سقوط الرمادي لأن "العقول المخططة لداعش تستخدم الفلوجة كنقطة انطلاق لمعظم الهجمات في الأنبار."
وأضاف "لحد الآن لا أستطيع معرفة السبب وراء فشل القوات الأمنية في استرجاع شبر واحد من الفلوجة."
لكن اللواء السابق جاسم البهادلي قال إن الجيش لم يتدرب بما يكفي على حرب العصابات حتى يتمكن من مواجهة الدولة الإسلامية.
ويبقى مقاتلو الحشد الشعبي -الذين عززوا مهاراتهم بدعم ... وخبرات اكتسبها بعضهم من القتال في سوريا- وحدهم هم من يملك القدرة على هزيمة التنظيم المتشدد.
وقال البهادلي "الحشد الشعبي يتطور ليتحول إلى قوة من النخبة لا يستطيع الجيش الفوز بحرب بدونها
اضف تعليق