نشرت مجلة "فورين أفيرز" مقالا للباحثة السعودية مضاوي الرشيد، تقول فيه إن مقتل الصحافي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في اسطنبول، في 2 تشرين الأول/ أكتوبر، أثر على صورة النظام السعودي ومصداقيته حول العالم.
وتقول الرشيد في مقالها، إن "شركاء السعودية، الذين اعتزوا بالصداقة والعلاقة مع السعودية، تجنبوا انتقاد قمعها المحلي، مثل فرنسا وبريطانيا وألمانيا، التي تحدثت علانية بعد مقتل خاشقجي، وطالبت بتحقيق صادق وشامل".
وتشير الكاتبة إلى أن "الاعتقال وسحق المعارضين والنقاد ليسا أمرين جديدين في السعودية، إلا أن مقتل خاشقجي سلط الضوء على النظام الديكتاتوري المفرط في ديكتاتوريته، إن سلطة حكام السعودية حدت في الماضي بسبب نظام التشارك في السلطة، حيث كان الأمراء يسيطرون على فروع من الحكومة، فيما كان يجد الحاكم نفسه أمام مساءلة منهم، وقضى الملك سلمان على هذا النموذج من الحكم عند وصوله إلى العرش عام 2015، ودفع بابنه إلى رأس السلطة وليا للعهد، تم بهذه الطريقة نقل العائلة السعودية المالكة من عائلة تحكم بالإجماع إلى واحدة يتحكم فيها فرد في السلطة المطلقة".
وترى الرشيد أن "جريمة قتل خاشقجي كشفت عن الطريقة التي لوح فيها الحاكم بالقوة وبطريقة قبيحة، وبهذه الطريقة، فإن الحادث يضع حلفاء السعودية العرب وشركاءها، خاصة الولايات المتحدة، أمام تحديات كبيرة، فهذه هي القوة الوحيدة القادرة على ضبط (أم بي أس) في ظل تهميش بقية أفراد العائلة والرأي العام السعودي، وتحتاج إدارة الرئيس دونالد ترامب إلى إعادة النظر في دبلوماسيتها مع السعودية، وهذا أمر غير محتمل في ظل تردد ترامب في التحرك ضد السعودية ومعاقبة من ارتكب جريمة القتل في اسطنبول".
وتلفت الكاتبة إلى أنه "في قلب الأزمة الحالية مسألة الوراثة، حيث كان يقررها أمراء لدى كل واحد منه إقطاعيته، فقد كان الملك هو رأس الدولة والعائلة في الوقت ذاته، ومع أن هذا الترتيب أدى في بعض الأحيان إلى احتكاكات، إلا أنه عمل بالمجمل على الحد من سلطة الملك، وأجبره على التشاور مع إخوته في الأمور المهمة، وكان الملك الأول من بين متساوين، وبنوع من التوازن الظاهر بين الأجنحة المختلفة داخل العائلة المالكة".
وتنوه الرشيد إلى أن "الملك عبدالله (1924- 2015) كان آخر الملوك السعوديين الذي حكم ضمن هذا الترتيب، وعلم أنه لا يستطيع حكم المملكة بفعالية إذا تجاوز إخوته الكبار، أو عمل ضد إرادتهم، وفي مصادفة غريبة شهد الملك عبدالله وفاة ولي عهده مرتين، أولا الأخ غير الشقيق الأمير سلطان عام 2011، ثم شقيقه الأمير نايف عام 2012، ومن أجل منع فراغ في السلطة قام الملك عبدالله باختراع منصب نائب ولي العهد، فعين أخاه الأمير سلمان وليا للعهد، وتولى هذا الحكم عام 2015، بعد وفاة الملك عبدالله، وهو الذي قام عام 2007 بإنشاء مجلس البيعة، وعين فيه 35 أميرا بارزا للإشراف على عملية نقل السلطة".
وتفيد الكاتبة بأن "الملك سلمان كسر مبدأ التشارك في السلطة، واستطاع فعل هذا لظروف تتعلق بوضع العائلة، حيث مات معظم إخوته ممن لهم حق الخلافة، وهمش أو تجاوز أبناء إخوته، وكان الأمير أحمد، شقيق الملك الحالي، في موقع تولي منصب ولي العهد، وتجاهله الملك سلمان لأنه كان راغبا بنقل الخلافة إلى أبنائه، فبعد أشهر من وصوله إلى الحكم عزل الأمير مقرن وابن أخيه الأمير محمد بن نايف عام 2017، وتجاهل مجلس البيعة، وفتح الطريق أمام ابنه ليتولى ولاية العهد".
وتشير الرشيد إلى أن "(أم بي أس) راكم سلطات لم يحصل عليها أمير من قبله، وفي سن مبكرة، فبالإضافة إلى ولاية العهد، فهو نائب رئيس الوزراء، ووزير الدفاع، ورئيس المجلس الاقتصادي وشؤون التطوير، ورئيس مجلس الشؤون السياسية والأمنية، ورئيس شركة (أرامكو)، ويتحكم الأمير في أجهزة السلطة الناعمة، مثل مفوضية الترفيه، وتحولت السعودية إلى دولة شمولية، تتمركز فيها القوة في يد شخص واحد".
وتلفت الكاتبة إلى أن "الأمير محمد أغلق القنوات كلها التي كان يمكن من خلالها الأمراء والسعوديون التأثير على السياسات الحكومية، وحل مجلس البيعة بعد اعتقال عدد من أفراده، فيما أطلق عليها حملة مكافحة الفساد عام 2017، وفكك (أم بي أس) المجلس الملكي، وهمش المؤسسة الدينية، واعتقل النقاد والنخبة المالية".
وتقول الرشيد إن "ولي العهد فرض سياسات من الأعلى إلى الأسفل دون منح السعوديين الفرصة لمناقشتها، علاوة على انتقادها، مثل رفع الحظر عن قيادة المرأة للسيارة، وتشجيع الثقافة الشعبية والترفيه، وهي إصلاحات تجميلية قدمت على أنها إصلاحات جوهرية بديلا عن الإصلاح السياسي، وكانت محاولات لحرف النظر عن سياسات القمع، خاصة اضطهاد الأصوات الناقدة، وإسكات النقاش في الفضاء العام، وحتى أفراد العائلة المالكة شعروا بنوع من الخيبة والحرمان، وتستدعي الشمولية السعودية إذعانا كاملا وولاء لولي العهد، ووصلت ذروتها في مقتل خاشقجي".
وتعتقد الكاتبة أن "السيطرة على (أم بي أس) تعد غير ممكنة من الداخل، ولذا يجب أن يتم ضبطه من الخارج، والولايات المتحدة هي القوة الوحيدة القادرة على مماسة الضغط الضروري، فهي الضامن لأمن النظام السعودي، وتبيعه السلاح أكثر من أي دولة غربية أخرى، ولا تزال واشنطن تتعامل مع السعودية على أنها حليف استراتيجي، لكنه مثير للحرج من ناحية الرأي العام والإعلام، وتعامل واشنطن السعودية بصفتها شريكا في الحرب ضد الإرهاب، وطرفا في التسوية السلمية في الشرق الأوسط والحد من تأثير إيران في المنطقة، ولسوء الحظ، فإن العلاقة بين أمريكا والسعودية تقوم على العلاقات الشخصية، لا الأعراف الدبلوماسية".
وتجد الرشيد أن هذه العلاقات تقف أمام أي تحرك أمريكي فعال ضد ولي العهد، وهي العلاقة التي تعود جذورها إلى عام 1945، عندما التقى الملك عبد العزيز بن سعود والأمريكي فرانكلين روزوفلت على متن البارجة كوينسي في قناة السويس، وهو اللقاء الذي أدى إلى إنشاء أول قاعدة عسكرية أمريكية على الأرض السعودية، فيما بدأت شركات النفط الأمريكية في التنقيب عن النفط في السعودية عام 1938، وقوى النفط بين الدولتين، بالإضافة إلى أن الموقع الجغرافي الاستراتيجي سمح لأمريكا بالقيام بعمليات في آسيا".
وتقول الكاتبة إنه "منذ ذلك اللقاء نظرت الولايات المتحدة لسياساتها الخارجية تجاه السعودية باعتبارها مشروطة بالحاكم المناسب الذي تدير معه العلاقات، ففي الفترة ما بين 1983- 2005 كان الأمير بندر بن سلطان، الذي استدعي في مرحلة ما بعد 11/ 9، عقب اكتشاف أن 15 منفذا في الهجمات هم من السعوديين، وأصبح من الصعب الدفاع عن المملكة، ولم يستطع الأمير تركي الفيصل وعادل الجبير تلبية رغبة الأمريكيين بصفتهما متحدثين مقنعين للدفاع عن السعودية، وتم إرسال الفيصل إلى واشنطن، كجزء من حملة لنزع فتيل الأزمة، لكنه كان ناقدا للكثير من السياسات الخارجية الأمريكية، خاصة موقفها من الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وخالف الرئيس السابق باراك أوباما في تقييمه للربيع العربي، وقال إن إيران، وليس السياسات المحلية أو العيوب الديمقراطية، هي التهديد الأكبر للسعودية والمنطقة، وزاد التوتر بعد توقيع الاتفاقية النووية مع إيران دون دور سعودي، بعد محادثات سرية في عمان".
وتشير الرشيد إلى أنه "عندما وصل (أم بي أس) إلى السلطة فإنه أرسل شقيقه خالد بن سلمان سفيرا في واشنطن، وأصبح (أم بي أس) يحكم في الرياض، وشقيقه في واشنطن يستمع له صهر ومستشار ترامب، جارد كوشنر، في ترتيب عائلي أكثر من كونه علاقات دبلوماسية بين دولتين ذات سيادة، وأدت هذه العلاقات الشخصية إلى حرف النظر عن الأولويات المتغيرة والمصالح القومية التي تهم البلدين".
وتذكر الكاتبة أن "العلاقة تعقدت نظرا لغياب المؤسسات القوية، مثل حكومة منتخبة وبرلمان فاعل وقضاء مستقل، التي تساعد عادة على منع ظهور الشمولية، ولم تستخدم الولايات المتحدة نفوذها أبدا للضغط على حليفها لإنشاء مؤسسات كهذه، فالأمراء هم بمثابة قناة يمكن للولايات المتحدة من خلالها التعامل مع السعودية، في غياب الإجراءات الدبلوماسية لمحاسبة الأمير المارق، وقد تتعامل الولايات المتحدة مع الشمولية السعودية باعتبارها تطورا مثيرا للأسف، أو إحراجا حتى بعد مقتل خاشقجي".
وتقول الرشيد إن "ترامب حاول بعد الجريمة المراوحة بين الشجب أو البحث عن مخرج لـ(أم بي أس) من الورطة، ملقيا اللوم على عناصر (مارقة)، ونحن نعلم أن القرار في الأنظمة الشمولية هو في يد شخص واحد، ولا أحد يصدق أن مسؤولية جريمة كهذه تقع على عاتق شخص غير ولي العهد، ومن هنا فإن تصريحات ترامب تكشف عن غياب تدقيق جدي في السلطة السعودية وبنية القيادة فيها، وبالنسبة له فإن العلاقة الأمريكية السعودية أهم من أن يعاد النظر فيها".
وترى الكاتبة أن "السعوديين بحاجة للمشاركة في سياسات بلدهم، خاصة بعد إسكات الأصوات الدينية والمالية ونخب العائلة المالكة كلها، ولفت قتل خاشقجي انتباههم حول المدى الذي سيذهب فيه النظام بتأكيد السلطة المطلقة، وهم يتطلعون للمجتمع الدولي ليحد من سيطرة الأمير المارق، وربما بدأت الولايات المتحدة باشتراط دعمها للأمير بمنحه الحريات وحكم القانون، وقد يقيد هذا ميله نحو السيطرة على القوة، وهو الذي لم يظهر احتراما للمجتمع الدولي، وخرق الثقة الدبلوماسية، خاصة مع تركيا".
وتختم الرشيد مقالها بالقول: "في حال انتهت جريمة خاشقجي دون عقاب، بل العودة إلى الأمور كما كانت، فإننا سنواجه فعلا مروعا جديدا، واللامبالاة الأمريكية سترسل رسالة لـ(أم بي أس) مفادها بأنه: يمكن للأمير الشاب أن يفلت من أي جريمة".
المصدر: عربي 21
اعداد: خالد الثرواني
اضف تعليق