وكالة النبأ للأخبار/ متابعات/ إخلاص داود:
منذ إعلان مقتل الصحفي جمال خاشقجي، الذي لقي حتفه داخل القنصلية السعودية في اسطنبول يوم الثلاثاء 2 أكتوبر الجاري وهذا الخبر يتصدر كبريات الصحف العالمية والعربية ووكالات الأنباء ووسائل التواصل الاجتماعي وكأننا نعيش بعالم مسالم لم تحدث به جريمة قتل قط وهذه هي الجريمة الأولى.فهل العالم أصبح بين ليلة وضحاها يهتم بالأرواح البشرية أم إن الخاشقجي شخصية تستحق كل هذا الاهتمام أم هي ورقة ضغط على الرياض من قبل الغريم والحليف.
حتى ويكيبيديا نشرت مقال كتبت فيه: "هذه المقالة عن شخصية توفيت حديثًا: بعض الأحداث أو التطورات المتعلقة بوفاة الشخصية قد تتغير مع ظهور معلومات جديدة".
وهو الكلام ذاته الذي أردنا ذكره في نهاية تقريرنا هذا ففي أي لحظة تظهر معلومات جديدة تغير مسار القضية أو تكشف حقائق مخفية.
جمال خاشقجي هو الصحفي السعودي الذي رأس عدّة مناصب لعدد من الصحف في السعودية، وتقلّد منصب مستشار، كما أنّه مدير عام قناة العرب الإخبارية سابقًا. ويكتب عامودا في صحيفة واشنطن بوست منذ 2017، وبعد التأكد من مقتله، تركت في عددها الصادر ليوم 5 أكتوبر 2018، عمودًا فارغًا أسفل صورة خاشقجي بعنوان "صوت مفقود".
وقد وصف في الصحف وأجهزة الاعلام العالمية بأنه "وفيّ للدولة السعودية" و"منتقد لسياساتها".
أما الآراء التي انتقد بسببها بشدة فهي أولا: اعتقاده أنه لا ديمقراطية في بلدان العرب إلا بمشاركة الإخوان. وإن تنفيذ الديمقراطية الإجرائية في السعودية يُغنيها عن العَلْمانية، وأما من يريد تنفيذُ العلمانية ففي ذلك مخاطرة ويجب حينئذٍ أن تؤخذ العلمانية كاملةً فهي ليست دكاناً يدخله المشتري وينتقي منه ما يشاء.
ثانيا: كان لا يرى خلاف أهل السنة والشيعة موجباً للخصومة، فهو يروّج للتعددية وكان يقبل أن يُنقدَ الإسلام السني، وقد أثيرت نقمة شديدة عليه من جرّاء ثنائه على ال مرجع الديني علي السيستاني، وكانت حجته أنّ السيستاني قد بعث الهدوء في الشيعة وحرم عليهم قتل السنة، ولذلك رأى خاشقجي إن السيستاني استحق الثناء بل كان ينبغي أن يُمنَح جائزة خدمة الإسلام، ويجب على شيخ الأزهر ومفتي السعودية ويوسف القرضاوي أن يذهبوا إليه ويُقبّلوا يديه تقديراً له.
ثالثا: معارض للتدخل العسكري السعودي في اليمن.
رابعا: تعلقه الشديد بصديقه أردوغان رئيس تركيا فكان لا يرضى أن يذمّهُ أحد.
علما إن هناك سلسلة من الأحداث التي تشير إلى توتر غير معلن في العلاقة بين السعودية وتركيا أبرزها تصريح لولي العهد السعودي محمد بن سلمان في مصر 10 مارس 2018 والذي نقلته الإعلامية المصرية لميس الحديدي قوله إن "مثلث الشر بالمنطقة مكون من العثمانيين وإيران والجماعات الإرهابية"، لافتا إلى أن "تركيا تريد الخلافة وفرض نظامها بالمنطقة، باستخدام جماعة الإخوان المسلمين".
وعلى وقع ذلك التصريح، سارعت السفارة السعودية في أنقرة إلى إصدار بيان مقتضب نفت ما نسب الى ابن سلمان في ما يخص تركيا، لكنها أكدت أنه قصد بـ"مثلث الشر" جماعة الإخوان المسلمين والجماعات الراديكالية.
لكن بيان السفارة، أثار تساؤلات على موقع "تويتر"، حيث تساءل الناشط، فهد قائد الوصابي، حول بيان السفارة الذي نشره الكاتب السعودي، جمال خاشقجي، قائلا: "لماذا يا أستاذ لم ينف ذلك الديوان الملكي أو السفارة في القاهرة؟".
ورد خاشقي على الوصابي بالقول: "لا أعرف...، ولكن مصلحة الأمة و مصلحة السعودية ألا نسعر العداء بينها وبين إخوتنا في تركيا ، نسكت ونصبر حتى يفرجها الله بحكمته وتقديره".
والعودة الى مقتل خاشقجي ففي الخامس من أكتوبر صرّح ولي العهد السعودي محمد بن سلمان آل سعود مؤكدًا على أنّ خاشقجي قد غادر المبنى والسعودية مستعدة للسماح لتركيا بالدخول وتفتيش القنصلية، قائلاً: "القنصلية أرض ذات سيادة، لكننا سنسمح لهم بالدخول والبحث والتفتيش على ما يريدون وليس لدينا ما نخفيه" في اليوم التالي؛ فتحت القنصلية السعودية مقرها لتُبين أن خاشقجي غير موجود في المقر، وقال القنصل "جمال غير موجود في القنصلية ولا في المملكة العربية السعودية"، وسُمح لصحفيي رويترز بالتجوّل وتصوير بعض اللقطات داخلَ المبنى
وفي الساعات الأولى من بداية 20 أكتوبر/ تشرين الأول الجاري، بعد نحو 18 يوما من اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي عقب دخوله للقنصلية السعودية بإسطنبول في 2 أكتوبر، أقرت المملكة العربية السعودية بموته في القنصلية إثر "مشاجرة"، وأصدر العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز سلسلة أوامر على إثر ذلك.
وفي سياقٍ متصل نقلت وكالة الأناضول التركية (الرسمية) قول وزير خارجية البلاد إن "تركيا ستتعاون مع الأمم المتحدة والمحاكم الدولية في حال فتح تحقيق بمقتل خاشقجي"، مضيفا أن "هناك جريمة قتل وقعت" و"يجب الكشف عنها"، حسب تعبيره.
ولفت الأنظار إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "سيتحدث عن تفاصيل تخص القضية".
ويرى وزير الخارجية التركي أن "الرأي العام الدولي حول خاشقجي ضغط على السعودية"، معتبرا أن "إقرار السعودية بمقتل خاشقجي مهم ولو جاء متأخراً".
من جهته اوضح ترامب للصحفيين في البيت الأبيض إنه غير راض عن التفسير السعودي لقضية خاشقجي، وأشار إلى أنه ينتظر المزيد من المعلومات من رجال الاستخبارات الأمريكيين الموجودين في تركيا والسعودية، ليتم الكشف عن المعلومات.
وأكد الرئيس الأمريكي أنه تحدث مع ولي العهد السعودي، قائلا: "لقد تحدثت مع ولي العهد لدينا أناس في السعودية، ونخبة من ضباط الاستخبارات في تركيا، سنرى ما لدينا، وسأطلع على الأمر إما الليلة أو غدا".
وشدد ترامب على أن المهلة التي طلبتها الرياض لكشف جميع ملابسات القضية، ومدتها شهر، "طويلة جدا"، وأردف قائلا: "لا يوجد سبب لذلك"، على حد تعبيره.
يذكر أنه من المنتظر أن تعلن تركيا نتائج التحقيقات التي أجرتها بالقضية، وأشار المتحدث باسم الرئاسة التركية، إلى أن أنقرة ستكشف عن جميع ملابسات القضية.
والجدير بالذكر, إن على الرغم من إقار الرياض المتأخر بعد قرابة ثلاثة أسابيع بوفاة خاشقجي إثر "شجار" مع الأشخاص الذين قابلوه في القنصلية.لا تزال ردود الفعل الدولية الرافضة لموقف السلطات الرسمية السعودية من قضية مقتله تتصاعد، وأمام توالي قرارات الانسحاب من المشاركة في مؤتمر (دافوس الصحراء) بالسعودية، وتزايد الضغوط الدولية المطالبة بالكشف بشكل كامل عن حقيقة ما حدث لخاشقجي؛ يتصدر تساؤل مهم حول الآلية التي ستواجه من خلالها سلطات الرياض هذه الضغوط، وسبل إنقاذ نفسها من الأزمة التي نجحت تركيا من تدويلها عالميا.
الكاتب والمحلل السياسي نصير العمري يجيب على هذا التساؤل بالقول إن "ردة فعل السلطات السعودية حتى الآن، هي التملص والإنكار أمام الرأي العام العالمي، وجاءت ردود الفعل الدولية رافضة لمحاولة التهرب من كشف الحقيقة كاملة"، مؤكدا أن "المجتمع الدولي يطالب بمحاسبة الفاعلين والوصول بالتحقيقات إلى أعلى المستويات". انتهى/خ.
اضف تعليق