سلط تقرير صحفي للجزيرة نت، الضوء على اعمال سرقة اموال المحال التجارية باستخدام التنويم المغناطيسي.
وتصاعد الحديث عن استخدام "التنويم المغناطيسي" من قبل عصابات السرقة في مختلف المحافظات العراقية، بهدف سلب أموال أصحاب المحلات التجارية وشركات الصرافة والصيدليات، وسط تضارب رسمي في توصيف هذه الحالة، ودعوات لوضع حلول تمنع تلك العصابات من تنفيذ مخططاتها التي تثير القلق بين عامة الناس.
ومنذ سنوات قليلة بدأت تظهر على السطح قصص "غريبة" عن تلك السرقات، عبر مقاطع مرئية يبثها مواطنون يدّعون تعرضهم للسرقة باستخدام "التنويم المغناطيسي"، لكن الشكوك كانت تحيط بحقيقة الأمر، قبل أن تنتشر تلك المقاطع بشكل متكرر، وصولا إلى بيانات رسمية صدرت من وزارة الداخلية.
والتنويم الإيحائي أو المغناطيسي حالة ذهنية هادئة ومسترخية، يستقبل فيها اللاوعي الإيحاءات ويستجيب لها على نحو أوسع، وفي هذه الحالة يكون العقل الباطن مستجيبا بشكل كبير للاقتراحات والإيحاءات.
في آخر تلك الحوادث، أعلنت وزارة الداخلية مؤخرا القبض على 3 متهمين بسرقة شركة صرافة في العاصمة بغداد، وقالت -في بيان- إن "المتهمين أوهموا الضحايا وسرقوا أموالهم، حيث دخل 3 أشخاص إلى مكتب صرافة واستخدموا التنويم المغناطيسي على صاحبه، وتمكنوا من سرقة مبلغ مالي قدره 3 آلاف دولار".
"خذها من دون مقابل"
ويتحدث عمر البياتي (تاجر إطارات في العاصمة بغداد) عن تعرضه للسرقة باستخدام هذه الحيلة، قائلا إن "شخصا لا أعرفه يستقل دراجة نارية دخل إلى محلي بمنطقة الكرادة، وسألني عن سعر إحدى البطاريات، وبعد إجابتي له قال إنني لا أملك المال لشرائها، فقلت له خذها من دون مقابل".
ويضيف البياتي -في حديثه للجزيرة نت- "بعد ذلك تقدم الشخص باتجاهي وقبّل رأسي، وكان في يده خاتم، فوضعه على رأسي كذلك، وبعد ثوان معدودة طلب مني محفظة نقودي فأعطيتها له، وأخذ الأموال منها، وكان داخلها نحو 4 آلاف دولار، وبعضها بالدينار العراقي، فلم يبق فيها شيء سوى مبلغ قليل نحو 10 آلاف دينار (7 دولارات تقريبا)، وقبل أن يغادر المحل ناداني باسمي وذهب في طريقه من دون أن أفهم ماذا جرى لي".
وفي محافظة الديوانية، بدا "وليد المنصوري" في حيرة من أمره بعد أن فقد مليونا و100 ألف دينار (أكثر من 700 دولار) من أموال ورشته الصغيرة الخاصة بتغيير زيوت السيارات.
ويروي المنصوري ما حصل له قائلا "جاءني 3 أشخاص يستقلون سيارة "بيك أب"، ترجل منها شخص ولمس يدي، عندها بدأت أفقد شعوري شيئا فشيئا، وخلال ذلك، سألني: هل ترى الرجل الآخر الجالس في السيارة؟ إن زوجته غاضبة منه، ونحن هنا من أجل الجلوس مع الوجهاء في محاولة للصلح، وأرغب في عمل مقلب معه باقتراض مبلغ مالي منك ونعطيه له مقابل ترك زوجته، وظلّ يتعهد لي بأنه سيُرجع تلك الأموال".
ويضيف المنصوري "رفضت الفكرة في بادئ الأمر، كوني لا أعرفهم، لكن بعد ذلك ومن دون وعي سلّمته مليونا و100 ألف دينار التي كنت خصصتها لشراء احتياجات الورشة، ثم ركب الرجل سيارته وذهبوا جميعا مسرعين، وبعد دقائق بدأت استعيد شعوري الاعتيادي، فأدركت ما حصل".
رؤية مغايرة
وخلال الفترة الماضية، ومع انتشار أخبار تلك الحالات واللغط الدائر بشأنها، أبدى عراقيون عبر الشبكات الاجتماعية قلقهم من تلك الحوادث، وإذا كانت بالفعل تتم عبر "التنويم المغناطيسي"، خاصة أن الجهات الرسمية بدت غير ممسكة بخيوط الحقيقة، ولا تمتلك التوصيف الدقيق لتلك الحالات.
ورغم إعلان وزارة الداخلية العراقية القبض على 3 أشخاص يستخدمون "التنويم المغناطيسي" في السرقة، فإن المتحدث الرسمي للوزارة اللواء خالد المحنا تحفظ على هذا الإعلان، وقدم توصيفه لتلك الحالات.
وقال المحنا في حديث صحفي، إن "التنويم المغناطيسي لا يمكن استخدامه في جرائم السرقة، فهو مفهوم نفسي، ولا يمكن لأحد أن يسرق الآخر بتلك الحركات".
ويفسر المسؤول العراقي طبيعة تلك الحوادث بأن "ما حصل ليس تنويما مغناطيسيا، بل قضية احتيال عبر استخدام وسائل متنوعة، ومنها الاتفاق مع عامل المحل على هذه الرواية للحصول على جزء من المال المسروق غالبا من التاجر أو صاحب المحل، أو عبر استخدام مواد مخدرة، فضلا عن استخدام أسلوب خفة اليد".
وعن المقاطع المرئية المنتشرة على صفحات التواصل الاجتماعي وتتحدث عن ذلك، يؤكد المحنا أن "التحقيقات توصلت إلى أنها غير حقيقية، وأن القضية احتيالية وفُتح تحقيق في الموضوع، وألقينا القبض على بعض الأشخاص، واعترفوا بأن الجرائم تمت بتعاون مع الأشخاص الذين يزعمون أنهم منوّمون، فكان بينهم اتفاق مسبق في بعض الحالات".
لا علاقة له بالسرقة
وأكدت المعالجة النفسية الدكتورة نغم العنزي أن "التنويم المغناطيسي علاج نفسي يُستخدم من متخصصين عبر تنويم العقل الظاهر، وإبقاء العقل الباطن لإظهار ما فيه، وفق ضوابط وشروط".
وأضافت العنزي في حديثها للجزيرة نت أنه "ليس بإمكان أي شخص أن ينوّم الآخر ويؤثّر عليه من دون قبوله، فلا بد أن يكون بموافقة وعلم الطرفين، كما يجب أن تتوفر ظروف معينة وأماكن خاصة ذات إضاءة خافتة وهادئة بعيدا عن الضجيج، وغيرها من الشروط حتى يحصل التنويم المغناطيسي، كما أن المنوّم مغناطيسيا يتحرك وفق العقل الباطن فلا يتذكر ما طُلب منه وما فعله بعد الاستيقاظ".
وعن تلك الحوادث، والجدل الدائر بشأنها، ترى العنزي أن "ما يحصل ليست له علاقة نهائيا بالتنويم المغناطيسي، لأن أصحابها يتذكرون تفاصيل الحادثة، وهذا يدل على أنهم كانوا في وعيهم، ويعلمون ما دار حولهم وبمحض إرادتهم، فضلا عن فقدان الشروط المطلوبة لهذا النوع من العلاج".
جانب إيجابي
ورغم الجدل الدائر باستخدام التنويم المغناطيسي من قبل عصابات الجريمة المنظمة في السطو، فإن لهذا النوع من العلاج جانبا إيجابيا، إذ لعب لآلاف السنين دورا كبيرا في مجال الشفاء والمداواة. وحسب منظمة الصحة العالمية فإن 90% من عامة الناس قابلين للتنويم الإيحائي.
اضف تعليق