نشرت مجلة "سايكولوجي توداي" الأمريكية تقريرا، يسلط الضوء على الآراء المتضاربة حول تأثيرات الشاشات على الأطفال والمراهقين، حيث أنجز باحثون واختصاصيون دراسات عديدة للنظر في قضية الشاشات، وما إذا كانت تؤثر على نمو الدماغ أو يمكن اعتبارها مسببة للإدمان، في وقت تتزايد فيه مخاوف وحيرة الآباء إزاء شاشات الأجهزة الإلكترونية التي باتت تحتل حيزا كبيرا من وقت أبنائهم.
وقالت المجلة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن هناك دراسة يتم إجراؤها حاليا في الولايات المتحدة، تصل كلفتها إلى 300 مليون دولار، ممولة من المعهد الأمريكي لأبحاث الصحة، وستستمر لمدة 10 سنوات، ويشارك فيها 11 ألف طفل، في 21 مركز أبحاث.
ويأمل الباحثون، بحسب المجلة، أن تمكنهم هذه الدراسة من الإجابة عن أسئلة هامة، مثل تأثير شاشة الأجهزة الإلكترونية على نمو الدماغ، وما إذا كان يمكن اعتبار هذه الشاشات مسببة للإدمان.
وذكرت المجلة أنه يتوجب الانتظار لوقت طويل من أجل رؤية نتائج هذه الدراسة، ولكن في الأثناء، يحذر بعض الباحثين وأطباء الأطفال وعلماء النفس، من تأثيرات هذه الشاشات على الإنسان، بناء على الدراسات وعمليات الملاحظة التي يقومون بها.
في المقابل، هناك أبحاث أخرى حول تأثير شاشات الأجهزة الإلكترونية على الإنسان، التي تفند المخاوف والتحذيرات المنتشرة، والاعتقادات السائدة بهذا الشأن، وتدعو للتروي في تقييم هذه التكنولوجيا.
وكان كاتب المقالات العلمية بينيدكت كاري قد نشر مقالا في "نيويورك تايمز" الأمريكية، يحذر فيه من القفز إلى الاستنتاجات في هذا الموضوع، وينصح بتوخي التفكير النقدي العقلاني، لملاحظة تأثيرات شاشة الأجهزة الإلكترونية على الدماغ والصحة.
وأشارت المجلة إلى أن أولياء يالأمور يشعرون بالحيرة أمام هذه الآراء المتضاربة، وهو ما يزيد من قلقهم ومخاوفهم. ولكن نظرة سريعة على التاريخ، تظهر أنه لطالما كان البشر يتوجسون من كل الظواهر الجديدة، بداية من الكتب، ثم اختراع الهاتف، ثم ظهور ألعاب الفيديو، وفي كل مرة تنتشر تكنولوجيا أو وسائط إعلامية جديدة، ترافقها تساؤلات صحية وأخلاقية.
وذكرت أن الآباء والأمهات، عندما يكون لديهم طفل صغير أو مراهق يستمر بالتحديق في شاشته طوال اليوم، فإنهم لن يستطيعوا الانتظار لمدة 10 سنوات حتى انتهاء الدراسة الأمريكية، إذ إنهم يريدون أن يعرفوا الآن تأثير تلك الشاشات على أبنائهم.
وفي أغلب الحالات، يجب أن تكون الإجابة عن السؤال الملح حول تأثيرات الهواتف الذكية على المراهقين، هي أن هذا الأمر مرتبط بعديد العوامل والمتغيرات. والحقيقة هي أنه لن تكون لدينا أبدا قاعدة علمية أو نصيحة تنطبق على الجميع.
إضافة إلى ذلك فإن التكنولوجيات وطريقة استخدامنا لها تتطور بشكل سريع، ولذلك لا يتمكن الباحثون من مجاراة هذا التطور وتقييم الأمور بشكل معمق.
ويبدو أن من يبحثون عن إجابة عن تساؤلاتهم بشأن هذا الموضوع، ستزداد حيرتهم عندما تكون الإجابة هي أن هذا التأثير يعتمد على خصوصيات كل شخص. ففي الواقع، توجد العديد من الأغراض وطرق استخدام هذه الأجهزة التكنولوجية المتطورة، ويجب علينا أن نستوعب أن تأثيرها مرتبط بنمط استعمالها لدى كل شخص.
وأكدت المجلة أن تأثير شاشات الأجهزة الإلكترونية على الإنسان، يختلف بحسب التجارب والأشياء التي نستخدمها فيها، وعلى سبيل المثال فإن فتاة مراهقة تستخدم هي وصديقاتها هذه الأجهزة الإلكترونية لتطوير البرمجيات وتصميم تطبيق هاتف ذكي يسهل جمع التبرعات لمنظمة خيرية، هو عمل إيجابي يجب التشجيع عليه.
ولكن طفلا في عمر الخمس سنوات، يمارس ألعاب الفيديو لمدة ست ساعات يوميا، ويستمر في اللعب خلال الليل رغم أنه سيذهب في الصباح للمدرسة، هو تصرف مضر بالصحة.
وحذرت المجلة المراهقين الذين يقومون بكتابة الرسائل النصية القصيرة والمحادثة على شبكات التواصل الاجتماعي أثناء قيادة السيارة، وتحذر أيضا من السماح للأطفال بمشاهدة مقاطع الفيديو التي تحتوي على العنف والإباحية.
وبحسب المجلة، فإنه يجب أن نتفق جميعا على أنه هنالك بعض استخدامات الأجهزة الإلكترونية التي تسبب ضررا بالغا، ويجب عدم التسامح معها إطلاقا، مثل قيام بعض الأطفال باستخدام حساباتهم على شبكات التواصل الاجتماعي لتوجيه الإهانات للآخرين وكيل الشتائم والتقليل من شأنهم.
ولا بد من الحذر من تشتت الانتباه أثناء قيادة السيارة، حيث إن هذه الظاهرة باتت مقلقة بشكل كبير، لأنها تسببت في السنوات الأخيرة في ارتفاع عدد القتلى والجرحى جراء حوادث السير.
وفي المقابل هنالك بعض الاستخدامات الأخرى للهاتف التي تعتبر عادية، بل ومفيدة ومنصوحا بها، مثل استخدامه للترفيه، وتلقي رسائل البريد الإلكتروني، والتواصل مع الآخرين على شبكات التواصل الاجتماعي، وإنتاج أشياء مفيدة في إطار العمل.
وبينت المجلة أن أفضل مقاربة في التعامل مع هذه الأجهزة، هي تجنب الإفراط في استخدامها، مهما كانت مفيدة. إذ إننا حتى نحافظ على سعادتنا وصحتنا، يجب أن لا نغفل عن الحصول على احتياجاتنا النفسية والفيزيولوجية الأساسية كبشر، وهي بالأساس الحصول على قسط كاف من النوم، وممارسة الرياضة والأنشطة البدنية يوميا، والتواصل مع الآخرين بشكل شخصي.
وشددت على أن هناك عددا كبيرا من الأبحاث التي وثقت فوائد هذه الأنشطة الثلاثة، التي يحتاج إليها كل إنسان دون استثناء. ولذلك فإنه مهما كنا نستخدم الشاشات لأغراض مفيدة، فإن الإفراط في ذلك سوف ينقلب إلى الضد، ويسبب للإنسان ضررا جسديا ونفسيا كبيرا.
وينبغي على الأولياء وضع قواعد تنظم علاقة أطفالهم بشاشات الأجهزة الإلكترونية، مع البدء في ذلك في سن مبكرة، لضمان عدم تأثير هذه الأجهزة على احتياجاتهم المذكورة.
وفي الختام، أكدت المجلة ضرورة أن يكون الوالدان قدوة لأطفالهم في هذا الإطار، من خلال الابتعاد عن الشاشات من وقت لآخر، وتخصيص مدة زمنية للجلوس مع الأطفال.
وكالة النبأ للأخبار/ عربي 21
اضف تعليق