تتزايد المخاوف في العراق من أزمة مالية قد تلوح في الأفق خلال العام المقبل، نتيجة انخفاض أسعار النفط العالمية، وهو ما يكشف عن مدى اعتماد البلاد على الإيرادات النفطية، وعدم تمكنها حتى الآن من تنويع مصادر دخلها الاقتصادي.

وحذّر مظهر صالح، المستشار المالي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، من أن "العراق، الذي عانى من أزمات متعددة على مدى العقود الأربعة الماضية، قد يواجه أزمة في موازنة 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط".

وفي حديثه لوكالة "رويترز"، أوضح صالح أن "العراق لا يتوقع مشكلات كبيرة في عام 2024، لكن هناك حاجة إلى انضباط مالي أكثر صرامة في عام 2025".

ويعتمد العراق، وهو ثاني أكبر منتج في منظمة أوبك بعد السعودية، بشكل رئيسي على النفط كمصدر للعوائد.

ويشكل قطاع النفط والوقود الأحفوري أكثر من 90% من إيرادات الدولة، مما يجعله عرضة بشكل خاص لتقلبات أسعار الخام في الأسواق العالمية.

وفي ضوء تقرير أوبك الأخير الذي خفّض توقعات الطلب العالمي على النفط لهذا العام من 2.11 مليون برميل يوميًا إلى 2.03 مليون برميل يوميًا، وتعرضت أسعار الخام لمزيد من الخسائر، حيث انخفض خام برنت إلى أقل من 71 دولارًا للبرميل، وهو مستوى قريب من أدنى مستوياته منذ مارس 2023.

ورغم هذا التراجع في الأسعار، قامت الحكومة العراقية بزيادة موازنتها لعام 2024 إلى حوالي 211 تريليون دينار عراقي (161 مليار دولار)، مقارنةً بـ199 تريليون دينار (153 مليار دولار) في عام 2023، مع عجز متوقع يبلغ 64 تريليون دينار (48.85 مليار دولار).

وقد تم بناء الموازنة الجديدة على أساس تقدير سعر النفط عند 70 دولارًا للبرميل، وهو أقل من المتوسط المتوقع لهذا العام بنحو ستة دولارات.

في هذا السياق، تنتج العراق بموجب اتفاق تحالف "أوبك+" حوالي 4 ملايين برميل يوميًا، وقد رفعت الإنتاج إلى 4.25 مليون برميل يوميًا خلال يوليو الماضي.

ومع ذلك، أكد مظهر صالح أن "صرف الرواتب ومعاشات التقاعد سيظل أولوية مطلقة بالنسبة للحكومة، مشددًا على أن "الرواتب مقدسة في العراق" وستظل تُصرف حتى في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة".

وتشكل الرواتب ومعاشات التقاعد حوالي 90 تريليون دينار (69 مليار دولار) من الموازنة، وهو ما يعادل أكثر من 40% من إجمالي الإنفاق العام.

ورغم الضغوط المتزايدة، تعتبر هذه الرواتب عاملًا رئيسيًا للحفاظ على الاستقرار الاجتماعي في البلاد.

وأشار صندوق النقد الدولي مرارًا إلى الحاجة الملحة لإجراء إصلاحات هيكلية في الاقتصاد العراقي، بما في ذلك تحسين الإدارة المالية وتنويع مصادر الدخل.

ووفقًا للصندوق، يُتوقع أن ينمو الاقتصاد العراقي بنسبة 1.4% في العام الحالي بعد انكماش بنسبة 2.2% في 2023، ومن المتوقع أن يقفز معدل النمو إلى 5.3% في عام 2025.

ومع ذلك، يتوقع أن يحتل العراق مرتبة متأخرة في نمو اقتصاده لعام 2024، حيث يأتي في المركز 12 عربيًا و121 عالميًا بين 189 دولة.

ويرتبط هذا التراجع بالسياسات النقدية والاعتماد على صادرات النفط. وتشير التقديرات إلى أن الناتج المحلي الإجمالي للعراق سيبلغ حوالي 297 مليار دولار في عام 2024، مع نصيب للفرد من الدخل يقدر بحوالي 5880 دولارًا.

وعلى الرغم من المحاولات لتحسين الوضع المالي من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية، مثل تحسين تحصيل الضرائب، أكد مظهر صالح أن "الحكومة لا تدرس فرض ضرائب جديدة في الوقت الراهن".

ويُقدر أن العراق يخسر ما يصل إلى 10 مليارات دولار سنويًا بسبب التهرب الضريبي والمشاكل المتعلقة بالجمارك، وهو ما يحرم البلاد من مصادر تمويل كانت ستُخصص لتطوير البنية التحتية وتحسين الخدمات العامة مثل التعليم والرعاية الصحية.

وفي هذا الإطار، تكافح الحكومة لمعالجة التشوهات في النظام الضريبي، الذي يُعد من بين الأسوأ في المنطقة العربية.

وتسعى الحكومة إلى جعل النظام الضريبي أكثر عدالة وجاذبية للاستثمارات، خاصة بعد إعلان رئيس اللجنة العليا للإصلاح الضريبي، عبدالحسين العنبكي، عن خطة من ثلاثة محاور تشمل اتخاذ إجراءات تسهيلية لتحسين الإدارة الضريبية وإعفاء شرائح كبيرة من غرامات سابقة لاستعادة ثقة دافعي الضرائب.

وتعكس المخاوف بشأن موازنة 2025 التحديات التي تواجه سوق النفط العالمية، حيث تستمر الأسعار في الانخفاض منذ منتصف عام 2022.

ويرجع هذا الانخفاض بشكل كبير إلى تراجع الطلب العالمي، وخاصة من الصين، أكبر مستورد للنفط في العالم، نتيجة تباطؤ نموها الاقتصادي. وقد خفضت أوبك توقعاتها لنمو الطلب الصيني في عام 2024 إلى 650 ألف برميل يوميًا بعد أن كانت تقديراتها السابقة تشير إلى 700 ألف برميل يوميًا.

ورغم هذه المؤشرات المتشائمة، تمكن العراق من الحفاظ على تصنيفه الائتماني المستقر، بحسب تقرير وكالة "ستاندرد آند بورز"، التي صنفت العراق عند درجة "بي/بي-" مع نظرة مستقبلية مستقرة، مما يعكس الثقة في قدرة البلاد على تجاوز هذه التحديات الاقتصادية إذا تمكنت من تنفيذ الإصلاحات المالية والهيكلية المطلوبة.


المصدر " رويترز

م.ال

اضف تعليق