خلال العامين الأخيرين، زاد وصف نخبة السياسة الخارجية في أمريكا للصين على أن هذه الأخيرة ليست فقط منافسا للولايات المتحدة الأمريكية، بل عدوا أيضا، شأنها في ذلك شأن الاتحاد السوفياتي. ومع أن الخطاب المناهض للصين ليس جديدا على الولايات المتحدة الأمريكية، فإن إدارة الرئيس دونالد ترامب زادت من حدته، وبالغت فيه إلى درجة كبيرة. ويحدث هذا بغض النظر عن العلاقات الاقتصادية العميقة بين البلدين، والتعاون بينهما في العديد من المجالات العلمية والتعليمية، وسياسة الصين الثابتة التي تنص على عدم التدخل في شؤون الولايات المتحدة الأمريكية.
وتقول الكاتبة آن لي ان "الشخصيات المناهضة للصين في واشنطن تتضمن مدير مكتب التحقيقات الفيديرالي كريستوفرري، ومدير مكتب البيت الأبيض للسياسات التجارية والصناعية، بيتر نافارو، والسيناتور ماركو روبيو، وديريك سيسورز، عضو معهد الشركة الأمريكية. وبلغة تُردد صدى الحرب الباردة، يرى هؤلاء أن الصين دولة ديكتاتورية تهدد بقلب نظام عالمي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية. وفضلا عن هذا، تحاول إدارة ترمب احتواء الصعود الاقتصادي والجيوسياسي للصين عن طريق وضع ضغوط كبيرة، لا سيما حث الحلفاء على عدم شراء المعدات التكنولوجية الصينية، أو عدم بيع التكنولوجيا المتقدمة للصين".
وتضيف "ستظل هذه الانتقادات عدوانية بالنسبة للصين مهما فعلت هذه الأخيرة، مما يذكرنا بالثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي، عندما تعاملت الولايات المتحدة الأمريكية مع اليابان التي كانت قوية اقتصاديا، على أنها تهديد كبير للأمن القومي- مع أن اليابان كانت دولة ديمقراطية لم تُتهم باختراقات واسعة المدى لحقوق الإنسان. ومادامت الولايات المتحدة الأمريكية تصف الصين ب"المنافس النَّد"، فإن الولايات المتحدة الأمريكية ستتعامل مع الصين على أنها تهديد، حتى ولو كان زعماء الصين يساعدون أمريكا".
وتشير لي الى انه "خير مثال على هذا هي المفاوضات الأمريكية الصينية الحالية بشأن التجارة. فإذا لم تحصل أمريكا على ما تريده، فهي ببساطة ستفرض ضرائبا وعقوبات. ومن الممكن أن تكون الولايات المتحدة الأمريكية قد تخلت عن الديبلوماسية لصالح إصدارها لمطالب لم تناقش على طاولة المفاوضات".
وتوضح "يعكس أسلوب كهذا الاعتقاد المُضمَر- الذي يتقاسمه الجمهوريون والديمقراطيون على حد السواء- والذي يتمثل في ضرورة حفاظ أمريكا على صدارتها العالمية بأي ثمن. إذ بعد نهاية الحرب الباردة، استنتجت العديد من المؤسسات الأمريكية المعنية بالسياسة الخارجية، أن العدوانية اتجاه الاتحاد السوفياتي كان أسلوبا ناجحا.ومن ثم، أصبحت أمريكا أكثر استعدادا لاستعمال القوة العسكرية، وعينت نفسها "دولة لا يمكن الاستغناء عنها"، لها السلطة في التدخل متى وأينما وكيفما رأت ذلك مناسبا".
وتتابع "تدعم هذه النخبة الأمريكية استراتيجية "السيطرة الليبرالية "الكبرى. ولكن مع أنها تدعي تعزيزها للقيم اللبرالية، فإن هذه الاستراتيجية تحريفية إلى حد كبير، لأنها تسعى إلى إعادة تشكيل السياسات الداخلية في كل مكان. والنتيجة هي أن أمريكا واصلت شنها للعديد من الحروب التي لا جدوى منها، والتي أدت إلى نشوء دول فاشلة مثل (ليبيا) واحتلال طويل الأمد (أفغانستان)".
وتشير جانين آر ويدل في كتابها شادو إليت، إلى أن "النخبة الأمريكية المعنية بالسياسة الخارجية مدمنة على هذه السياسة، لأنهم يقَيِّمون ذاتهم ويقَوون مركزهم عبرها، ، بل يمكنها أيضا أن تجعلهم أثرياء. وغالبا ما يكون بين من يلقَّبون بالخبراء الذين يظهرون على الشاشة الأمريكية صراعات خفية حول المصالح، لا سيما الأسهم في الشركات الخاصة التي تستفيد من العقود العسكرية الأمريكية".
فيما تقول الكاتبة الصينية لي "اليوم، تعد أمريكا دولة رائدة في تصدير الأسلحة، كما أنها تنفق ما يقارب عن مليار دولار سنويا عل جيشها، أي أكثر من ما تنفقه تسعة دول مرة واحدة. ولا يتضمن هذا الرقم الحالي تكلفة الحروب، التي فاقت ملايير الدولارات".
وتبين "إن التدخل يباع للشعب الأمريكي وحلفاء أمريكا عن طريق تضخم التهديدات. ويدرك مناصرو هذه السياسة أنه عن طريق زرع الخوف، وعدم الأمان، والضعف- خاصة بمساعدة الإعلام المرن- سيحصلون على تفويض لمحاربة هؤلاء "الأعداء" الأجانب. ولقد أتقنوا هذا الأسلوب عن طريق الضغط على الأعضاء المعارضين في المجتمع الأمريكي للسياسة الخارجية، حتى يمتثلوا للرواية المناصرة للحرب".
وغالبا ما يحرم هؤلاء المعارضون، مثل الخبير الاقتصادي الأمريكي بول غرك روبرت، من الظهور على وسائل الإعلام السائدة، ويقصون من اجتماعات مهمة. وقد يصبح النقاد ضحايا لقتل الشخصية. إذ وُصفت العضوة البرلمانية إلهان عمر، على سبيل المثال، على أنها معادية للسامية، لأنها قالت أن مناصري إسرائيل نجحوا في التأثير على السياسة الخارجية الأمريكية.
وتضيف لي "سترتكب أمريكا خطأً فادحا إذا اعتمدت سياسة الحرب الباردة اتجاه الصين. إذ ستلحق سياسة كهذه ضررا بالاقتصاد العالمي عن طريق عرقلة التجارة، وإشعال فتيلة منافسة عسكرية شرسة، التي بدورها ستؤدي إلى شبح "فخ ثوسيديديس" للحرب ضد صين صاعدة. وستضع العدوانية بين القوتين التعاون العالمي الضروري لمعالجة المشاكل المشتركة لا سيما تغير المناخ، على المحك".
وتؤكد "إننا نحتاج إلى نموذج عالمي لتفادي هذه النتيجة. واليوم، تنبني السياسة الأمريكية على مبدأ أن أمريكا ليس لها أصدقاء دائمون، بل فقط مصالح دائمة. وهذا مفهوم. لكن إن لم يعترف صناع السياسة الأمريكيين أن مساعدة العالم لتحقيق الأهداف المشتركة، لا سيما التنمية المستدامة مصلحة أمريكية دائمة، فإن توقعاتهم قد تؤدي إلى كارثة".
وتوضح إن "أمريكا تواجه خيارا مهما بشأن طريقة تعاملها مع صعود الصين. وبالواقعية، والإبداع، وقوة الإرادة، يمكن لقادتها الدخول في مرحلة جديدة من العلاقات الدولية، تنتصر فيها حتمية السلم على أسياد الحرب. لكنني أشك في هذا".
اضف تعليق