يستثمر أثرياء وادي السيليكون ونخبة المجتمع البريطاني مبالغ ضخمة في تقنيات "البايو هاكينغ" لإطالة العمر، لكن الأدلة العلمية على فعاليتها لا تزال محدودة. بينما يروج رواد المجال لعلاجات جذرية، تبقى الشيخوخة حتى الآن تحدياً لم يُحسم، وسط مخاوف اقتصادية وأخلاقية حول تداعيات إطالة الحياة.
تفتح الأبواب الأوتوماتيكية على ردهة واسعة تشبه إلى حد كبير مركبة فضائية. يجلس رجال صغار السن والمظهر على كراسي جلدية بيضاء، وأنابيب التنقيط الوريدية المتوهجة موصولة بأذرعهم. في إحدى الزوايا، يجلس رجل يرتدي قناعاً يبدو وكأنه معدات غوص متصلة بجهاز حاسوب. تصدر الأجهزة أصواتاً متقطعة، وأطباء يرتدون معاطف المختبر يهمسون في ما بينهم.
مركز "Hum2n" في حي تشيلسي، أحد أول مراكز "البايو هاكينغ" (التلاعب البيولوجي) في لندن، إذ تقدم علاجات متقدمة في صناعة إطالة العمر المتنامية. ذلك القناع الغامض هو في الواقع جهاز ReOxy، المصمم لمحاكاة ظروف انخفاض الأوكسجين بهدف تحفيز أداء الرئتين والقلب، وتسريع عملية الأيض. يقود هذا المركز الدكتور محمد عنايات، وهو رائد في هذا المجال، يدير فريقاً من 28 شخصاً ويخطط لافتتاح مزيد من العيادات في لندن والمملكة العربية السعودية.
حين يصبح الجسد مختبراً شخصياً
بحسب صحيفة "تليغراف" البريطانية، يعيش الدكتور عنايات، البالغ من العمر 40 سنة، وفقاً للمبادئ التي ينادي بها، إذ يسافر حول العالم لتجربة العلاجات الجديدة قبل تقديمها إلى مرضاه. يحصل مرتين شهرياً على حقن وريدية من NAD (نيكوتيناميد أدينين دينوكليوتيد)، وهو مركب يستهدف "أدينوسين ثلاثي الفوسفات" ATP، المصدر الأساس للطاقة في الخلايا. كما يتلقى بانتظام حقناً من Cerebrolysin، وهو خليط من الببتيدات المستخرجة من أدمغة الخنازير، لدعم صحة الدماغ، إضافة إلى Epitalon لتحفيز الغدد على إنتاج الخلايا الجذعية. ولتنقية جسمه، يخضع لعلاج الأوزون الوريدي، ويسافر إلى كاليفورنيا للحصول على حقن "الإكسوزومات" Exosomes [وهي حويصلات صغيرة تفرز بشكل طبيعي من قبل الخلايا، وتؤدي دوراً مهماً في التواصل الخلوي. وهي تحوي بروتينات، ودهوناً، ومواد وراثية ما يسمح لها بالتأثير في وظائف الخلايا المستهدفة] المستمدة من الخلايا الجذعية.
وحول هذا يقول الدكتور عنايات: "أفعل ذلك من أجل الحيوية على المدى القصير والمتوسط والطويل، من أجل الطاقة، والمزاج، ولمنع تقدم الأمراض. باختصار، التمتع بالصحة على المدى الطويل".
الخلود: هوس الأثرياء الجدد
بحلول عام 2025، لم يعد السؤال الملح بين نخبة المجتمع البريطاني ووادي السيليكون هو"من أنا؟" بل أصبح "كيف أصبح خالداً؟".
العالم الوراثي الشهير في هارفرد ديفيد سينكلير، أحد نجوم مجال إطالة العمر، ناقش هذا الأمر أخيراً على منصة (إكس) كتب: "إذا بلغت 100 عام وشعرت كما تشعر الآن، هل ستختار الموت؟ بالطبع لا. لذا، فالسؤال ليس إلى متى تريد أن تعيش، بل متى تريد أن تبدأ بالضعف والمرض؟".
"تليغراف" قالت إنه في أوساط الأثرياء، أصبح من المعتاد إنفاق مبالغ طائلة على أحدث تقنيات "البايو هاكينغ"، لكن اللافت أن معظم المهتمين بذلك هم من الرجال. أما النساء القادرات مالياً على اتباع المسار نفسه، فيترددن خوفاً من أن يجدن أنفسهن يعتنين بأزواجهن المسنين، أو يلاحقن أحفاد أحفادهن وهن يعانين التجاعيد وأعراض سن اليأس. وتضيف الصحيفة: ثم هناك الجوانب الاقتصادية لهذه المسألة. إذا عشنا أكثر من قرن، من سيقوم بدفع الكلف؟ بالتأكيد ليس أولادنا.
لكن الأثرياء الذين يمولون أبحاث الخلود ليس لديهم هذه المخاوف. ففي حين كان اقتناء اليخوت الفاخرة رمزاً للثروة، أصبحت "الشيخوخة الصحية" هي الهوس الجديد للأغنياء. فعلى سبيل المثال، ينفق رجل الأعمال برايان جونسون مليوني دولار سنوياً بهدف العيش لفترة أطول، مؤكداً أنه "يستثمر من أجل العلم". وعام 2022، استثمر سام ألتمان، مؤسس شركة "أوبن أي آي" OpenAI، 180 مليون جنيه استرليني في شركة "Retro Biosciences"، التي تهدف إلى إضافة 10 سنوات إلى متوسط العمر الصحي للإنسان. أما الملياردير بيتر ثيل، الشريك المؤسس لشركة "باي بال" PayPal، فضخ 3.5 مليون دولار في مؤسسة "Methuselah"، التي تسعى إلى جعل الإنسان في عمر الـ90 يبدو وكأنه في الـ 50 بحلول عام 2030.حتى جيف بيزوس، ومارك زوكربيرغ، وسيرغي برين ولاري بيج من شركة "غوغل"، ضخوا ملايين الدولارات في شركات مثل "Altos"، التي تهدف مختبراتها في كامبريدج إلى "عكس مسار الأمراض والإصابات".
وكالات
س ع
اضف تعليق