اعتبرت مجلة Foreign Policy الأمريكية أن سياسات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في اليمن وجريمة اغتيال الصحفي جمال خاشقجي انعكست بالسلب على سمعة المملكة، وجعلت عدداً كبيراً من المسلمين ينفر من زيارة المملكة، وخاصة في موسم الحج؛ بسبب الخوف من تسييس المشاعر الدينية.
وبحسب المجلة الأمريكية، فإن ولي العهد يحاول تصوير السعودية في صورة أكثر إيجابية، وإخفاء السياسات الداخلية والخارجية الأكثر عدوانية في البلاد، من خلال تطبيق الإصلاحات الليبرالية المزعومة، لكن ذلك لم يكن كافياً لإسكات أولئك الذين يُواصلون لفت الانتباه إلى انتهاكات حكومته لحقوق الإنسان.
ضحايا اليمن يطاردون الرياض
ودفع ارتفاع أعداد القتلى من المدنيين الذين قتلتهم القنابل السعودية في اليمن، والقتل الشنيع لجمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية في إسطنبول، والنهج العدواني للرياض إزاء الأزمة الإيرانية، بحُلفاء السعودية من السُنَّة إلى إعادة النظر في دعمهم الدؤوب للمملكة.
ودعا المفتي الأكبر صادق الغرياني، أكبر رجل دين سُني في ليبيا، عموم المُسلمين إلى مقاطعة الحج في مكة أواخر شهر أبريل/نيسان، ووصل به الأمر إلى حدِّ الزعم بأنَّ أيّ شخص ينطلق في رحلة حج للمرة الثانية؛ فهو "يرتكب إثماً وليس عملاً صالحاً".
وفسَّر الغرياني السبب وراء المقاطعة بالإشارة إلى أنَّ تعزيز اقتصاد المملكة العربية السعودية من خلال الحج يُساعد في تمويل مشتريات الأسلحة والاعتداء على اليمن بشكل مباشر، وعلى سوريا وليبيا وتونس والسودان والجزائر بشكل غير مباشر.
وأضاف الغرياني أنَّ الاستثمار في الحج "يُساعد الحُكَّام السعوديين على ارتكاب الجرائم بحَقِّ إخواننا المسلمين".
النفوذ السعودي يرتبط بالتاريخ الإسلامي
وليس نفوذ السعودية مرتبطاً بقدراتها السياسية والعسكرية فقط، بل يرتبط أيضاً بصلتها التاريخية بالإسلام. إذ يمتد نفوذ المملكة إلى ما هو أبعد من جيرانها العرب ليصل إلى عموم العالم الإسلامي، وذلك لأنَّها تضُمُّ مكة والمدينة -أقدس مدينتين في الإسلام- حيث توجد الكعبة وقبر النبي محمد عليه السلام على الترتيب.
ويتوافد أكثر من 2.3 مليون مسلم من جميع الطوائف على مكة خلال موسم الحج السنوي، والكثير غيرهم على مدار العام، مما يجعل زيارة السعودية أمنيةً للعديد من المسلمين حول العالم.
وتعمل السعودية منذ سنوات على أن تُصبِحَ قوةً إقليمية مُهيمنة داخل الشرق الأوسط، حيث تُمثِّل إيران مصدر التهديد الوحيد لمساعي المملكة من أجل النفوذ في السنوات الأخيرة.
وتمتَّعت السعودية بالدعم الدؤوب من العديد من الدول المجاورة على مدار عقود، بوصفها واحدةً من أكبر الدول المُصدِّرة للنفط في العالم وبفضل علاقاتها الوثيقة مع الولايات المتحدة.
قلق دولي من السعودية
لكن القلق الدولي من الرياض تزايد بعد حادثة مقتل جمال خاشقجي، على الرغم من تغاضي الولايات المتحدة عن الحادثة، إلا أن الأشقاء المسلمين لم يكونوا على نفس القدر من التسامُح.
فضلاً عن ذلك، فإن القلق تزايد بسبب ارتفاع عدد القتلى في اليمن، والذي من المتوقع أن يصل إلى 230 ألف قتيل بحلول عام 2020 بسبب الغارات الجوية العشوائية التي يشُنُّها التحالف الذي تقوده السعودية -إذ قصف المستشفيات والجنازات وحافلات الأطفال المدرسية وحفلات الزفاف- في الحرب التي وصفها مسؤولو الأمم المتحدة بأنَّها "أسوأ أزمة إنسانية من صُنع الإنسان في عصرنا".
وأدَّى النهج السعودي الصارم تجاه حرب اليمن إلى عزل المملكة داخل تحالفها؛ لدرجة أنَّ الحكومة الإماراتية أبدت بعض الانزعاج تجاه النهج السعودي.
واليوم، تصاعدت حدة الدعوات المُطالبة بمقاطعة المملكة، ولم يَعُد الأمر مُقتصراً على الشيعة. وأصبح هاشتاغ #boycotthajj (قاطعوا الحج) من أكثر المواضيع تداولاً على موقع تويتر، إذ جمع قرابة الـ 16 ألف تغريدة.
ودعا عُلماء السنة حول العالم إلى المُقاطعة أيضاً؛ إذ قالت نقابة "الأئمة التونسيين" في يونيو/حزيران إنَّ "الأموال (من الحج) التي تصل إلى السلطات السعودية لا تُستخدم في مساعدة فُقراء المُسلمين حول العالم. بل تُستخدم في القتل والتشريد، كما هو الحال في اليمن الآن".
وتُعبِّر دعوات المُقاطعة عن حجم القلق الحاد والحقيقي إزاء السلوك السعودي، نظراً لأنَّ الحج يُعَدُّ من أركان الإسلام الخمسة الرئيسية المفروضة على جميع المسلمين.
وفي حال استمرار هذا التوجُّه، ستتعرَّض مزاعم السعودية بأنَّها وطن الإسلام الروحي للخطر، وربما تتعرَّض لضربة اقتصاديةٍ مُوجعة أيضاً.
إذ إن الحج مسألة حيوية بالنسبة للاقتصاد السعودي، وتبلغ قيمته 12 مليار دولار سنوياً، أي قرابة الـ20% من إجمالي الناتج المحلي غير النفطي. ومن المتوقَّع أن ترتفع عوائده إلى قرابة الـ150 مليار دولار بحلول عام 2022، نظراً لاستثمار الحكومة السعودية في الفنادق الفاخرة. وأدَّت تلك الاستثمارات إلى ارتفاعٍ حاد في الأرباح، مما حرم الكثير من فقراء المُسلمين من السفر إلى المملكة بسبب ارتفاع الأسعار.
تسييس الحج
ولا تُمثِّل دعوات مُقاطعة الحج الأخيرة المرة الأولى التي يتعرَّض خلالها الحج الديني للتسييس. إذ قرَّرت السعودية نفسها حظر مُواطني قطر وإيران من المشاركة في الحج، بسبب الخلافات السياسية المُتنامية بين تلك الدول.
وانتهك المسؤولون السعوديون أيضاً حرمة مدينة مكة، من أجل الدعاية لأيديولوجيتهم السياسية. إذ قال الشيخ عبدالرحمن السديس، إمام المسجد الحرام في مكة، خلال خُطبةٍ ألقاها في أكتوبر/تشرين الأول من العام الماضي: "وإنَّ مسيرة التجديد في هذه البلاد المُباركة، برعايةٍ من وُلاة أمرها الميامين، وحرصٍ واهتمامٍ من الشاب الطموح المُحدَّث المُلهم، ولي عهد هذه البلاد المحروسة؛ ماضيةٌ في رؤيته التجديدية الصائبة رغم التهديدات والضغوطات". مما يعني أنَّه لا ينبغي لأيّ مُسلمٍ أن يُشكِّك في النخبة السياسية السعودية.
ومع ارتفاع حصيلة القتلى في اليمن؛ تدعو الدول في جميع أنحاء العالم إلى مقاطعة المملكة اقتصادياً ودينياً وسياسياً، وعدم الاكتفاء بحظر تجارة الأسلحة معها. وشارفت الرياض على خسارة كافة أصدقائها الغربيين، وبدأت علاقاتها مع حُلفائها الإقليميين تشهد بعض التشقُّقات.
وفي حال فشل إدارة ترامب في الفوز بمدةٍ رئاسيةٍ ثانية، ربما تجد السعودية نفسها بدون الكثير من الأصدقاء على المستوى الدولي، فضلاً عن الضرر الشديد الذي سيُصيب مزاعمها بزعامة العالم العربي والإسلامي.
اضف تعليق