دعا المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، اليوم الاثنين، الحكومة العراقية إلى اتخاذ جميع التدابير الممكنة لإنهاء التداعيات الخطيرة لظاهرة تشابه الأسماء والتي تسببت في السنوات الأخيرة باحتجاز أشخاص أبرياء وتقييد حريّتهم، ووصلت في بعض الحالات إلى إعدام أشخاص أبرياء لمجرد تشابه أسمائهم مع آخرين مشتبه بهم.
وقال المرصد الأورومتوسطي ومقرّه جنيف في بيان تابعته وكالة النبأ، إنّ ظاهرة "تشابه الأسماء" تتسبب بتقييد حرية وحركة آلاف العراقيين على نقاط التفتيش وفي المطارات ومراكز التوقيف نتيجة لتشابه أسمائهم مع أسماء مطلوبين على ذمة جرائم متعددة، إذ تقوم الجهات الأمنية في بعض الأحيان بالتعسف في احتجازهم، وتعذيبهم بما يُفضي إلى الوفاة.
وأضاف، أنّ ظاهرة "تشابه الأسماء" منتشرة منذ سنوات في مختلف المحافظات العراقية، ولكنّها تصاعدت على نحو لافت عقب انتهاء العمليات العسكرية ضد تنظيم "داعش"، إذ أصبح يعاني العراقيون منها بشكل أكبر نتيجة التشديدات الأمنية التي أعقبت العمليات العسكرية.
وأشار المرصد الأورومتوسطي إلى، أنّ ضحايا تشابه الأسماء في العراق يواجهون صنوفًا متعددة من الانتهاكات، تشمل التوقيف والاحتجاز وخصوصًا على نقاط التفتيش، والاتهام بالانضمام لجماعات إرهابية، والتعرض لمضايقات في المنافذ الجوية والبرية من خلال التحقيق والاستجواب الذي يتخلله في بعض الأحيان عمليات تهديد وتعذيب جسدي ونفسي.
ولم يتسن لفريق المرصد الأورومتوسطي التأكد من عدد الأشخاص الموقوفين على خلفية "تشابه الأسماء"، غير أنّ مصادر محلية تقّدر أعدادهم بعشرات الآلاف في مختلف المحافظات العراقية.
وفي إفادة سابقة لفريق المرصد الأورومتوسطي، قال "محمد الياسري" وهو ناشط مدني وشاهد عيان على حادثة وفاة "هشام محمد هشام" الذي اعتُقل عن طريق الخطأ، "إنّ هشام كان يعمل في شركة لنزع الألغام، حيث أوفدته الشركة إلى بغداد للعمل برفقة أحد زملائه، وأثناء عودتهما إلى البصرة فجر يوم الأربعاء 28 يوليو/تموز 2021، ألقت مجموعة أمنية القبض عليهما، ونقلتهما في سيارة عسكرية إلى مقر مكافحة إجرام البصرة رغم عدم وجود مذكرة قانونية للاحتجاز".
وأضاف الياسري، أنّه "بعد ساعتين أُفرج عن زميل هشام وبقي هو رهن الاحتجاز، حيث تعرّض لتعذيب شديد داخل المقر الأمني أدّى إلى تدهور صحته. ورغم حالته الصحية السيئة، تم إحالته عند الساعة التاسعة صباحًا إلى محكمة القزيزه بالبصرة، حيث أمر القاضي بإخلاء سبيله وإعادته لمقر مكافحة إجرام البصرة لأنّه ليس الشخص المطلوب. وفي حوالي الساعة العاشرة صباحًا، حضرت عائلته إلى المقر الأمني لتنقله إلى المستشفى بسبب معاناته من آثار التعذيب، لكنّ "هشام" فارق الحياة في الطريق إلى المستشفى على بعد نحو 3 كم من المقر الأمني.
وأفاد حينها مطلّعون على قضية "هشام" للمرصد الأورومتوسطي أنّ الضحية لم يكن هو الشخص المقصود، وأنّ المتهم المطلوب هو شخص آخر اسمه الأول "محمد"، لكنّ عملية تتبع رقم المتهم الحقيقي كانت خاطئة، إذ تم تتبع رقم الضحية هشام بدلًا من رقم الشخص المطلوب".
وفي حادثة أخرى مشابهة، أبلغ أحد أقرباء المحتجز "محمد الدبي" فريق المرصد الأورومتوسطي في وقت سابق، أنّ "محمد استُدعي من مقر مكافحة إجرام البصرة من أجل الشهادة في قضية جنائية، وعندما حضر للمقر تم احتجازه لمدة 10 أيام، وخلال هذه المدة استطاعت الأجهزة الأمنية العثور على القاتل الحقيقي، ما دفع عائلته للتوجه إلى المقر الأمني للمطالبة بالإفراج عن محمد، إلّا أنّ أفراد الأمن أبلغوهم أنّهم ينتظرون قرارًا قضائيًا للإفراج عنه.
وأضاف، أنّه "في 7 أغسطس/آب 2021، استقبلنا اتصالًا من أحد المستشفيات يبلغنا بوفاة محمد، وحينما ذهبنا لاستلام جثّته، وجدنا عليها آثار تعذيب واضحة".
وقال الباحث القانوني في المرصد الأورومتوسطي "عمر العجلوني، إنّ "استمرار هذه الظاهرة يعد مؤشرًا واضحًا على عدم اكتراث السلطات العراقية في العديد من الأحيان بأبسط حقوق المواطنين، فمسألة تشابه الأسماء لا ينبغي أن تتسبب بهذا الكم من المآسي مع أن حلّها التقني بسيط وسهل خاصة في ظل تطور تقنيات التعرّف على الأشخاص.
وأضاف العجلوني، أنّ السلطات العراقية توفّر مخصصات مالية كبيرة للمؤسسة العسكرية والأمنية، إذ خصصت في موازنة العام الماضي نحو 18.7 مليار دولار للمؤسسة العسكرية (تشمل وزارة الداخلية بجميع مؤسساتها الأمنية)، ما يعني أنّ المشكلة مرتبطة بأولويات صنّاع القرار أكثر من كونها مرتبطة بصعوبات مالية أو لوجستية.
وأكّد المرصد الأورومتوسطي، أنّ "استمرار مثل هذه الانتهاكات الخطيرة في ظل عدم وجود أي محاولات جادة لإنهائها -على الرغم من كونها لا تحتاج إلى جهود استثنائية- يدلل على تجاهل رسمي معيب للحقوق الأساسية للعراقيين، وفي مقدمتها الحق في الحياة، والحق في الحرية والسلامة الشخصية".
ودعا المرصد الأورومتوسطي السلطات العراقية، إلى فتح تحقيق عاجل في ملف ضحايا تشابه الأسماء، وفقاً لأحكام الدستور العراقي والقوانين النافذة تمهيدًا لتحقيق المساءلة القضائية، ومحاسبة المسؤولين عن الجرائم الناتجة عن هذه الظاهرة وتوفير سبل الإنصاف للضحايا.
وحث الأورومتوسطي السلطات العراقية على ضرورة تفعيل الطرق الحديثة في التعرف على المطلوبين والمشتبه بهم منعًا لحدوث أي لبس قد يضر بحقوق الأبرياء، والتأكد من تطبيق المعايير المحلية والدولية ذات العلاقة بظروف التفتيش والتوقيف والاحتجاز
اضف تعليق