أحرز تنظيم الدولة الإسلامية في نهاية الأسبوع تقدما جديدا في سوريا على حساب قوات النظام ومقاتلي المعارضة أيضا، ما يعيد رسم خريطة النزاع المستمر منذ أكثر من 4 سنوات ويزيد من تعقيداته. وتعزز التطورات الميدانية المخاوف من حصول تقسيم بـ "حكم الأمر الواقع".
وتواصلت المعارك في سوريا اليوم الاثنين بين قوات النظام والمسلحين الموالين لها من جهة وتنظيم الدولة الإسلامية من جهة أخرى في الريف الجنوبي الغربي لمدينة تدمر الأثرية، "وسط محاولات من التنظيم للتقدم في اتجاه بلدتي مهين والقريتين في ريف حمص"، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
وكان التنظيم الجهادي تمكن السبت من السيطرة على بلدة البصيري جنوب تدمر التي استولى عليها في 21 أيار/مايو. وتقع البصيري على مفترق طرق يؤدي إلى دمشق جنوبا وإلى حمص غربا. ويأتي التراجع الجديد للنظام بعد هزائم متتالية تعرض لها خلال الشهرين الماضيين في محافظة حمص (وسط) على أيدي تنظيم الدولة الإسلامية وفي محافظتي إدلب (شمال غرب) ودرعا (جنوب) على أيدي فصائل المعارضة.
تدمر .. حمص والأنبار العراقية!
وعزز تنظيم الدولة الإسلامية من جهته مواقعه في منطقة واسعة ممتدة من تدمر في محافظة حمص وصولا إلى محافظة الأنبار العراقية في الجانب الآخر من الحدود. وبات بذلك يسيطر على مساحة تقارب الـ300 ألف كيلومتر مربع من الأراضي بين البلدين، بحسب الاختصاصي في الجغرافيا والخبير في الشؤون السورية فابريس بالانش، وعلى نصف مساحة الأراضي السورية، بحسب المرصد.
وفي الشمال، وصل التنظيم إلى مسافة كيلومترين تقريبا من مدينة الحسكة حيث يخوض معارك مع قوات النظام. وذكر المرصد الاثنين أن عنصرا من تنظيم الدولة الإسلامية "فجر نفسه بجرار زراعي وصهريج مفخخ على حاجز لقوات النظام والدفاع الوطني قرب مدينة الحسكة، ما أدى إلى مقتل ما لا يقل عن تسعة عناصر على الحاجز وإصابة آخرين بجروح".
على جبهة أخرى في الشمال في محافظة حلب، سيطر التنظيم الجهادي الأحد على بلدة صوران ومحيطها بعد معارك عنيفة مع مقاتلي المعارضة وبينهم جبهة النصرة ذراع القاعدة في سوريا. وهو يحاول التقدم نحو بلدة مارع الواقعة على طريق إمداد رئيسية لفصائل المعارضة نحو تركيا. وبات على بعد عشرة كيلومترات تقريبا من معبر باب السلامة على الحدود التركية.
واستقدمت جبهة النصرة والفصائل المقاتلة تعزيزات إلى المنطقة. وتسببت المعارك المستمرة منذ السبت بمقتل 30 مقاتلا من تنظيم الدولة الإسلامية و45 مقاتلا معارضا، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان.
لماذا انهارت قوات النظام؟
ويقول مدير المرصد رامي عبد الرحمن إن أحد أسباب "هذا الانهيار السريع لقوات النظام عدم القدرة على تعويض الخسائر البشرية الكبيرة التي يتكبدها". ويوضح أن "هناك تخلفا كبيرا عن الالتحاق بالخدمة العسكرية. كما أن هناك شعورا متناميا في أوساط القوات المسلحة وقوات الدفاع الوطني الموالية لها برفض الدفاع عن مناطق لا يشارك أهلها في القتال"، في إشارة إلى المناطق ذات الغالبية السنية إجمالا حيث "لا حاضنة شعبية" للنظام العلوي.
وغالبا ما يعبر موالون للنظام على حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي عن هذا الشعور.
وقد أوردت صفحة "شبكة أخبار جبلة" (اللاذقية، معقل الطائفة العلوية التي يتحدر منها الرئيس السوري بشار الأسد) على "فيسبوك" تعليقا في هذا الإطار جاء فيه "التعبئة العامة لا يجب أن تقتصر على أهل الساحل السوريين الذين قدموا آلاف الشهداء والجرحى (...) إنما للسوريين الموجودين في الساحل من كل المحافظات تحت اسم مهجرين وعددهم حوالي مليون شاب"، داعيا هؤلاء إلى أن "يحملوا السلاح (...) وإلا فعودوا إلى محافظاتكم".
تقسيم بحكم الأمر الواقع!
وتعزز التطورات الميدانية الخشية من حصول "تقسيم بحكم الأمر الواقع" في سوريا حيث يتقلص وجود النظام إلى المنطقة الممتدة من دمشق في اتجاه الشمال نحو الوسط السوري (الجزء الأكبر من محافظتي حمص وحماة) وصولا إلى الساحل غربا (طرطوس واللاذقية)، بينما يتفرد تنظيم الدولة الإسلامية بالسيطرة على المنطقة الشرقية صعودا نحو الشمال (جزء من محافظة الحسكة وكل محافظة الرقة وبعض حلب).
في حين يسيطر مقاتلو المعارضة على رأسهم جبهة النصرة، على الجزء الآخر من الشمال (حلب وإدلب). ويتنازع النظام والمعارضة المنطقة الجنوبية، مع رجوح الكفة لصالح المعارضة.
في المقابل، يخسر تنظيم الدولة الإسلامية في المعارك المستمرة منذ أشهر بينه وبين المقاتلين الأكراد في أجزاء من محافظتي الحسكة وحلب. إذ يحظى المقاتلون الأكراد بدعم جوي من التحالف الدولي بقيادة أمريكية. وقد تمكنوا في نهاية الأسبوع من السيطرة على قرى عدة في محافظة الرقة، معقل التنظيم الجهادي.
من يحسم الحرب في سوريا؟
ويزيد هذا الواقع الميداني من صعوبة حسم الوضع في البلاد حيث تسببت الحرب بمقتل أكثر من 220 ألف شخص منذ آذار/مارس 2011، ولا يبدو في الأفق أي بريق أمل لحل سياسي قريب.
وفي مقال كتبه المحلل آرون لوند على الموقع الإلكتروني لمركز "كارنيغي" للأبحاث أخيرا، قال "بغض النظر عمن يربح وعمن يخسر الحرب في سوريا حاليا، يمكن التأكيد أن لا أحد يملك حظوظا في الانتصار".
وأضاف "في هذه المرحلة، من المستحيل تصوّر دولة نهائية واقعية ومستقرة (بغض النظر عن الديمقراطية) يديرها أحد الأطراف الثلاثة الرئيسية المتنافسة على السلطة في سوريا"، في إشارة إلى النظام وتنظيم الدولة الإسلامية والمعارضة المسلحة حيث النفوذ الأقوى للإسلاميين المتطرفين (النصرة).
وخلص لوند إلى أن "المدن قد تسقط ثم تستعاد، المعارك قد تنتهي بالربح أو بالخسارة (...) لكن لا يمكن الانتصار في حرب مثل الحرب السورية، بالقدر نفسه الذي لا يمكن التغلب على وباء أو على زلزال". (فرانس24/أ ف ب)
اضف تعليق