أثارت إيران الجدل في الآونة الأخيرة بإعلانها عن عدم امتثالها للقيود المفروضة على تخصيبها لليورانيوم. في هذا الصدد، يتناول ريك جلادستون في تقريره بصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية تفاصيل هذا الإعلان ويوضح مدى أهميته وما قد يترتب عليه من نتائج.
إيران في مواجهة أمريكا
أوردت الصحيفة الأمريكية في تقريرها أنه في خِضم تصاعد التوترات مع الولايات المتحدة، تُهدِّد إيران بأنها ستتجاوز الحد المسموح به للتزود باليورانيوم في إطار الاتفاق النووي لعام 2015. ويُشير التقرير إلى أنه من المُحتَمَل أن تكون تلك مرحلةً جديدةً مُلتهبة في مواجهة إيران مع واشنطن.
جاء الإعلان عن ذلك، كما ورد في التقرير، في 17 يونيو (حزيران)، بعد اتهام الولايات المتحدة إيران بمهاجمة ناقلتين نفطيَّتين، وقبل أيامٍ من إسقاط إيران لطائرةٍ أمريكية بدون طيَّار، ليوافق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بعدها على شنِّ هجماتٍ انتقامية لإيران ثم يتراجع عنها بعد ذلك.
يوضح التقرير أن إيران قد تتجاوز حصتها من اليورانيوم في وقتٍ قريب، وأنها قد توعَّدَت بمزيدٍ من الخطوات التي تنم عن عدم امتثالها للاتفاق في الأسابيع المقبلة.
تشير الصحيفة إلى سعي القادة الإيرانيين إلى تبرير هذه الخطوات باعتبارها رد فعل على تخلي حكومة ترامب عن الاتفاق النووي في العام الماضي، وإعادة فرضها العقوبات التي أضعفت اقتصاد إيران وقوَّضَت على وجه الخصوص قدرتها على بيع النفط، وهو أهم صادرات البلد.
وتوضح الصحيفة أن إيران تصر على أن عملها النووي يظل سلميًا على النحو الذي يكفله الاتفاق. بيد أنها تؤكد أيضًا على حق الدولة في التوقُّف عن احترام بعض الأحكام الواردة في الاتفاق أو جميعها، نظرًا لأن الولايات المتحدة أعادت فرض العقوبات، ما يُعَدُّ انتهاكًا منها للاتفاقية، كما أوردت الصحيفة.
وفي هذا الصدد يطرح التقرير بعض الأسئلة وإجاباتها حول ما إن كانت إيران قد انتهكت الاتفاقية، وحول العواقب المُحتملة لذلك.
ما هو بالضبط الحد الأقصى الذي ستتجاوزه إيران؟
وفقًا للتقرير، فإن من المسموح لإيران الإبقاء على 300 كيلو جرام كحدٍّ أقصى أو 660 رطل من اليورانيوم المُخصَّب بدرجة نقاء تُقدَّر بـ3.67%، وهو القدر الذي يُمكن استخدامه في أغراضٍ مدنية مثل وقود الطاقة النووية. ويُشكِّل هذا، وفقًا للصحيفة، جزءًا يسيرًا من مخزون اليورانيوم الذي راكمته إيران من قبل، وشحنته إلى خارج البلاد، بعدما دخل الاتفاق النووي في حيز التنفيذ.
وتُوضِح الصحيفة أن هذا الحدَّ يُعَدُّ ضمن قيودٍ عِدة في اتفاقية عام 2015، التي تهدف إلى منع إيران من إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المُخصَّب إلى نسبة نقاء كافية لصنع سلاحٍ نووي.
أما رابطة الحد من الأسلحة، وهي جماعة لحظر انتشار الأسلحة النووية ومقرها واشنطن، فقد قدَّرَت، وفقًا للتقرير، أن إيران ستحتاج إلى ما يقرب من ثلاثة أضعاف مقدار اليورانيوم المُخصَّب بنسبة 3.67%، المسموح لها حيازته بموجب الاتفاقية، لزيادة تخصيب المواد بما يكفي لصنع قنبلة نووية واحدة.
وتؤكد "نيويورك تايمز" أن تجاوز حد الـ300 كيلو جرام من اليورانيوم مُنخفِض التخصيب لا يُعَد في حدِّ ذاته دلالةً على أن إيران تعتزم التخلي عن تعهُّدها بتطوير الطاقة النووية للأغراض السلمية، بيد أن المسؤولين الإيرانيين، عند إعلانهم عن خططهم في الشهر الماضي، قالوا إنهم يُضاعفون إنتاجهم لليورانيوم مُنخفِض التخصيب بمقدار أربعة أضعاف، ما يزيد من احتمالية شروعهم في تخزين كميات أكبر كثيرًا منه مُجددًا.
هل يعني هذا أن إيران تنتهك الاتفاق النووي؟
تُوضِح الصحيفة أن ذلك يعتمد على من يُوجَّه إليه السؤال، فوفقًا لها، قال المسؤولون الإيرانيون إنهم سيظلون طرفًا في الاتفاقية، بخلاف الولايات المتحدة. وقد استشهد الإيرانيون بإحدى الصياغات اللغوية في الاتفاقية، التي تعُرف بـ"خطة العمل الشاملة المشتركة" أو (J.C.P.O.A)، التي تؤِكد فيها إيران أنه إن أُعيد فرض عقوبات ذات صلة بالمجال النووي، سيكون "من شأن ذلك أن يتسبَّب في وقف إجراءات التزاماتها بخطة العمل المُشتركة هذه، بشكل كلي أو جزئي".
وحسبما أوضح التقرير، فقد اعترض خبراءٌ غربيون في هذه الاتفاقية على مُبرِّرات إيران. وفي هذا الصدد أفاد هنري روم، المُحلِّل في جماعة "أوراسيا"، وهي شركة استشارية لتقييم المخاطر السياسية مقرها واشنطن، أن "هذا في الأساس تفسيرٌ أُحادي الجانب من الجانب الإيراني لما يعنيه الاتفاق النووي". وأضاف: "في وجهة نظرهم، يُمكِنهم الحد من امتثالهم للاتفاقية بما يتناسب مع ما يفعله الطرف الآخر".
أما داريل جي كيمبل، المُدير التنفيذي لرابطة الحد من الأسلحة، فقد وصف تدابير إيران، كما أوضحت الصحيفة، بأنها تُعَدُّ انتهاكًا "لأحد القيود الكثيرة لخطة العمل الشاملة المشتركة، إلا أنها لا تُشكِّل في حدِّ ذاتها تهديدًا بالانتشار النووي على المدى القريب".
هل هناك دول أخرى تنتهك الاتفاق؟
تُجيب الصحيفة على هذا التساؤل بالإيجاب، إذ أشارت إلى الولايات المُتحدة نفسها، لافتةً إلى أن ترامب نفسه قد أعلن أنه لا يمتثل لأحكام ذلك الاتفاق، واصفًا الاتفاقية بأنها كارثةٌ يجب إعادة التفاوض بشأنها مع إيران.
أما الأطراف الأخرى في تلك الاتفاقية، وهم بريطانيا والصين وفرنسا وألمانيا وروسيا، فقد أقروا جميعًا، كما ورد في التقرير، بنجاح الاتفاقية وحثوا الولايات المتحدة على الانضمام إليها مُجددًا.
ووفقًا للصحيفة، ذكر مسؤولون إيرانيون أن أعضاء الاتفاق الأوروبيين لا يمتثلون إلى الاتفاق لأنهم فشلوا في توفير المزايا الاقتصادية الموعودة، خشيةً من الانتقام الأمريكي. أما علي شمخاني، الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني، فقد قال، يوم الثلاثاء الماضي 25 يونيو (حزيران)، إن إيران ستتوقَّف عن الامتثال لمزيد من التعهُّدات التي قطعتها بدءًا من 7 يوليو (تموز)، إذا لم يتوقَّف الأوربيون عن "مُحاولاتِهم السياسية المُخادعة التي تهدف إلى تقييد حقوق الشعب الإيراني الجلية".
وأشارت الصحيفة إلى أن شمخاني مع ذلك لم يُحدِّد ماهية التعهُّدات التي قد يتوقَّف العمل بها. أما المسؤولون الإيرانيون الآخرون، ومن ضمنهم الرئيس الإيراني حسن روحاني، فقد ألمحوا إلى زيادةٍ في مستويات تخصيب اليورانيوم، التي من شأنها أن تُقلِّل من الوقت اللازم لصُنع وقود الأسلحة النووية.
هل اتهم الأوروبيون إيران بعدم الامتثال؟
تُشير الصحيفة إلى الموقف المُتردِّد لدى الأوروبيين من إيران، فقد حثوا إيران على الامتثال إلى شروط الاتفاق، إلا أنهم لم يُحدِّدوا التدابير التي قد تُتَّخَذ إن لم تمتثل إيران إلى ذلك.
وتلفت الصحيفة أيضًا إلى أن هناك مادةً واردةً بالاتفاق النووي تتعلَّق باتهامات عدم الامتثال، تقوم من خلالها لجنة تحقيق مُشتركة بتقييم الشكاوى ثم تُحاول علاجها أو تداركها، إلا أنه، كما ورد في التقرير، لم يلجأ أيٌّ من المشاركين إلى هذه المادة حتى الآن، ويرجع ذلك جُزئيًا إلى مخاوف تتعلَّق بتقويض هذا الاتفاق.
وفي هذا الصدد تحدَّث روم عن تداعيات هذا الأمر الأخير قائلًا: "سندخل بعدها في حالةٍ سيعتقد فيها الإيرانيون أو الأطراف الأخرى أن الاتفاق قد انتهى". وأضاف: "يرجع تردُّد الأوروبيين إلى عدم رغبتهم في الشروع في تلك العملية".
ويشير تقرير الصحيفة الأمريكية إلى أن دبلوماسيين من بريطانيا وفرنسا وألمانيا أكَّدوا مُجددًا، خلال الأسبوع في مجلس أمن الأمم المتحدة، على رغبتهم في "التطبيق الكامل" للاتفاق النووي.
ما الدور الذي يضطلع به مجلس الأمن في هذه الأزمة؟
يورد التقرير أن مجلس الأمن اعتمد قرارًا في عام 2015 أيَّدَ الاتفاق النووي وأنهى العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على إيران. ويتضمَّن مشروع القرار رقم 2231 ما يُعرف بمادة "الإعادة" التي بإمكانها إعادة فرض هذه العقوبات في حال اشتكت الأطراف الأخرى في الاتفاق من أن إيران خانت الاتفاق. ومن المُرجَّح أن خُطوةً كهذه ستؤدي إلى تدمير هذا الاتفاق، بحسب تعبير الصحيفة.
هل من الممكن أن تتذرع الولايات المُتحدة الأمريكية بحكم "الإعادة"؟
تُوضِح الصحيفة أن هذه مسألة لم تُحل بعد. فعلى الرغم من كون الولايات المتحدة أحد أعضاء مجلس الأمن، فإنها لم تعد طرفًا في الاتفاق النووي، وقد لا تمتلك الأسس القانونية التي تُمكِّنها من اللجوء إلى هذه المادة، بحسب الصحيفة.
أما الأطراف الأخرى في الاتفاق التي ترغب في الحفاظ عليه، بما فيهم حلفاء الولايات المتحدة في مجلس الأمن، فقد تتحدى الولايات المتحدة في حال أقدمت على هذه المحاولة.
يقتبس تقرير "نيويورك تايمز" من ريتشارد نفيو، أحد الخبراء السابقين في فرض العقوبات في وزارة الخارجية الأمريكية، والذي ساعد على التفاوض في الصفقة النووية الإيرانية، ويعمل الآن باحثًا وأستاذًا في مدرسة الشؤون الدولية والشؤون العامة في جامعة كولومبيا، قوله: "إن لم تمتلك الولايات المتحدة تفويضًا بفعل ذلك، فلن يتضح تمامًا ما سيحدث". وأضاف: "هذه أمرٌ مؤسف لكنه بات أيضًا يُشكِّل فوضى حقيقية".
المصدر: ساسة بوست
لقراءة النص الاصلي اضغط هنا
اضف تعليق