على مدى السنوات القليلة الماضية صدم تنظيم داعش الإرهابي العالم بمشاهده المخيفة، خاصة ما يؤذي شعورنا الأخلاقي، وهو الاستخدام العلني للأطفال كمقاتلين في الصفوف الأمامية ومفجّرين انتحاريين وأدوات دعائية.
من خلال ألعاب الاختباء والبحث (الغميضة)، حيث يصطاد الأطفال ويقتلون سجناء الأعداء في متاهات مبنية خصيصًا للإعدام الجماعي وقطع رءوس الجنود الكبار، لُقّن النشء التابعون لداعش وشُجّعوا على المشاركة في العنف.
خلال ذلك أقام تنظيم داعش نظامًا تعليميًّا يهدف بوضوح لتعليم وتسليح الأطفال التابعين له. تدرّس الرياضيات بتحديد كم أن عدد مقاتلي داعش أكثر من أي قوة معارضة. وتدرّس الكيمياء بمناقشة طرق استنشاق الغاز. وركزت التربية البدنية على أوضاع الجسم الصحيحة لإطلاق الأسلحة المختلفة.
يُضاعف تعليمهم بالعنف الانتقامي والمفرط أحيانًا تجاه مجموعة واسعة من القوات المأمورة بتدمير داعش. وبهذا، يتعرض الأطفال للعنف المروع بشكل أساسي يومي ما يولد صدمة، وبلا شك، مظالم حقيقية طويلة الأمد.
كيف يختلف استخدام داعش للجنود الأطفال؟
ثمة فرقٌ جوهري بين استخدام داعش للجنود الأطفال وبين استخدامهم في أماكن أخرى. لم تستخدم داعش الجنود الأطفال فقط، بل عسكرت بانتظام أنظمة التعليم في الأراضي العراقية والسورية المحتلة، لتحويل أطفال المنطقة إلى قنابل موقوتة مؤدلجة.
دُرّب هؤلاء الأطفال -المتشرّبون لأسلوب داعش من التعليم الديني العنيف والمتصلب من سن الخامسة تقريبًا- على استخدام الأسلحة الصغيرة قبل سنوات المراهقة. ويبدو أن جهود داعش لبناء دولة أُحبطت في الوقت الحالي. لكن إنقاذ الأطفال المعرضين والمحتمل تلقينهم أيديولوجيًّا هو أمر أساسي لتجنب المزيد من الهجمات الإرهابية في الغرب، ومعالجة الأسباب الجذرية للاضطرابات الإقليمية، والعمل نحو مستقبل يلعب فيه الأطفال بدلًا من القتال، ويتعلمون في المدارس بدلًا من التدريب العسكري.
ما يدرسه الأطفال؟
تتضمن كتبهم المدرسية النشاط العسكري، والأفضلية القائمة على تفسيرهم للإسلام، والحاجة لهزيمة الكفار. تظهر مقاطع الفيديو المختلفة -المنتجة من التحقيقات الصحفية وداعش نفسها- الجانب الأكثر عملية للتعليم تحت حكم التنظيم. يتعلم الأطفال كيفية إطلاق النار بالأسلحة الصغيرة واستخدام القنابل اليدوية.
رغم أنه غالبًا ما تُرغم داعش الأطفال على الانضمام لصفوفها، فإن العديد منهم انضموا طواعية -بمباركة عائلاتهم أو بدونها- لكن، على المدى البعيد، لا يهم إذا ما كان الطفل يُجند أم لا، وهذه هي المسألة الأكثر أهمية.
بناء ولاء الأطفال والحفاظ عليه هو الشاغل الرئيسي لداعش. عبارة "أشبال الخلافة" هي صورة مصغرة لطريقة رؤيتهم. فالأشبال متمردون وغير منضبطين ويعتمدون على توجيهات قوية (عنيفة أحيانًا) من شيوخهم.
مع ذلك، مع مرور الوقت، والموارد والصبر، يمكن أن يتحولوا إلى جيل من المقاتلين والنماذج التي ستدعم أيديولوجية داعش حتى لو أثبتت النكسات العسكرية الحالية أن لها نهاية.
تحتاج البرامج لمعالجة جديدة
شهدت برامج نزع السلاح والتسريح وإعادة التأهيل، التي تهدف لإعادة دمج الجنود الأطفال في المجتمع، بعد انتهاء الصراع، تقدمًا كبيرًا في السنوات الأخيرة. يتمثل هذا التطور المستمر للشراكات العسكرية المدنية في البحث عن عالمٍ خالٍ من النزاعات. لكن التطرف المنظم والدقيق لأطفال المنطقة بأكملها يمثل تحدياتٍ جديدة.
من المحتمل تفسير التراجع السريع لداعش على أنها على وشك الموت، ومن ثم الاستعانة بتقنيات إعادة التأهيل التقليدية كعلاج مناسب لمنطقة أخرى تتعافى من عنف تمرد مسلح متطرف. مع ذلك، كان هذا الصراع غير معتاد كثيرًا في وتيرته وتكتيكاته وآثاره.
لذا، يجب علينا إعادة النظر في الافتراضات الأساسية لما تعنيه إثارة السلام داخل المجتمع. يبدأ ذلك مع تعرض الأطفال للتطرّف الأيديولوجي لتنظيم داعش وغيرها من الجماعات المسلحة.
إذا كان هناك سلام محتمل في المناطق المحررة من سيطرة داعش، فيجب النظر إلى برامج إعادة التأهيل على أنها عملية مجتمعية. حتى لو لم يشارك الأطفال مباشرة في أنشطة داعش، فقد أفسد التنظيم نظرتهم للعالم ورسخ فيهم فلسفاته للحياة. ربما تكون هذه الفلسفات فعالة لاسيما في منطقة فيها السخط من التدخل الأجنبي -الغربي- والاستغلال طويل الأمد ومتعدد الأوجه.
ماذا الذي يمكن فعله؟
من الضروري الاستمرار في العمليات المنتظمة لتحديد المقاتلين الأطفال ونزع سلاحهم وإعادة إدماجهم في مجتمعاتهم المحلية، عبر إعادة التأهيل (كضمان قدرتهم البدنية والعقلية على الاندماج في مجتمعاتهم) والمصالحة (تطوير السلام والثقة والعدالة بين الأطفال ومجتمعاتهم)، لكن لا بد أن نعلم أنها غير كافية إلى حد كبير في هذه الحالة.
نادرًا ما كان هناك مثل هذا التطرف الشبابي المنظم. لذا، يجب أن تكون الاستجابة الدولية بعيدة المدى ومنهجية على حد سواء. وتعتبر إعادة التأهيل السريع وإعادة النظر في المناهج الدراسية السابقة للتدريس من أولى الأولويات. ينبغي على الحكومات الوطنية والمحلية ضمان حماية الأطفال من التجنيد الإضافي عبر وضع منهج دراسي مستمد من مبادئ التسامح والاندماج.
من الضروري تطوير مبادرات محلية لقياس مستوى التطرف بين أطفال المجتمع، وبناء أماكن ملائمة للأطفال النشء للتواصل الاجتماعي، وإعادة التواصل مع مجتمعهم الأوسع، والتخلص مما تعلموه من داعش.
ستساعد هذه الأدوات على مداواة جروح الاحتلال الداعشي والعنف الدولي، وتأمين إزالة أثر العنف الدوري. حيث إن فِعل الصوات أيًا كان، سيعوق قدرة داعش على النهوض من جديد.انتهى/س
اضف تعليق