نشرت صحيفة "فايننشال تايمز" تقريرا للصحفيين ناصر السقاف من تعز، وأندرو إنغلاند من المنامة، يتحدثان فيه عن الأوضاع التي يعيشها أطفال اليمن في ظل ظروف الحرب الأهلية التي تسيطر على بلادهم.
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن "الطفل كريم الغائل كان يحب المدرسة، وكان يحلم بأن يصبح مدرسا قبل أن تقع الحرب، مستدركا بأن الطفل البالغ من العمر 13 عاما، يقضي وقته في ورشة تصليح سيارات، حافيا، وجلده يميل إلى السواد نتيجة العمل بالسيارات، بعد أن ترك المدرسة ليعيل عائلته، بعد أن اضطرت الحرب والده أن يغلق بقالته".
وينقل الكاتبان عن كريم، الذي يكسب 30 دولارا في الشهر، قوله "أندم على تركي للمدرسة، لكن لم يكن الأمر في يدي أسلي نفسي ليلا بالقول إن هذا الأمر مؤقت فقط".
واصافت الصحيفة أن "كريم واحد ممن يقدر عددهم بنصف مليون طفل يمني اضطروا للتخلي عن التعليم لدعم عائلاتهم الفقيرة منذ اندلاع العنف في 2015، مستدركة بأن هؤلاء هم الأطفال المحظوظون، حيث قتل أو جرح أكثر من 5 آلاف طفل، بحسب وكالات الأمم المتحدة".
ويفيد التقرير بأن "الحرب في اليمن وصفت بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم، في الوقت الذي يتصارع فيه الحوثيون مع قوات الحكومة المدعومة من التحالف الذي تقوده السعودية، مشيرا إلى أن أربعة أخماس الشعب، البالغ عددهم 28 مليونا، يحتاجون إلى نوع من المساعدات الإنسانية، بحسب الأمم المتحدة".
ويستدرك الكاتبان بأن الآمال الضعيفة لأن تتراجع هذه الأزمة ذهبت أدراج الرياح في وقت سابق من هذا الشهر، عندما فشلت المحادثات المخطط لها قبل أن تبدأ، حيث كانت تلك المحادثات في جنيف ستكون الأولى منذ عام 2016، إلا أن الوفد الحوثي لم يصل.
واشارت الصحيفة الى أن "التحالف الذي تقوده السعودية قام بعد فشل تلك المحادثات بإعادة شن الهجوم على الحديدة، التي تضم ميناء مهما على البحر الأحمر، بالرغم من التحذيرات بأن ذلك الهجوم سيفاقم من الوضع الإنساني".
وينوه التقرير إلى أن "معاناة الأطفال تعكس كيف حطم الصراع المجتمع في أفقر بلد في العالم العربي، حيث قالت ليز غراندي، وهي أكبر مسؤولة أممية على الأرض في اليمن: "نحن نرى نشوء جيل ضائع من الأطفال، غير متعلمين، ويعانون من الصدمات، وهذا سيخزن كما كبيرا من المشكلات للمستقبل.. ولا شيء أهم بالنسبة للعائلات من معرفة أن هناك مستقبلا لأطفالهم، ويجب فعل كل شيء لنجعل المدارس تفتح أبوابها في الوقت المحدد لبداية العام الدراسي (هذا الشهر)".
ويقول الكاتبان إن الصراع وصل إلى طريق مسدود منذ أن تدخل التحالف الذي تقوده السعودية في الحرب في آذار/ مارس 2015، لمحاربة الحوثيين الموالين لإيران، وتحولت إلى حرب بالوكالة، قسمت البلد، واتهمت الأطراف كلها بارتكاب انتهاكات، مشيرين إلى أن تقريرا لفريق من خبراء الأمم المتحدة الشهر الماضي ذكر تجنيد الأطفال على أنه أحد التجاوزات المرتكبة من أفراد في التحالف الذي تقوده السعودية ومن الحوثيين، وهو ما قد يرقى إلى جرائم حرب، حيث تم تجنيد أكثر من 2400 طفل للجماعات المسلحة، بحسب مؤسسات الأمم المتحدة.
واوضحت الصحيفة أنه "تم قصف المدارس والاستيلاء عليها من المجموعات المسلحة ومن النازحين، فخرجت أكثر من 2500 مدرسة من حيز الاستخدام، فيما قتل حوالي 40 طفلا الشهر الماضي، عندما قصفت غارة جوية للتحالف حافلة تقلهم، ما أثار موجة غضب دولية، وتصريحا نادرا من التحالف الذي تقوده السعودية، يعرب فيه عن أسفه للحادثة".
ويجد التقرير أن "انهيار الاقتصاد هو الذي له التأثير الأكبر على شباب البلد، لافتا إلى أن العائلات التي تعاني من المزيد من الفقر، حيث يقدر بأن حوالي 8 ملايين شخص يعانون من خطر المجاعة، أصبحت تعتمد على الأطفال للمعيشة".
وينقل الكاتبان عن رئيس مدرسة الديمقراطية، وهي مؤسسة مساعدات يمنية، جمال الشامي، قوله إن العائلات تواجه خيارا صعبا؛ تشغيل أطفالهم أو الموت جوعا، وأضاف الشامي "المحتاجون لا يعدون التعليم أولوية، الطعام هو الأولوية، وأصبح الأطفال هم المعيلون؛ لأنهم مستعدون للقيام بالأعمال كلها".
وبحسب الصحيفة، فإن "كريم أصبح هو معيل عائلته بعد أن أغلق والده، جميل الغائل، بقالته في تعز عام 2016 بسبب الصراع، وحاول الأب جهده أن يحصل على عمل منذ ذلك الحين، ويقول الأب "لم يخطر في بالي أبدا أن أكون سببا في حرمان ابني من التعليم، لكن الوضع الاقتصادي اضطرنا إلى ذلك لا أحد يريد أن يرى طفله يعمل".
ويورد التقرير أن "عز الدين حميد، الذي فقد وظيفته الحكومية عام 2015، يشعر بالقلق عندما يفكر من أين سيأتي بوجبة عائلته القادمة، فأطفاله الخمسة هم من بين عشرات الأطفال في قرية تربة، التي تقع على بعد 70كم جنوب تعز، لكن لا أحد منهم يدرس، حيث تحولت المدرسة إلى مخيم لحوالي 30 عائلة فرت من القتال، وقسمت غرف الصف فيها باستخدام الستائر، وينام النازحون فيها على الأرض".
ويبين الكاتبان أن حميد وابناءه الكبار يقومون بغسل السيارات بأقل من دولار للسيارة الواحدة، أما الأطفال الصغار، مثل ابنه عبدو البالغ من العمر 9 سنوات، فيرسله ليتسول، ويقول حميد "التسول خير من القتال ومن الجوع حتى الموت".
وتنقل الصحيفة عن موظفي الإغاثة، قولهم إن الكثير من العائلات يزوجون بناتهم قبل أن يصلن 18 عاما، أملا في أن يوفر الزواج للفتيات نوعا من الحماية، وفي الوقت ذاته يقل عدد الأفواه التي تحتاج إلى طعام.
ويورد التقرير نقلا عن تقرير الأمم المتحدة، قوله إنه بحسب شهود عيان، فإن الحوثيين يقومون "بتجنيد الأطفال عنوة بأخذهم من المدارس والمستشفيات، ويأخذونهم من البيوت".
ويقول الكاتبان إن "مختار، البالغ من العمر 15 عاما، انضم إلى القوات الموالية للحكومة، قبل عامين، بعد أن ورث كلاشنكوف والده المتوفى للمساعدة في رعاية أمه وأخواته، بحسب ما قالت أمه، لافتين إلى أن الجندي الجديد قد يكسب مبلغا يصل إلى 100 دولار في الشهر، لكن أمه قلقة من كونه أصبح مدمنا على القات وينفق معظم ماله عليه".
وتختم "فايننشال تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن مختار كان يقف مؤخرا على حاجز في تعز، ويحمل سلاحه، ويقول: "أنا هنا لأحمي مدينتي من الحوثيين.. وهذا ما على السكان أن يفعلوه". انتهى/م.
اضف تعليق