اثنى المدير العام لشبكة رووداو الإعلامية، آكو محمد، اليوم السبت، على مواقف المرجعية الدينية على مر التاريخ في الوقوف إلى جانب الشعب الكردي والعلاقات المشتركة.

 جاء ذلك في كلمته خلال مؤتمر حوار أربيل – النجف، الذي يقيمه مركز رووداو للدراسات بالتعاون مع ملتقى النبأ، في محافظة النجف الأشرف، بمشاركة ‏شخصيات دينية وسياسية وأكاديميين وصحفيين وممثلين عن مراكز الأبحاث. وفيما يلي نص كلمة المدير العام لشبكة رووداو الإعلامية، آكو محمد:

 من دواعي سروري أن يتمكن مركز دراسات رووداو من إعادة تنظيم هذا الحوار، اليوم (21-12-2024) للمرة الثانية. وأتوجّه بجزيل الشكر إلى جميع منظمي هذا الحوار والمشاركين فيه، كذلك أشكر كلاً من مؤسسة النبأ، مركز رواق بغداد ومركز نارامسين، على المساعدة التي قدموها لتنظيم هذا الحوار في النجف الأشرف.

 يسرّنا أن نكون اليوم في عاصمة الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه). هذا مكان للمظلومين لأن يعّبروا عن رأيهم، ولأن هذا الاجتماع ليس مؤتمراً رسمياً، بل مؤتمرٌ ولقاءٌ لنخبة حرة يمكنها، بالنيابة عن نفسها، لا بالنيابة عن مؤسساتها وأحزابها، أن تعبّر بكل حرية عن رأيهم في العلاقات الكوردية الشيعية، لذلك أرى أن هذا اللقاء مهمّ جدّاً.

 الشيعة أنفسهم يَعتبرون أنهم مظلومون، وقد استشهد الإمام الحسين (رضي الله عنه) مظلوماً، وتتضمن رسالةُ الإمام الحسين ومعتقَدُه نُصرةَ المضطَهَدين والمظلومين. الكورد أكبر أمة في العالم، لا تزال مضطَهَدةً ومحرومةً من حقوقها، على أرضها التاريخية التي تسكنها منذ آلاف السنين. كيف يجب أن يكون موقف الشيعة، وأتباع الإمام الحسين، وموقف أهل البيت، وموقف مرجعية النجف من الكورد؟ هل الموقف الحالي للشيعة تجاه الكورد هو موقفٌ حقٌّ؟ هل تستطيع المرجعيات الشيعية ومرجعية النجف أن تفعل ما فعلتْ، أم أن عقيدتهم تجعل من واجبهم، إلى الحدّ المطلوب والمشروع، دعم الكورد وكوردستان كأمةٍ وبلدٍ مضطَهَدَينِ؟ إن رحمة الإمام الشهيد وعدالته أكبر بكثير مما يراه الكورد الآن من الشيعة و المرجعيات . لا شكّ في أن التابع الحقيقي هو الذي لا يقلل من وفاء إمامه وعدالته ورحمته تجاه الناس والمظلومين وذوي الحقوق.

 فأولئك الأتباع الذين لا يتّسمون بالرحمة ولا يرغبون في إظهار تعاطف إمامهم وعدالته، لا يُظهِرون أحقيّةً في مذهبهم ومعتقدهم. ومن هنا فإن على مرجعية النجف أن تُظهر تعاطف إمام المظلومين الإمام الحسين الشهيد وعدالته تجاه الكورد.

 إن القضاء على الظلم والقهر والغبن، هو واجب أولئك الذين يعملون على إنهاء الظلم والقهر، وهذا هو مذهب أهل البيت والإمام الحسين. لذلك، على الشيعة، قبل غيرهم، أن يدعموا الأمة الكوردية وكوردستان.

 هنا، سأركز على نقطة واضحة جداً، وهي كركوك. فمنذ عام 1961 تشكل كركوك جوهر المشكلة الكوردية في العراق. فإن لم تُحَلّ مشكلة كركوك، فذلك يعني أن المشكلة الكوردية في العراق لم تُحلَّ.

 يعود تاريخ تعريب كركوك إلى العهد الملكي في العراق، لكن نظام البعث وصدام حسين جعل تعريبها ممنهجاً وأكثر توسعاً، وقد جرى جلب عدد كبير من العرب إلى كركوك، في أوقات مختلفة، عن طريق دفع مبالغ مالية كبيرة وتخصيص أراضٍ وإعطاء امتيازات كثيرة لهم. وكان قسم من أولئك العرب من الشيعة. وبسبب هذا التعريب، لا يزال الآلاف من المزارعين والقرويين وسكان المدن من الكورد محرومين من أراضيهم التي جرى الاستيلاء عليها، وهو ظلم لا يقبله أي شخص متعاطف مع المظلومين.

 في اتفاقية 11 آذار / مارس من عام 1970 إلى عام 1974، لعب صدام حسين بقضية كركوك، ولم ينفذ ما ورد في الاتفاقية بخصوص حل مشكلة كركوك، بل أشعل الحرب من جديد، مما تسبب في دمار شديد حينها، ونتيجة ذلك دخل في الحرب مع إيران لمدة ثماني سنوات. 

 وبعد نظام البعث في عام 2003، أدرج حل قضية كركوك في المادة 58 من الدستور العراقي المؤقت، لكنها لم تُنفَّذ. وفي الدستور الدائم، أدرج في المادة 140، وكان يجب أن تُنفَّذ حتى عام 2007، لكنها لم تنفَّذ، ولا يزال اللعب بها مستمراً. فمنذ عام 2003 وحتى الآن، الشيعة هم أوّل أصحاب السلطة والقرار في العراق، وهذا الأمر ليس في مصلحة العلاقات بين الكورد والشيعة، وليس في مصلحة مستقبل السلام والاستقرار في العراق. يجب أن يَدعم المظلومون بعضُهم بعضاً، في كل الأوقات.

 بصفتي مشاركاً في هذا الحوار، بالنيابة عن نفسي، أتوجه بكلامي إلى حضرة مرجعية النجف: أنتم أهل العلم والخبرة والعدل، وأكثر من أي مصادر أخرى، هناك معلومات عن كوردستان في كتب ومعاجم الكتّاب في العصور الإسلامية، فأنتم تعرفون أن كركوك كوردستانية. 

 إن الحق الذي يُعبَث به في السياسة وعند الأطراف السياسية، ويجري إضماره، يبقى عندكم حقّاً، لذلك فإنه إحقاق للحق، إذا قررتم وحافظتم على مبدأ العدالة، أن تعيدوا الحقوق إلى أصحابها، وهنا إعادةُ كركوك إلى إقليم كوردستان، إنصافٌ للحق والعدل. حينها ستكون كركوك، مثل أربيل، حقّاً مدينة للتعايش السلمي بين الكورد والعرب والتركمان والمسيحيين. فالوضع القائم حالياً في كركوك هَشٌّ، لكنْ حينها سيكون الوضع مستقراً وقوياً. ونحن في مدينة إغاثة المظلومين، نتقدم إلى حضرتكم بهذا الطلب.

 كانت علاقة قائد ثورة كوردستان، الملا مصطفى البارزاني، مع المرجعية الشيعية قوية جداً، ومن الضروري جدّاً أن تبقى تلك العلاقة قوية، على أساس الحفاظ على حق الأمة الكوردية المظلومة. وقد دخل اسما المرجعين الكبيرين، السيد محسن الحكيم والسيد محمد باقر الصدر، تاريخَ كوردستان بتقدير شديد، لمواقفهما بخصوص تحريم الهجوم على كوردستان وتحريم محاربة الكورد. وكانت مواقف المرجع الأعلى السيد علي السيستاني مهمة جداً في الحفاظ على السلام ومحاربة داعش، لكن عيون الأمة الكوردية تتطلع إلى رفع الظلم عن كركوك، وتُسعد قلوب الكورد المظلومين في كركوك، بإعادة حقوق الفلاحين وحقوق الشعب الكوردي في تلك المحافظة والاعتراف بهويتها الكوردستانية وفق مبدأ إنصاف المظلومين.

 أنا على يقين بأن النخبة الكوردية والشيعية المشاركة في هذا الحوار، لديها نقاط ومواضيع مهمة أخرى لمناقشتها، وآمل أن يكون حواراً صريحاً مفتوحاً وناجحاً.

المصدر: وكالة النبأ الإخبارية


اضف تعليق