بعد أربعين سنة من الثورة التي أطاحت بالشاه، يبدو النظام السياسي والديني الفريد والحكومة الإيرانية قوياً بما يكفي لمقاومة الضغوط الأمريكية وللتغلب على الصعوبات الاقتصادية الحالية في البلاد، فكيف ينبغي للولايات المتحدة أن تقلل من المخاطر التي يشكلها النظام على المنطقة؟
يقول الكاتب الأمريكي ريتشارد هاس، "حددت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إيران أكثر من روسيا أو الصين أو كوريا الشمالية، لقد انسحبت الولايات المتحدة من الاتفاق النووي لعام 2015 (خطة العمل الشاملة المشتركة، أو JCPOA)، والتي صنفت ذراع الجيش الإيراني (فيلق الحرس الثوري الإسلامي) كمنظمة إرهابية أجنبية، وفرضت عقوبات اقتصادية ضد ما يقرب من ألف شخص و الكيانات، واتخذت خطوات لجعل من الصعب للغاية على إيران بيع نفطها".
ويبين، ان "السياسة الأمريكية تعمل بمعنى أن معظم الدول (بما فيها تلك التي لا تتفق مع سياسة ترامب) حكمت على أن الحفاظ على العلاقات التجارية والاستثمارية مع الولايات المتحدة أفضل من إيران، وانخفضت صادرات النفط الإيرانية بشكل حاد وعزلتها الاقتصادية حقيقية ومتنامية، وتقلص الاقتصاد حوالي 4 ٪ في عام 2018، ومن المتوقع أن يتقلص بقدر 6 ٪ أخرى هذا العام، اضافة الى انخفاض العملة، بالاضافة الى ان هناك تقارير عن ارتفاع الأسعار ونقص الغذاء والدواء وتقليص التحويلات المالية لحزب الله لمحاولات منع إيران من ممارسة نفوذها في جميع أنحاء المنطقة".
ويضيف، "أن الكثيرين في إدارة ترامب يؤيدون تغيير النظام ولكن هذا من غير المرجح أن يحدث وبعد أربعين سنة من الثورة التي أطاحت بالشاه يبدو النظام السياسي والديني الفريد والحكومة الإيرانية قوياً بما يكفي لمقاومة الضغوط الأمريكية وللتغلب على الصعوبات الاقتصادية.
ويوضح بادريه، "ان النتيجة الأكثر ترجيحاً من خلال الحرب الاقتصادية الأمريكية ستؤدي بالعفل إلى الحرب"، مشيرا الى ان "الحكومة الإيرانية اعلنت عزمها على الخروج تدريجياً من القيود النووية التي يفرضها البرنامج، وفقًا للوكالة الدولية للطاقة الذرية. وتزيد إيران ببطء من إنتاجها للوقود النووي هذا ويبدو أن البلد مصمم على تقريب مستوى تخصيب اليورانيوم من مستوى الأسلحة".
ويضيف ان "كل هذا يثير خطر حدوث صراع مكلف بين إيران وواحد أو أكثر من جيرانها أو الولايات المتحدة ومن شبه المؤكد أن يتصاعد هذا الصراع وينتشر تاركًا الولايات المتحدة وإسرائيل وإيران في وضع أسوأ".
ويشير الى ان "في مكان ما بين الحرب الباهظة وتغيير النظام غير المحتمل يكمن الاحتمال الثالث، وهو الأمر الذي يتطلب ترامب لاستكشاف الدبلوماسية وتغير المسار مع كوريا الشمالية يمكنه أن يفعل الشيء نفسه مع إيران".
وينوه، ان "انتقاد إدارة ترامب لـ JCPOA كان صوابًا من الخطأ، في حين أن الاتفاق قلل من قدرات إيران النووية وزاد من الوقت الذي تحتاجه لتطوير أسلحة نووية، فإن القيود التي قبلتها كانت قصيرة نسبيًا، ومن المقرر أن تنتهي صلاحيتها على مدى العقد المقبل. عند هذه النقطة، يمكن لإيران أن تبقى ضمن الاتفاق، لكنها وضعت كل ما تحتاجه لبناء مخزون نووي دون سابق إنذار، وهذا لم يبرر انسحاب الولايات المتحدة من JCPOA، لا سيما بالنظر إلى أن إيران كانت تمتثل له، لكنها تشكل حجة قوية لإعادة التفاوض".
ويؤكد، ان "هذه الفرصة لا تزال قائمة على الرغم من فشل محاولة رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي الأخيرة للوساطة بين الولايات المتحدة وإيران، إلا أن الآفاق الدبلوماسية قد تحسنت، ويعود ذلك جزئياً إلى أن العقوبات قد بدأت. ومن جهتها أبدت إدارة ترامب استعدادها للتحدث مع الحكومة الإيرانية دون شروط مسبقة. لكن إيران رفضت حتى الآن المحادثات، لكن قد يتغير ذلك، إذا أشارت الولايات المتحدة إلى أن هناك درجة من تخفيف العقوبات ستكون مطروحة".
ويشدد، "إن أحكام الاتفاقية التي تقيد أنشطة إيران النووية خاصة أجهزة الطرد المركزي والوقود النووي سوف تمتد إلى المستقبل، ومن شأن الاتفاق المعدل أن يقيد برنامج الصواريخ البالستية الإيراني، وفي المقابل ستتلقى إيران التخفيف من العديد من العقوبات التي تم فرضها ويمكن للولايات المتحدة أيضا إضفاء الطابع الرسمي على بيان ترامب بأنه يسعى لتغيير السياسة، وليس تغيير النظام. وهناك فرصة جيدة للمشاركين الأوروبيين في المفاوضات الأصلية بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي للتوقيع على مثل هذا النهج، وإن تقديم اتفاقية معدلة إلى الكونغرس الأمريكي لموافقته الرسمية من شأنه أن يشير إلى أن الولايات المتحدة لن تنسحب مرة أخرى".
ومع ذلك يزيد بالقول، "إن بعض العقوبات ستبقى كما هي بالنظر إلى الأنشطة الإيرانية في المنطقة، ومن حيث المبدأ يمكن للمرء أن يتخيل مفاوضات من شأنها أن تعرض إزالة جميع العقوبات مقابل وقف جهود إيران في سوريا واليمن، وإدخال إصلاحات سياسية ليبرالية في الداخل، لكن هذا لن يكون له أي فرصة للنجاح ولن تنتج الدبلوماسية شيئاً كما كان الحال بالنسبة للحد من التسلح بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي خلال الحرب الباردة، ومن الطموح في بعض الأحيان السعي للحد من المنافسة، بدلاً من القضاء عليها".
لافتا الى أن "إيران لايعني انها ستتمتع بحرية التصرف في المنطقة، ومن المفترض أن تستمر إسرائيل في متابعة العمل العسكري المستهدف لضمان عدم قدرة إيران على إنشاء وجود عسكري وبنية تحتية في سوريا بالقرب من الحدود الإسرائيلية كما فعلت في لبنان، ويجب أن تحتفظ الولايات المتحدة بوجود عسكري معزز في الخليج الفارسي أو بالقرب منه، وتحتفظ بقوات في سوريا، وتحافظ على وجود دبلوماسي وعسكري مهم في العراق".
وختم قوله، لن "يؤدي الترويج لـ JCPOA 2.0 إلى تطبيع العلاقات الدبلوماسية مع إيران، لكنه سيقلل بشكل كبير من فرصة الحرب أو ظهور إيران كقوة مسلحة نوويًا، وهو تطور من المحتمل أن يدفع المملكة العربية السعودية والعديد من الدول الأخرى إلى أن تحذو حذوها، كما إن الشرق الأوسط خطير بما فيه الكفاية بالفعل دون إضافة بُعد آخر مميت إلى هذا المزيج".انتهى/س
اضف تعليق