التطورات الأخيرة للحرب في سوريا، والانجازات التي يحققها الجيش السوري وحلفاؤه تباعاً، بما بات يسمى إسرائيلياً "مسار الانتصار"، تضع تل أبيب أمام خياراتها التي تقرّ بأنها باتت متقلصة جداً. مع ذلك، تحذر تل أبيب من المسار الصعب والنتيجة المرة التي تخشاها: انتصار الرئيس السوري بشار الاسد وحلفائه، وتضرّر مصالحنا.
مع ذلك، تدرك تل أبيب أن قدراتها الذاتية قاصرة عن تحقيق منع التغيير في المسار السوري، وهي تمتنع عن تكرار خطأ أنقرة في مقارعة التدخل الروسي، وتقر بالتغيير وحتميته، رغم بقاء الامل بأن يحمل المستقبل عوائق قد تمنع انتصار أعدائها في الساحة السورية.
صحيفة "هآرتس"، التي نقلت أمس التقديرات الإسرائيلية حول التطورات الاخيرة في الساحة السورية، أشارت إلى أن "إسرائيل تعمل على تغيير نظرتها إلى الحرب في سوريا، وهو تغيير جاء نتيجة للإنجازات التي حققها الجيش السوري بمساعدة من روسيا وإيران، والتخوف من انتصار النظام، الذي سيؤدي بالتبعية الى انتصار إيراني".
مع ذلك، تؤكد الصحيفة أنّ تغيير النظرة الاسرائيلية إلى الساحة السورية لن يترجم خطوات عسكرية، لكن "ما يبدو لإسرائيل، والمثير للقلق، هو أن النظام وداعميه يتقدمون ميدانياً، في موازاة عدم المبادرة من قبل الغرب الذي يتقاعس عن مساعدة الثوار المعتدلين".
حتى اليوم، أضافت "هآرتس"، امتنعت إسرائيل عن إعلان موقف يصبّ في مصلحة المتحاربين في سوريا، وحرصت على عدم التدخل النسبي والاقتصار في الدفاع عن مصالحها المعلنة (الخطوط الحمراء)، وفي مقدمتها منع نقل سلاح نوعي من سوريا الى حزب الله في لبنان، و"عملياً خدمت الحرب مصالح إسرائيل الى حدّ كبير، إذ إنها أضرّت جداً بالجيش السوري، وأدت الى تفكيك غالبية مستودعات الأسلحة الكيميائية الضخمة لسوريا"، مؤكدة أن "إسرائيل تمنّت أن تتواصل الحرب لسنوات أخرى من دون حسم".
"تحديث الموقف الاسرائيلي"، تشير الصحيفة، "لا يتم إعلانه على الملأ، كي لا يتسبّب في إغضاب الاميركيين الذين يبدون تردداً في سوريا، كما يهدف الى عدم إغضاب الروس في ظل سعي إسرائيل للحفاظ على علاقة معقولة معهم". مع ذلك، فإن الموقف الاسرائيلي يتلخص في الآتي: "انتصار نظام (الرئيس السوري بشار) الأسد سيكون سيّئاً لإسرائيل، لأنه يعني، أيضاً، نجاح إيران وحزب الله, المسألة لم تنته بعد. فرغم التدخل الروسي والخلافات في صفوف المعارضة، فإن الاخيرة ما زالت بعيدة عن الاستسلام، وعلى الغرب أن يستيقظ من جموده، وأن يرسل قوات عسكرية كبيرة لتشكل قوة عسكرية ثالثة في سوريا، بالإضافة الى قوات سنية أقل تطرفاً وميليشيات كردية، كي تحارب النظام السوري الى جانب محاربة داعش في الوقت نفسه".
وتضيف "هآرتس" أنّه من وجهة النظر الاسرائيلية، فإن انتصار الاسد سيّئ جداً، وهو بالتبعية سيعزز مكانة إيران التي هي في الاساس تعزّزت منذ توقيع الاتفاق النووي ورفع العقوبات، "وسيطرة النظام على الحدود في الجولان التي يسيطر عليها المتمردون بنسبة 90 في المئة، سيؤدي الى احتكاك بين إسرائيل وحزب الله والحرس الثوري الايراني، في سوريا".
من ناحية أخرى، شدد موقع صحيفة "يديعوت أحرونوت"، عبر المعلق الامني في الموقع، رون بن يشاي، على "غياب الاستراتيجية الاميركية في سوريا"، باعتبارها أحد أهم تمظهرات المشهد السوري والمنطقة، لافتاً الى أن "المعسكر المؤيد للنظام والحليف الروسي، يحرصان على العمل الهادف والمنسق وتحقيق النتائج المنسجمة مع الاستراتيجية الموضوعة من قبلهم". وبحسب الموقع، فإن "التطورات الحاصلة في سوريا تقلق جهات التقدير في إسرائيل والدول العربية الموالية للغرب، وتحديداً من أداء إدارة الرئيس الاميركي باراك أوباما، في الشرق الاوسط عموماً، وفي سوريا خصوصاً".
وينقل الموقع عن مسؤول سياسي إسرائيلي رفيع المستوى قوله إن التهديد الاستراتيجي والعملي الرئيس الذي تواجهه إسرائيل مصدره المحور "الشيعي" بقيادة إيران، وليس من "السلفية الجهادية السنية"، من "داعش" و"القاعدة"، وهو الامر الذي دفع إسرائيل الى موقف واضح: استقرار سلطة الأسد أكثر خطراً على المصالح الإسرائيلية من استمرار الفوضى في سوريا.
إلى ذلك، كشفت القناة الأولى في التلفزيون الإسرائيلي أنّ الهزائم التي ألحقت بتنظيم "داعش" في سوريا، بمساعدة الغارات الجوية الروسية، تثير القلق في "المحور المعتدل" في المنطقة. أي أنّ القلق لا يقتصر على تركيا، بل يشمل أيضاً كلاً من الأردن والسعودية، و"نتيجة لذلك تنشط الاتصالات والاستشارات بين هذه الدول وإسرائيل، والإعراب عن الانزعاج من التدخل الروسي والتطور الحاصل في سوريا". وتكشف القناة أن نتائج الاتصالات في هذه المرحلة تقتصر على التشاور وتبادل الآراء والمعلومات الاستخبارية، ولم تصل إلى أبعد من ذلك.
اضف تعليق