في إطار جهوده لتعزيز الثقافة القانونية ودعم الإصلاح التشريعي، أعلن ملتقى النبأ للحوار عن صدور بحث قانوني بعنوان "يناسب العقوبات السالبة للحرية في مكافحة جرائم الفساد المالي والإداري"، لكل من الدكتورة منى عبد العالي موسى والدكتور نافع تكليف مجيد العماري.

تناول اليحث واحدة من أكثر القضايا إلحاحاً في العراق، وهي مدى فعالية العقوبات السالبة للحرية، مثل السجن، في ردع جرائم الفساد التي تنخر في مفاصل الدولة ومؤسساتها.

مقدمة البحث: الفساد وتحدي الردع

ينطلق البحث من مبدأ قانوني أساسي هو مبدأ التناسب في العقوبة، الذي يفترض أن تكون العقوبة متناسبة مع جسامة الفعل الإجرامي.

ويشير البحث إلى أن جرائم الفساد المالي والإداري أصبحت أكثر انتشارًا وتعقيدًا في ظل التحولات السياسية والاقتصادية والتكنولوجية.

وهو ما يطرح تساؤلات جدية حول مدى قدرة النصوص الجزائية التقليدية على الردع، حيث بدأت هذه النصوص تفقد فاعليتها، ولم تعد العقوبات السائدة كافية لوقف تنامي الفساد أو تقليصه.

مشكلة البحث: فجوة التناسب

يركّز البحث على مشكلة مركزية تتمثل في عدم تناسب العقوبات السالبة للحرية مع جسامة جرائم الفساد، مما أدى إلى ضعف في الردع العام والخاص، وبالتالي إلى استمرار الظاهرة واتساع رقعتها.

ويرى البحث أن هذا الخلل في التناسب يشكل تحديًا كبيرًا للمشرّع العراقي ويستدعي تدخلاً تشريعيًا عاجلاً لمعالجة الثغرات القانونية.

أهمية البحث: بين النظرية والتطبيق

يكتسب هذا البحث أهميتها من كونها تسلط الضوء على أحد أوجه القصور في النظام القانوني العراقي، وتقدم رؤية قانونية شاملة تهدف إلى إعادة التوازن بين الجريمة والعقوبة.

ويركز البحث على مدى ملاءمة العقوبات المقررة في قانون العقوبات العراقي لخطورة جرائم الفساد، كما تحاول رسم مسار قانوني أكثر فاعلية يضمن تحقيق الردع وحماية المال العام.

نطاق وخطة البحث

يقتصر البحث على تحليل الجوانب التشريعية الجنائية في العراق المتعلقة بالتناسب بين العقوبة السالبة للحرية وجرائم الفساد المالي والإداري، مع الإشارة إلى النصوص القانونية ذات الصلة في قانون العقوبات.

وقد قُسِّم البحث إلى مبحثين رئيسيين:

المبحث الأول: تناول ماهية مبدأ التناسب في العقوبة وتأثيره في جرائم الفساد.

المبحث الثاني: تطرق إلى طرق وآثار تفعيل هذا التناسب، مع خاتمة تلخص النتائج وتقدم مقترحات عملية للتعديل.

نتائج البحث: معطيات مقلقة ودعوات للتغيير

توصل البحث إلى جملة من النتائج الجوهرية، أهمها:

1. غياب التناسب في عدد من المواد القانونية التي تتعامل مع جرائم الفساد، ما يفقد العقوبة دورها في الردع.

2. جمود القوانين التي مرّ على إصدارها وقت طويل دون تحديث، رغم التطورات الحاصلة في الجرائم وأساليبها.

3. التناسب يمكن أن يكون أداة لكشف الجرائم، كما في حالة تخفيف العقوبة في حال تعاون الجاني أو أبلغ عن جريمة.

4. بعض العقوبات الواردة في القانون العراقي تُعد بسيطة ولا تتناسب مع حجم الجريمة، مثل الحبس في قضايا تزوير الوثائق أو عرض الرشوة.

5. العقوبات السالبة للحرية غير كافية لوحدها، ويجب إرفاقها بعقوبات بديلة مثل التصالح المالي أو العمل للمصلحة العامة.

المقترحات التشريعية: خارطة طريق للإصلاح

قدم البحث حزمة من المقترحات العملية التي تدعو إلى تعديل بعض النصوص القانونية في قانون العقوبات العراقي، أبرزها:

1. تعديل المادتين (275) و(276): لمعاقبة من يزوّر ختم أو علامة لدولة أجنبية بذات العقوبة المقررة لمن يزوّر ختم العراق، نظرًا لخطورة الجرم وانعكاسه على سمعة البلاد.

2. تشديد العقوبة في المادة (293): برفعها من الحبس إلى السجن لمدة لا تزيد على عشر سنوات لضمان تحقيق الردع.

3. إعادة النظر في المادة (296): عبر فرض الحبس والغرامة بدلاً من الحبس فقط، كون الجريمة تمس المصلحة العامة بشكل مباشر.

4. تعديل المادة (319): لتشمل السجن بدلاً من العقوبات البسيطة، نظرًا لأهمية العقود الحكومية التي قد تكون ذات طابع استراتيجي.

5. إضافة نص إلى المادة (321): يتيح للمحكمة الحكم برد الأموال المختلسة حتى بعد وفاة الجاني، بما يضمن عدم ضياع المال العام.

6. مراجعة المادة (313): بمعاقبة مرتكبها بالحبس والغرامة، كون عرض الرشوة يمثل تهديدًا للوظيفة العامة.

7. إدخال عقوبات بديلة: كخدمة المجتمع أو إقرار مبدأ الصلح المالي كما هو معمول به في بعض الدول.

خاتمة

يمثل هذا البحث الصادر عن ملتقى النبأ للحوار إضافة نوعية للنقاش القانوني حول فعالية الردع الجنائي في مكافحة الفساد، ويدعو بوضوح إلى إعادة هيكلة النظام العقابي بما يتناسب مع خطورة جرائم الفساد الإداري والمالي، وتوسيع دائرة الردع لتشمل آليات جديدة أكثر فاعلية.

وفي ظل ما يشهده العراق من تحولات حادة في مسار مكافحة الفساد، تبقى مثل هذه الدراسات الأكاديمية من الأدوات الحيوية التي تسهم في دفع عجلة الإصلاح التشريعي وتحقيق الشفافية وتعزيز الثقة بين المواطن والدولة.

اضف تعليق