وعلى وقع قعقعة السيوف في الضمائر المبحرة على جرف دموع الرثاء، تُليت الأحداث منذ أول كلمة حكيمة قالها الإمام الحسين سلام الله عليه إلى أن انتصر الدم على السيف، نعم .. إنها واقعة الطف.
هناك في المقام الشريف، حوله، في مصلاه، وداخل صحنه المقدس، ما تزال في أذهان المسلمين كلمات العقيلة (ع) تتردد في وجدان التاريخ، ناقلة الصورة عن الصبر كيف يغدو مثالاً يحتذى به، وموضحة المشهد عندما تتجرأ المصائب مجتمعة عند بنت بنت رسول الله سلامٌ عليهم أجمعين، فتغدو مدرسة يتعلم منها القاصي والداني أصول الصبر والعقيدة، والتسليم لأمر الله.
في تلك البقعة الجغرافية من الأرض، ترقد قدسية طاهرة، ويجتمع فيها الآلاف، زاحفين من كل صوب لمواساة السيدة زينب (ع) بمصابها بأخيها الإمام الحسين في يوم العاشر من محرم الحرام.
كل من اجتمع في تلك المنطقة قرب العاصمة دمشق، جاء ليؤكد الولاء لآل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ويجدد العهد على التمسك بمآثر الإمام أبي عبد الله الحسين (ع) وبأخلاقه والسير على خطاه والتمثل بمناقبه، علّها تكون النهج القويم لحياة قوامها كرامةً بَذَلَ سيد الشهداء (ع) دمه وأهله، ليحفظها لهم بدينهم من بعده.
ومثل كل عام تبدأ مراسم الإحياء في منطقة السيدة زينب (ع)، منذ اليوم الأول من محرم حتى العاشر يتذكرون مصيبةً ألمّت بآل بيت رسول الله، دفاعا عن الدين وحفاظاً على نهج أخلاق حامل رسالة الدين (ص) فلا يسعهم – كبارا كانوا أو فتية- مع تلاوة المصرع إلا السفر بدموعهم السخية الهاطلة من عيون أدمعتها مشاعر صادقة، أما الحناجر الملبية فلا يحركها إلا فكرة تسكن جباهاً لا تسجد إلا خشوعاً في صلواتها.
الأهالي المقيمون في المنطقة، والمتطوعون من مناطق متنوعة أخرى، ينشطون منذ الفجر، ليقدموا ما هو على حُب آل البيت (ع) من مأكل ومشرب للوافدين لتعزية العقيلة في مقامها بيوم مصابها، كما تنتشر المجالس الحسينية في كل ناحية، تصدح منها أصوات أناشيد الرثاء بعد انتهاء تلاوة المصرع، فتنطلق بعدها مسيرات حاشدة تموج فيها أصوات المحتشدين بالآلاف، حيث تغصُّ بهم الشوارع الرئيسية والفرعية كما تغص العبرة في الحناجر بعد بما حركته بهم قصة واقعة الطف التي لا يستطيعون نسيانها.
ما يؤديه المسلمون في يوم العاشر من محرم الحرام، ليس تقليداً سنوياً، ولا مظاهر عابرة، إنما هو يوم صادق لتجديد العهد وتأكيد الولاء من كل عام، فهي واقعة ترافق التاريخ حتى نهاية هذه الدنيا.
هناك في المقام الشريف يسيج الشهداء مرقدها في كربلاء العصر الجديد، لتبقى آمنة بعد ما بذله الحسين والعباس في حياتها، ليتابع رجال الله المخلصين لرسولهم ودينهم، نهج الدفاع عنها في خلودها.
.................
*المصدر: موقع المنار
اضف تعليق