يبدو ان الملفات الخلافية وصراع النفوذ لم ينته بسقوط الاتحاد السوفيتي ونهاية الحرب الباردة، فبين حين وآخر تنشأ ازمة بين الغرب وموسكو تسخدم بها الكثير من الوسائل الناعمة لايقاف الدب الروسي من النهوض مجددا.
فازمة القرم وما تبعها وتدخل موسكو في الصراع السوري واجهته الولايات المتحدة وحلفاءها الاوروبيين بحزمة عقوبات لتقليم اضافر الروس الطموحين بنيل المزيد من النفوذ، لكن الدولة الوريثة للاتحاد الكبير نجحت بدبلوماسية الرياضة على ما يبدو في ارسال رسائلها لمحاصريها ويكون بوتين هداف البطولة دون منازع.
يتذكر الكثيرون دورة الألعاب الأولمبية الشتوية التي استضافتها مدينة سوتشي الروسية عام 2014، ليس فقط بسبب ما أثارته بعدها فضيحة المنشطات – التي كشفت حصول العديد من اللاعبين الروس على منشطات بشكل ممنهج؛ مما أشار إلى برنامج مدعوم حكوميًا؛ وهو ما أدى إلى حرمان اللاعبين الروس من المشاركة في دورة الألعاب الأوليمبية الشتوية في بيونغ تشانغ – وأثار الشكوك حول وجود خطط روسية لتعظيم حضورها في مجال الرياضة، ولو بطرق غير مشروعة.
لم تكد تمضِ أيام قليلة على نهاية دورة سوتشي، وفيما كان زخمها لا يزال حاضرًا، حتى دشنت الحكومة الروسية حملتها لضم شبه جزيرة القرم؛ الأمر الذي أثار ردود فعل دولية غاضبة وإدانات واسعة، تكثفت بعدما أشارت أصابع الاتهام نحو روسيا في واقعة إسقاط طائرة الركاب الماليزية شرق أوكرانيا، وقد عمق التورط الروسي واسع المدى في الحرب السورية، واتهام موسكو بالتدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية 2016 من العزلة الروسية.
وكما كانت المحافل الرياضية هي المناسبة التي دشنت الأحداث التي ضيقت الخناق على الروس، ورسمت لموسكو صورة مشوهة على صعيد الرأي العام العالمي، يبدو أن محفلًا رياضيًا كذلك – مونديال 2018 – سيكون هو بداية نهاية تلك الحقبة، فالمونديال ما هو إلا مهرجان عالمي، سيحضر فيه 2.5 شخص من روسيا وخارجها المباريات.
وجه روسيا الاخر
سافر مئات الآلاف إلى روسيا، حيث شاهدوا "وجهًا جميلًا" غير الذي يرونه على شاشات المحطات الإخبارية، الجموع المحتشدة تصيح في حماس، والملاعب ملأى بالمشاهدين، ورجال الشرطة الروس يبتسمون في وجه الغرباء، لا حديث هنا عن السجون المريعة، ولا عن القبضة الحديدية، ولا عن ديكتاتورية بوتين، لا حديث سوى عن البطولة المنظمة التي لم تشهد إلى الآن ما يعكر صفوها، أو يهدد أمن مرتاديها.
في روسيا 2018 استعرض بوتين – الذي حاولت القوى الغربية حصاره – مهاراته في كرة القدم، وظهر بجوار أساطير الكرة وظهر رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) ملازمًا للـ"قيصر" في أكثر من مناسبة، سيكتمل المونديال دور حملة علاقات عامة ناجحة وفعالة، وفي الوقت المناسب تمامًا بالنسبة لبوتين.
دبلوماسية المستطيل الاخضر
"نحن نقدر كثيرًا كرم السيد بوتين وفضله، ونطمح إلى أن نتعلم من الطريقة التي نظمت بها روسيا بطولة كأس العالم بمثل هذا النجاح". بهذه الكلمات عبر مستشار الرئيس الأمريكي للأمن القومي جون بولتون عن إعجابه بتعامل روسيا مع المحفل الرياضي الأهم عالميًا، وجاءت تلك التصريحات على هامش اجتماعه مع الرئيس الروسي في الكرملين، حيث جرى الاتفاق والتحضير لاجتماع بين الرئيسين الروسي والأمريكي منتصف يوليو (تموز) الجاري، أي بعد يوم واحد من المباراة النهائية لكأس العالم، تنازلت واشنطن إذًا عن كبريائها وشروطها المسبقة، وقبلت بجلوس رئيسها مع بوتين الذي لم يقدم أيًا من التنازلات التي كانت واشنطن وأوروبا تصران عليها.
وعلى هامش مباريات كأس العالم كان ثمة مباريات سياسية أخرى يخوضها بوتين مع العديد من زعماء العالم؛ فللمرة الأولى منذ عام 1999، زار رئيس كوريا الجنوبية العاصمة الروسية، حيث أجرى مباحثات مع الرئيس الروسي الذي أكد له التزامه بالبحث عن حل سلمي للأزمة مع كوريا الشمالية.
كما أجرى بوتين على هامش المباريات لقاءات مع بعض رؤساء البلدان المشاركة في المونديال، مثل بنما والسنغال، فضلًا عن الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس، كما أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد أعلن أنه سيذهب إلى روسيا إذا نجح منتخب بلاده في التأهل إلى الدور قبل النهائي.
خسرت المنتخبات العربية وعادت وبقي القادة في موسكو
قضايا الشرق الأوسط حاضرة هنا في الأجندة الروسية كذلك، إذ حل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ضيفًا على بوتين خلال المباراة الافتتاحية التي جمعت بين المنتخبين الروسي والسعودي، والتي فاز فيها الروس بخمسة أهداف مقابل لا شيء، ونقلت الكاميرات بين الحين والآخر تعبيرات وجه بن سلمان المتعجبة مع كل كرة تسكن في شباك فريقه، فيما لا تفارق وجه بوتين ابتسامته الحذرة، وفي المنتصف يقبع رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في رمزية غير مقصودة ربما تدل على إطباق السياسة فكيها على الرياضة في ذلك المونديال.
وفيما تسابق إدارة ترامب الزمن لوضع حل نهائي للقضية الفلسطينية فيما يُعرف باسم "صفقة القرن"، يبدو أن الرئيس الروسي سيدخل على الخط من بوابة المونديال كذلك؛ إذ وجه بوتين دعوة لحضور المباراة النهائية لكأس العالم لعدد من القادة والزعماء، من بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وقد قبل الأول الدعوة، فيما لا تزال مشاركة نتنياهو غير مؤكدة حتى الآن.
اعداد: خالد الثرواني
المصدر: ساسة بوست
اضف تعليق