في مشهد يعكس التوتر المزمن بين طهران وواشنطن، تدخل الجولة الثانية من المحادثات النووية الإيرانية الأمريكية في روما، يوم السبت، وسط خليط من الإشارات المتناقضة، والتهديدات العسكرية، والتحركات الدبلوماسية المحمومة.

الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي لا يفوّت فرصة لتذكير إيران بخياراتها بين "الاتفاق أو الحرب"، أرسل إشارات مزدوجة، من جهة تحدث عن إعطاء فرصة للدبلوماسية، ومن جهة أخرى لم ينفِ إمكانية توجيه ضربة عسكرية، سواء من واشنطن أو عبر حلفائها، في إشارة واضحة إلى إسرائيل.

صحيفة نيويورك تايمز كشفت أن ترامب "تراجع" عن خطة إسرائيلية لقصف المنشآت النووية الإيرانية، لكن ترامب بدوره قال: "لن أقول تراجعت... لست في عجلة من أمري"، مضيفًا أن أمام إيران فرصة لبناء دولة عظيمة، قبل أن يُحذر بأن الخيار الآخر سيكون "سيئاً جداً".

هذه التصريحات تزامنت مع تحركات دبلوماسية موازية: من زيارة وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان إلى طهران، حاملاً رسالة من الملك سلمان، إلى جولة وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي في موسكو، ورسالة خطية إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين.

فيما يرأس عباس عراقجي الجانب الإيراني وستيف ويتكوف الجانب الأمريكي، يبقى جو التفاوض غامضًا، وترامب يصرّح من جهة بأن إيران يجب أن "توقف برنامج التخصيب والتسلح النووي بالكامل"، بينما يشير ويتكوف نفسه إلى إمكانية السماح بتخصيب محدود لليورانيوم — ما اعتبره عراقجي "تناقضاً واضحاً".

الجانب الإيراني يتمسك بمبدأ التخصيب ويعتبره غير قابل للتفاوض، لكنه أبدى استعداداً لبناء الثقة في آليات التحقق، بشرط ألا يكون "الخضوع" هو المطلوب، كما قال عراقجي.

ومنذ عودة ترامب إلى البيت الأبيض، لم تُخفِ طهران شكوكها إزاء نواياه، خاصة بعد انسحابه من الاتفاق النووي في 2018، واغتيال قاسم سليماني في 2020، وما تلا ذلك من تصعيد ضمن حملة "الضغط القصوى"، حتى المرشد الأعلى، السيد علي خامنئي، الذي وافق على المحادثات، شدد على أنه "لا متفائل ولا متشائم"، لكنه أعاد التذكير بأن إيران سترد في حال تعرض برنامجها النووي لهجوم.

العملة الإيرانية شهدت تحسنًا ملحوظًا عقب الجولة الأولى في عمان، ما يعكس الأثر الفوري لأي انفراجة دبلوماسية. لكن في المقابل، تدرك طهران أن الاستياء الشعبي من الوضع الاقتصادي يمكن أن يكون أشد من وقع القنابل، ما يجعل التوصل إلى اتفاق إنقاذاً مزدوجاً: للبرنامج النووي وللاستقرار الداخلي.

وتصرّ إيران على أن المحادثات غير مباشرة، وتتم بوساطة عمانية عبر مذكرات مكتوبة، بينما تسوّق واشنطن أن الحوار بات مباشراً، الحقيقة على الأرجح في الوسط — محادثات محدودة، على هامش اللقاءات، بين كبار المفاوضين، دون إعلان رسمي بذلك.

محادثات روما لن تكون حاسمة على الأرجح، لكنها ستحدد ملامح الطريق. فبينما تسعى واشنطن إلى اتفاق "نهائي وكامل"، تتمسك طهران بـ"حدود سيادية" لا ترغب في تجاوزها. وفي الخلفية، يلوح طيف القصف، والاحتجاجات، والانتخابات المقبلة — وكلها عوامل تضغط على الطرفين... والسبت سيكون محطة اختبار، لا نقطة نهاية.

م.ال

اضف تعليق