هل تساءلت من قبل كيف تعمل عقول كُتاب الخيال العلمي وكيف تتصور أذهانهم العوالم المستقبلية؟ في 31 ديسمبر/كانون الأول عام 1983 تنبأ كاتب الخيال العلمي الكبير إسحق عظيموف بما سيكون عليه شكل العالم بعد 35 عاماً، في عامنا الجديد 2019. كانت معظم توقعات عظيموف حول الحوسبة دقيقة، بينما كانت توقعاته بشأن الفضاء متفائلة أكثر من اللازم. فلنتعرف على الكاتب، وأهم ما توقعه.
وُلد إسحق عظيموف في روسيا في يناير/كانون الثاني 1920، وسافر برفقة أسرته إلى نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية، وتخرج في جامعة كولومبيا في عام 1939. حصل على درجة الدكتوراه في الكيمياء في نفس الجامعة في عام 1948. الكاتب صاحب مجموعة قصص I, Robot التي بدأ كتابتها في عام 1940، وجمعت في كتاب واحد في عام 1950. اقتبس من تلك المجموعة القصصية فيلم I, Robot الذي قام ببطولته ويل سميث في عام 2004، ورُشح للفوز بجائزة أوسكار أفضل مؤثرات بصرية. كذلك وضع عظيموف قوانين ثلاثة تنظم شيفرة أخلاقية لعمل الروبوتات وهي:
لا ينبغي لروبوت أن يؤذي إنساناً، أو يترك إنساناً في خطر دون مساعدة.
ينبغي على كل روبوت أن يطيع أوامر الإنسان، إلا إذا تعارض ذلك مع القانون الأول
ينبغي على كل روبوت أن يحمي وجوده، طالما لا يتعارض ذلك مع القانونين الأول والثاني.
في سلسلة قصص الأساس Foundation، توقع عظيموف مستقبل البشرية بعد انهيار الإمبراطورية المجرية، ثم جمع القصص المكتوبة بين عامي 1942 و1949، ونشرت باعتبارها ثلاثية كتب الأساس؛ وهي الأساس 1951، والأساس والإمبراطورية 1952، والأساس الثاني 1953. ألف عظيموف ما يقارب 500 كتاب، ولم تكن في الخيال العلمي فقط، بل شملت الفلك والأحياء، والرياضيات. وتوفي عظيموف في أبريل/نيسان 1992 عن عمر يناهز 72 عاماً جراء إصابته بالقصور والفشل الكلوي كمضاعفات لإصابته بعدوى فيروس نقص المناعة البشرية HIV عن طريق نقل دم ملوث أثناء إجراء عملية جراحية في عام 1983.
إذا اندلعت الحرب النووية، فلا داعي للتفكير في المستقبل
لم يكن تنبؤ عظيموف بالمستقبل عبر كتبه ومؤلفاته فقط، ففي 31 ديسمبر/كانون الأول عام 1983، سجل الكاتب إسحاق عظيموف تنبؤاته بشأن المستقبل، وما سيكون عليه عام 2019، في مقال في تورنتو ستار. وكما ذكرنا فقد كتب عظيموف هذا المقال على أعتاب عام 1984، وباعتبار أن رواية جورج أورويل الشهيرة «1984»، والتي كانت قد صدرت في عام 1949 ومرّ على نشرها 35 عاماً، فقد اختار عظيموف أن يتنبأ هو الآخر بما سيكون عليه العالم بعد مرور 35 عاماً أخرى، وهو عامنا الحالي 2019. استهل عظيموف مقاله بالحديث عن الحرب النووية، فقال إنه من غير المجدي تخيل مستقبل المجتمع إذا قامت الحرب النووية بين الولايات المتحدة، والاتحاد السوفيتي في أي وقت في الفترة ما بين كتابة المقال وعام 2019، فستؤدي توابع الحرب النووية إلى بؤس عالمي. لذا فقد نحّى هذا التوقع جانباً ليتمكن من توقع المستقبل وبالتحديد بعد 35 عاماً.
من المستحيل العيش بدون تكنولوجيا.. توقعات عظيموف بشأن الحوسبة
توقع عظيموف استمرار تقدم الحوسبة دون شك إلى الأمام، وأوضح أن الحواسيب أصبحت بالفعل ضرورية للصناعة العالمية، والحكومات، وكذلك بدأت تحتل أماكنها في المنازل. كما توقع للروبوتات أو كما أطلق عليها الحواسيب المتنقلة أن تستخدم في المنازل، كما استخدمت في الصناعة. وبعد اختراق تلك الروبوتات جميع المنازل، سيكون من المستحيل العيش بدون تكنولوجيا. وبالطبع، سوف تغير الحواسيب عادات العمل، كما تستبدل بعض الوظائف القديمة بأخرى مختلفة جذرياً. وأوضح عظيموف أن هذا التغير في عادات العمل قد حدث من قبل بعد الثورة الصناعية؛ حينما تحول البشر من العمل في الزراعة إلى الصناعة. وقال إن الحوسبة لا تعني وظائف أقل، وأنها سوف تخلق وظائف أكثر مما قتلت. حسب تنبؤات عظيموف قبل 35 عاماً، فإن الروبوتات ستقتل الأعمال الروتينية والمكتبية والتجميعية المعروفة ببساطتها، وتكرارها، ولكن ستنشأ وظائف جديدة من أهمها تصميم، وتصنيع، وتركيب، وصيانة، وإصلاح أجهزة الحواسيب والروبوتات نفسها، كما تنشأ وظائف أخرى تنطوي على فهم الحواسيب لتجعل استمرار تلك الأجهزة ممكناً. وكما نرى اليوم، فالتكنولوجيا قد اخترقت المنازل بالفعل، ولا تخلو أيادي الشباب، أو الكبار، أو الصغار من الهواتف الجوالة، كما انتشرت الحواسيب في جميع المصالح الحكومية، وكذلك المنازل. أما عن الوظائف، فقد ظهرت بالفعل وظائف جديدة منها برمجة الحواسيب، وصيانتها، وبرمجة شبكات الإنترنت، وغيرها من الوظائف المتعلقة بالتكنولوجيا.
تَعَلُّم الكمبيوتر سيكون لزاماً على الجميع لمواكبة العصر
أما عن التعليم، فقال عظيموف إن المجتمع سيكون في حاجة إلى تغيير طبيعة التعليم، وسيتوجب على الجميع تعلم الكمبيوتر، وكيفية التعامل مع عالم التكنولوجيا. وقد تحقق ذلك بالفعل، فأصبح تعلم الحاسب الآلي إلزامياً في المدارس، وبات تعلم أساسيات التكنولوجيا شرطاً للحصول على وظيفة. وأوضح أن هذا حدث أيضاً أثناء الثورة الصناعية، فكان لا بد أن تتلقى الأيدي العاملة بالصناعة تعليماً أكثر من أولئك الذين يعملون بالزراعة. وتوقع أن هذا التحول في التعليم سيكون صعباً للكثيرين، لأنه سيحدث بشكل أسرع مما يستطيع الجميع إدراكه، وسيجد الملايين من غير المدربين أنفسهم عاجزين عن القيام بالوظائف الجديدة التي يكونون في أمس الحاجة إليها. وقال إن هذه الفترة الانتقالية تكون قد انتهت بحلول عام 2019، ويعمل من أتموا تدريبهم وتعليمهم في الوظائف الجديدة، ومن لم يتمكنوا من ذلك، فإما يعملون في وظائف أخرى، أو أنهم سيكونون مدعومين من الشؤون الاجتماعية. كان من بين توقعاته أيضاً أن تحدث ثورة في التعليم بسبب التكنولوجيا، وسيكون التعليم التقليدي شيئاً عتيقاً، فيتمكن الأطفال من معرفة كل ما يريدون عبر الحواسيب الموجودة في منازلهم. وقال إن المدارس ستظل موجودة، ولكن مهما كان المدرس جيداً، فلن يستطيع مجابهة الكمبيوتر الخاص بأحد الطلاب في إرضاء فضوله. وستكون هناك فرصة لكل شخص أن يتعلم ما يريده في أي وقت، بطريقته الخاصة. وستزداد متعة التعلم، لأنها ستأتي بدافع من داخل الشخص وفضوله، ولا يكون مجبراً عليها من الخارج. وقد حدث ذلك، فأصبح في الإمكان الوصول لأي مادة تعليمية من خلال شبكات الإنترنت.
الاقتراب من هزيمة النمو السكاني، والتلوث، والنزعة العسكرية
توقع عظيموف أن تكون مرحلة الانتقال مؤلمة بالنسبة للحكومات بسبب التزايد المستمر في أعداد السكان، وستصبح الجهود المبذولة لتشجيع خفض معدل المواليد أكثر شدة وثباتاً، وأمل أن يتحرك العالم ككل لمكافحة الارتفاع السكاني في عام 2019. لكن اليوم على الرغم من أن هناك دولاً تحاول التغلب على مشكلة النمو السكاني مثل مصر، وأوزبكستان، والهند، نجد أن هناك دولاً أخرى تحاول جاهدة رفع معدلات الإنجاب لدى سكانها، ومنها روسيا، وهولندا، كما أوقفت الصين سياسة الطفل الواحد التي كانت تتبعها لخفض أعداد مواليدها. كما توقع أن تظهر أثار النفايات والملوثات وتكون أكثر وضوحاً، ولكنه كان يأمل أنه بحلول عام 2019، سيساعد التقدم التكنولوجي على عكس التدهور البيئي، وبالفعل باتت مشكلة التلوث تهدد حتى حياة المخلوقات البحرية في المحيطات، بالإضافة لحياة الإنسان، نتيجة الاحتباس الحراري العالمي. قال عظيموف أيضا إنه سيكون هناك تعاون متزايد بين الأمم، ولن يكون هذا من باب المثالية، وإنما سيكون بعد إدراك الجميع أن أي شيء أقل من هذا التعاون يعني تدمير الجميع. وقال إنه ربما بحلول عام 2019، ستتفق الدول على السماح للكوكب بالعيش تحت حكومة عالمية، على الرغم من ذلك، فلن يعترف أحد بوجودها.
البشر سيعودون إلى القمر ليس لجمع الصخور.. وإنما لبناء مصانع في الفضاء
كان عظيموف متفائلاً بشأن الفضاء، فقال إننا سنتجه إلى الفضاء كي نستطيع البقاء، وسيصبح المكوك الفضائي مثل السيارة، وستكون هناك محطة فضائية كنقطة الأساس التي تجعل الفضاء مكاناً دائماً يستوعب أعداداً متزايدة من البشر. وتنبأ إن البشر سيعودون إلى القمر ليس لجمع الصخور، ولكن من أجل التعدين، ومعالجة تربة القمر، والاستفادة منها مع المواد الأخرى لإنشاء بنى كبيرة توضع في مدار الأرض، وأنه ستكون هناك محطة طاقة شمسية تكون قادرة على تجميع الطاقة الشمسية، وإرسالها إلى الأرض على هيئة أشعة ميكروية. وستكون تلك المحطة أول ما سيبنى في مدار الأرض، وستأتي بعدها العديد من الهياكل الأخرى لتضمن السلام العالمي، والتعاون المستمر بين الدول، فجزء كبير من الطاقة التي تحتاجها الأرض سوف تأتي من الشمس، وبما أن الطاقة ضرورية للجميع، فسوف تحيا الدول في سلام، ويبقى خيار الحرب مستبعداً بسبب المطلب الشعبي. كما توقع أن يتم بناء مراصد في الفضاء، وكذلك مختبرات لإجراء التجارب التي قد تكون مستحيلة أو غير آمنة على الأرض. كما أن بناء المصانع في الفضاء سيمكن من الاستفادة من درجات الحرارة العالية والمنخفضة، والإشعاع القوي، والفراغ غير المحدود، وانعدام الجاذبية لتصنيع ما يستحيل تصنيعه على الأرض. وقال إنه بحلول عام 2019، ستكون تلك المشاريع قيد التخطيط، للاستفادة من تحويل الصناعات إلى الفضاء الذي يعتبر مستودعاً أكبر لاستيعاب النفايات الناتجة عن الصناعة، وستجرف تلك النفايات إلى ما هو أبعد من حزام الكويكبات بواسطة الرياح الشمسية. وقال إنه بحلول عام 2019، فستكون هناك رسوم تخطيطية لأول مستوطنة في الفضاء، أو أنها ستكون تحت الإنشاء الفعلي. وأتبع ذلك بأن هذه ربما تكون المرة الأولى التي يعيش فيها البشر بعشرات الآلاف في مجتمعات صغيرة تضم جميع أنواع البشر. استقراء عظيموف للمستقبل في هذا الاتجاه لم ينجح، وجاءت توقعاته خاطئة، فلا وجود لمصانع في الفضاء، ولا وجود لمحطة طاقة شمسية تجمع الطاقة الشمسية، وتعيد إرسالها إلى الأرض على هيئة أشعة ميكروية. على الرغم من أن توقعات عظيموف بشأن الفضاء مبالغ بها بعض الشيء إلا أن عام 2019 سيشهد عدداً من الأحداث الفضائية لا بأس بها، وقد بدأت بالفعل بإرسال وكالة ناسا الأمريكية مركبة فضاء إلى أبعد جرم سماوي وصل الأحداث عند هذا الحد؛ فهناك تنافس بين الهند وإسرائيل على الوصول للقمر. كما تستعد روسيا لإنشاء مستعمرة على القمر بحلول عام 2040.
تنبأ بالاتصالات المرئية قبل أكثر من 50 عاماً
لم تكن تلك المرة الأولى لعظيموف التي يتنبأ فيها بالمستقبل، ففي 16 أغسطس/آب 1964، نشر توقعاته في نيويورك تايمز لما سيكون عليه العام 2014؛ أي ما بعد كتابة مقاله بخمسين عاماً. جاءت هذه التوقعات بعد استضافة مدينة نيويورك المعرض الدولي في عام 1964. وفي البداية أيضاً نحّى الحرب النووية جانباً، وقال إن المستقبل لن يستحق المناقشة إذا ما اندلعت تلك الحرب. وكان من أبرز توقعاته آنذاك أن الاتصالات ستكون مسموعة ومرئية في آن واحد عبر الهاتف، كما توقع إمكانية الاتصال الهاتفي المباشر بأي مكان، بما في ذلك محطة الأرصاد الجوية في القارة القطبية الجنوبية. وبالطبع تطرق لوجود الروبوتات، ولكن قال إنها لن تكون شائعة بعد. وفي أواخر العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، كانت بعض تنبؤات عظيموف قد تحققت بالفعل، فأصبح من المتاح إجراء مكالمات فيديو منخفضة التكلفة، كما أصبح من الممكن الاتصال الهاتفي بالقارة القطبية الجنوبية. ولكن لم يحالف عظيموف الحظ آنذاك في توقعاته بشأن الفضاء، إذ توقع إجراء محادثات بين الأرض والقمر بواسطة أشعة الليزر عبر تقنية تمنع التداخل مع الغلاف الجوي. ولم يقتصر الأمر على القمر، بل توقع إجراء محادثات أخرى مع المريخ.
اضف تعليق